أصدرت لجنة تفكيك النظام السوداني السابق قرارا بمصادرة وسائل الإعلام المتورطة في قضايا فساد وتابعة للإخوان. إلا أن تنظيمها وتسييرها ما زالا محل خلاف وجدال بين الوزارات المعنية. وظهر حجم المشكلة مع قرار إقالة المشرف على قناة الشروق ورفضه الامتثال لقرار لم تصدره وزارة الثقافة والإعلام باعتبارها المسؤولة عن القطاع. الخرطوم – لا يزال ملف القنوات التلفزيونية والصحف المصادرة في السودان عالقا بين وزارة الثقافة والإعلام ووزارة المالية، ولجنة تفكيك النظام السابق التي أصدرت قرارات المصادرة، ولم يتم البت في اسم الجهة التي يفترض أن تتولى تسيير هذه الوسائل الإعلامية وتنظيمها منذ مطلع العام الحالي. وتتقاذف الجهات المعنية المسؤولية والاتهامات بشأن غياب التنسيق والتنظيم في مسألة إدارة القنوات الفضائية المصادرة، بعد أن رفض المفوض الإداري لقناة الشروق الشفيع إبراهيم الضو الامتثال لقرار إقالته بحجة أنه لم يصدر عن وزارة الثقافة والإعلام. واعتقلت شرطة لجنة إزالة التمكين، المفوض المالي والإداري لقناة الشروق الشفيع إبراهيم الضو الثلاثاء، بعد رفضه تنفيذ قرار لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد، بإعفائه من منصبه في القناة قبل أسبوعين. وبعد خطاب الإعفاء الأول الذي تم إرساله إلى مفوض القناة، قامت اللجنة بإرسال خطاب ثانِ قبل أسبوع يحمل توقيع نائب رئيس اللجنة محمد الفكي سليمان، وينص على إنهاء تكليف الشفيع إبراهيم الضو وتعيين عاطف محمد الحسن خلفا له، إلا أنه رفض تنفيذ القرار مرة أخرى، وأكد أنه لن يغادر مكانه إلا بعد تلقي خطاب من وزارة الثقافة والإعلام. بدورها، نفت وزارة الإعلام استلامها قناة الشروق سواء بالإدارة أو الإشراف عليها عقب استردادها بواسطة “لجنة تفكيك النظام السابق” ووضعها تحت إشراف وزارة المالية. ووصف الضو بيان وزارة الإعلام بالمضلل وغير المسؤول، قائلا إن وزارة الإعلام تشرف ماليا على القناة وانتقد بشدة البيان الصادر عنها. كما اتهم أحد أعضاء “لجنة التفكيك” باستهدافه عقب رفضه تعيين أحد معارفه في القناة. وعادت وزارة الثقافة والإعلام وردت على الاتهامات في بيان صحافي الثلاثاء، قالت فيه “تلقت الوزارة سيلا من التساؤلات بل والاتهامات حول ما حدث في قناة الشروق من إعفاء المفوض الحالي وتعيين مفوض آخر وبعض المواقف والتطورات التي صاحبت هذا الأمر”. وأضافت الوزارة “منذ صدور قرار لجنة إزالة التمكين باسترداد قناة الشروق ومآل أسهمها إلى وزارة المالية، لم تتم بصورة رسمية أي عملية تسليم وتسلم لا بغرض الملكية أو الإدارة بين وزارة الإعلام وأي جهة أخرى”. ونفى البيان صلة وزارة الثقافة والإعلام بقناة الشروق قائلا ” ليس للوزارة علم عمّا إذا كانت أسهم القناة قد تم تسجيلها رسميا باسم وزارة المالية كما نص على ذلك قرار لجنة إزالة التمكين”. وأعلنت أن القرار الذي صدر بتعيين المفوض ومن ثم إعفاءه وتعيين مفوض آخر أصدرته لجنة إزالة التمكين باعتبارها صاحبة الولاية على القناة. وأشارت إلى أنه في أي وقت يصدر فيه قرار بمآل القناة إلى الوزارة (الثقافة والإعلام)، بالملكية أو الإدارة، سنحرص على إجراءات التسليم والتسلم، وعلى أن يكون قرار تعيين المفوض أو المدير من اختصاصنا. ويقول عاملون في القطاع إن هذا الخلاف بشأن الصلاحيات والمسؤولية عن القنوات المصادرة يعرقل عملها ويجعلها تعيش في فوضى تؤثر على أدائها في ظل تقاذف الاتهامات بين الجهات المعنية. ويأتي هذا الجدال بين الوزارات واللجنة المعنية بقرار المصادرة ليضاف إلى النقاش الأساسي بشأن وقف صدور صحيفتين ومنع محطتين تلفزيونيتين من البث للاشتباه في تلقيها تمويلا من الحكومة السابقة.