يبدو أن أنديتنا في سباق قراراتها المتسرعة امتهنت العزف على وثيرة إقالة المدربين والاستغناء عنهم، لقد احترفت التغيير في زمن الاحتراف الكروي، باتت تعزف نغمة مدرب يأتي وآخر يغادر، أصبحت تتربع على مرتبة متقدمة جدا في هذا الجانب قاريا وعربيا، ما يثير التساؤل عن واقعنا الكروي المرهون بالاحتراف أم ذاك المعني بزمن الهواية، فعملية التركيز على المدربين هي ذاتها لم تتبدل، ولم تتغير، بل على النقيض من ذلك تماما باتت ظاهرة إقالة المدربين مستفحلة جدا وأصبحت ملفتة للنظر مع بداية صافرة كل موسم كروي في خطوة متسرعة تسارع من خلالها إدارات الأندية الوطنية لإمتصاص الغضب الجماهيري وكأن المدرب وحده من يتحمل مسؤولية الإخفاق وتردي النتائج. للأسف الأندية المغربية في مجملها فشلت في اتباع منهجية سياسية مدروسة بصيغ علمية وتخطيط عميق لبناء مستقبل وقاعدة قوية للأندية المغربية، فالتغيير الذي تتبعه الأندية تأكد غير ما مرة أنه ليس طريقا لنجاح أي فريق وخير مثال مجموعة من الفرق أدمنت التغيير ولكن نتائجها بقيت مترنحة وغالبيتها يصارع كل موسم من أجل البقاء، مما يعطي مؤشرا واضحا أن الخلل لا يتحمل وزره المدربون فقط، بدليل أن بعض الإدارات لم تعِ تماما أن التدريب عمل مضنٍ مثلما له إيجابيات كثيرة فهناك سلبيات أيضا، لكن هل وفرت الإدارة أبسط مقومات النجاح للمدرب؟ هل هيأت الإدارة الظروف المناسبة لهذا المدرب؟ نعم الضغط يجب أن يكون وبصورته الحقيقية، والضغط المراد منه الهدف الواضح لا الغامض، لكن ما أن يقال مدرب على كم مباراة تمت إقالته؟ الإدارة من واجبها مساندة المدرب في أحلك الظروف كي يستطيع الوقوف على مكامن الخلل ومعالجتها، ربما يكون التقصير من جانب اللاعبين، ربما هناك ظروف معينة أحدثت خللا ما خلال المباراة، كلها أمور وجب دراستها من قبل الإدارة، قد تكون الإقالة أملتها ظروف معينة لإعادة الفريق إلى نقطة البداية، لذا فقدوم مدرب جديد بكل تأكيد يختلف أسلوبه ونهجه التدريبي سيحدث معه خللا في تدرج والرقي بمستوى الفريق، لذا فالإقالة التي تتم بها إقالة هذا الكم الكبير من المدربين معظمها تتكون بشكل خاطئ، وفي ظل عدم وجود تخطيط صحيح وارتجالية في اتخاد القرارات. المواسم أثبتت أن المدرب يبقى هو الضلع الأضعف في حلقة مفرغة من منظومة الكرة المغربية، وأن إنهاء عقده أو إلغاءه هو الوسيلة الأسهل لتهدئة الأوضاع، واستمرار إدارات الأندية، والحقيقة أن هذا الأمر، إهدار مالي، وتخبط وارتجالية في العمل، وغياب للاحترافية الحقيقية في منظومة العمل، وهو عمل يؤكد بوضوح انعدام آلية واضحة في طريقة التعاقدات، سواء بالنسبة إلى المدربين أو اللاعبين، وهو مؤشر إلى اﻹرتجالية التي تدار بها هذه الأندية، والأهم من ذلك، من هو الذي يتعاقد ويقيم ويقرر إلغاء العقد، وهل الأمر مرتبط بالنتائج وضغوط الجماهير والإعلام. للأسف مسلسل الإقالات أصبح سيناريو مكررا، إلا أن الجديد فيه أن بعض الإدارات لم تأت بجديد، ولم تستفد من أخطائها السابقة، فهي تقيل مدربا، وتتعاقد مع آخر، ثم تقيل الأخير، وتعود إلى الأول. في أزمة تغيير المدربين وجب وضع ضوابط في عملية التغيير سواء من نصوص وتشريعات وشروط ومواصفات وميثاق شرف بين المدربين فيما بينهم وميثاق آخر بين الأندية بين بعضها وأن نتوقف عن لعبة الكراسي المتحركة والتغييرات العشوائية وأن تكون أكثر حرصا ودقة في التشخيص وأكثر تروٍ عند اتخاذ القرار وأكثر دقة في الحكم وأكثر موضوعية في التقييم. هذا التغيير، بل يصل الأمر حد تدوير نفس المدربين على عدة فرق في أقل السنوات كان محل نقد كثيرين في مواسم مضت، غير أن ما يحدث من فوضى وعشوائية إدارية تبدد كل هذه المجهودات والأموال والوقت وتضر حتى بالمستويات الفنية، فالحديث عن تطوير البطولة لا يمكن أن يتم دون عمل إداري منظم داخل الأندية وليس عبر الجهات المنظمة مثل العصبة الإحترافية وجامعة الكرة. ما يحصل في كثرة تغيير المدربين يؤكد ضعف الفكر الرياضي لدى اغلب إدارات الأندية وأن ثمة أخطاء موجودة لابد من إيجاد حل لها، لأن الدعم المادي الذي تقف عليه الأندية سيكون أرقاما مقلصة كما هو معروف، وبذلك ستكون الميزانية غير منحصرة فقط على تعاقدات المدربين بل هناك مشاركات مطالب بها النادي محليا وخارجيا والحاصل بين أنديتنا أنها لا تزال تتغنى وترقص على ضعف خزينتها المالية، وهذا ما يمنعها من الإرتقاء أسرع بالرغم من الدعم المالي المخصص لها، لكن استفحال ظاهرة اقالات واستقالات المدربين كفيل لوحده أن يؤزم وضعها المالي. والمؤسف حقا أن مسيري الأندية لا يدركون تبعات التخلي عن مدربين بهذه الوتيرة المتسارعة، وكيف سيكون حجم الضرر أكبر على سمعة الكرة المغربية، وهنا يأتي الحديث عن عشوائية الإختيار والتعامل مع المدرب بعد وصوله وبدء عمله ودخول الجانب الإداري كعامل مؤثر على سير العمل الفني، وهل هذه الإدارات على حق وكل هؤلاء المدربين مخطئون، أما بقية الفرق وأعني فرق المؤخرة والوسط فليس غريبا أن تتصرف بهذه الطريقة التي كانت سببا في تراجعها في معظم المواسم الماضية، كل هذا يكشف عن مشكلة إدارية صرفة وعن غياب للعمل الإداري المنظم الذي سيؤخر الكرة المغربية كثيرا ما لم يوضع لهذه الفوضى حد يسهم في تطوير مسابقاتها.
مشاركة :