وطالب قطاع كبير من الإعلاميين بسرعة تفكيك سيطرة عناصر النظام السابق على المؤسسات الإعلامية، كأحد أهم بنود واستحقاقات الوثيقة الدستورية، عقب عمل تلك المؤسسات على تأليب المواطنين ضد الحكومة الانتقالية التي يرأسها الخبير الاقتصادي عبدالله حمدوك. قطاع كبير من الإعلاميين يطالب بسرعة تفكيك سيطرة عناصر النظام السابق على المؤسسات الإعلامية، قطاع كبير من الإعلاميين يطالب بسرعة تفكيك سيطرة عناصر النظام السابق على المؤسسات الإعلامية وأعفى حمدوك، مدير هيئة الإذاعة والتلفزيون الإخواني إبراهيم البذعي من منصبه وكلف وكيل أول وزارة الإعلام رشيد سعيد يعقوب بتسيير مهام الهيئة في بداية يناير 2020. وأصدرت لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال، قرارا في يناير الماضي، بمصادرة تلفزيونَيْ “الشروق” و”طيبة” وصحفيتَيْ “السوداني” و”الرأي العام”، وتم التحفظ عليها وحجزها، ما يعني منع الصحيفتين من الصدور والمحطتين التلفزيونيتين من البث. وقال عضو مجلس السيادة محمد الفكي أن المراجع العام سيعكف على مراجعة أصولها. وأضاف “هذه المؤسسات كانت تتلقى التمويل من الدولة ونحن نريد إعادة أموال الشعب السوداني، والعاملين في هذه المؤسسات أن لن يتأثروا”. إلا أنّ رئيس تحرير صحيفة “السوداني” الموقوفة عن الصدور ضياء الدين بلال، رفض قرار اللجنة، مؤكدا على أنه “غامض ولم يتضمن أي تفاصيل”، وأضاف أن “القرار اتُخذ بسبب الاشتباه، وبالتالي لا يمكن أن تعاقب جهة ثم تبحث عن الأدلة”. وتحدّى بلال أي جهة سياسية وعدلية وقانونية أن تثبت تلقي صحيفته مبلغا ماديا من أي جهة حكومية أو حزبية، فيما أعلن عن اتخاذ الصحيفة إجراءات قانونية في مواجهة القرار. كذلك اعترض رئيس مجلس إدارة صحيفة “الرأي العام” علي إسماعيل العتباني على قرار لجنة إزالة التمكين ووصفه بـ”الظالم”، مؤكدا أن أسرته التي أسست الصحيفة في منتصف عام 1945 أُجبرت في فترة من عهد النظام السابق على بيع أسهمها، “لكن تمت إعادة شراء هذه الأسهم وفق القانون والدستور وتحت مظلة السلطة القضائية وفي وضح النهار في سوق الخرطوم للأوراق المالية باعتبارها شركة مساهمة عامة، وذلك في عملية بيع شفافة وواضحة في سبتمبر 2019 أي في عهد رئيس الوزراء عبدالله حمدوك”. وتابع العتباني “سنحتفظ بحقنا في انتهاج كل الأساليب القانونية لمناهضة هذا القرار الظالم، واسترداد حقوقنا المصادرة”. كما طالبت قناة “الشروق” الفضائية الخاصة، الحكومة الانتقالية بمراجعة القرار الذي وصفته بـ”الجائر والمجحف في حق المالك والعاملين والمشاهدين”. ورد مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون المكلف رشيد سعيد يعقوب، خلال مؤتمر صحافي بالخرطوم في يناير الماضي، أن لجنة تفكيك نظام الإنقاذ وإزالة التمكين لديها وثائق تؤكد تمويل قناة الشروق منذ تأسيسها بعشرات ملايين اليوروات، عبر وحدة تنفيذ السدود التابعة لرئاسة الجمهورية، وأنها ظلت تتلقى ميزانية تسيير سنوية من القصر الرئاسي طوال السنوات الماضية، منذ إنشائها حتى إيقافها بقرار من اللجنة. كما أن شركة الأندلس للإنتاج الإعلامي التي تملك مجموعة قنوات “طيبة”، والشركة مملوكة لشخص يدعى عبدالحي يوسف الإمام، وهو شخصية إعلامية معروفة بقربها من قيادات الإخوان في السودان، فضلا عن ملاحقته قضائيّا بتهم من بينها استغلال المال العام والدعوة إلى التطرف. واستقبل عدد كبير من الإعلاميين والصحافيين قرارات لجنة تفكيك المنظومة الإعلامية لنظام البشير بارتياح كبير، مؤكّدين أنها كانت منتظرة منذ فترة، وأن صدورها مسألة مهمة، بسبب الدعم المستمر الذي تقدمه لعناصر النظام البائد. وأشارت تلك القطاعات إلى أن القرار “انتصار للأوساط الشعبية التي تبحث عمَّن يتحدث بلسان الثورة في الإعلام”. ويعتبر إعلاميون سودانيون أن أغلبية هذه الصحف والقنوات تخاطب أساسا المنتمين إلى حزب المؤتمر الوطني الذي حكم سابقا، ولا تملك شعبية بين المواطنين المناوئين للتنظيمات الإسلامية، ما انعكس في خطابها أخيرا، إذ حاولت زرع الفتنة بين المواطنين من خلال الترويج لكل ما من شأنه زعزعة ثقتهم في الحكومة. يذكر أن جهاز الأمن الوطني والاستخبارات في السودان خلال حقبة نظام البشير، أنشأ مؤسسات إعلامية عدّة، وجرى توظيف مئات الموالين والمحسوبين على الحركة الإسلامية بالسودان في القنوات والصحف التي يملكها، ما حوّلها إلى منصات ترويجية للبشير ونظامه، وفق سياسة تحريرية تعبوية. وتخضع القنوات الحكومية، وعلى رأسها التلفزيون السوداني الرسمي، وقنوات الولايات المختلفة إلى سيطرة السلطة الانتقالية حاليا، فيما يسيطر رجال أعمال تابعون للنظام السابق على قنوات فضائية خاصة. ويهيمن بعض رجال الأعمال غير المحسوبين بصورة مباشرة على نظام البشير على قنوات أخرى، إلا أنّهم يُصنّفون أيضا كتابعين للنظام السابق، لأن تلك القنوات لم تكن لترى النور من دون موافقة الأجهزة القيادية التابعة لحزب المؤتمر الوطني المنحلّ.
مشاركة :