اتفق عدد من الخبراء الدوليين على أن عزم رئيس حكومة «الوفاق» الليبية، فايز السراج، استقالته من منصبه يثير العديد من التساؤلات حول العلاقات بينه وبين تركيا، وحول فقد الأخيرة سيطرتها تدريجياً على الوضع في غرب البلاد. ويرى الكاتب «دييجو كوبولو» في تحليل عبر موقع «المونيتور» في واشنطن أن موجة الاحتجاجات الأخيرة في غرب ليبيا والاقتتال الداخلي داخل حكومة «الوفاق» في طرابلس زادت من الضغوط على رئيس حكومة الوفاق. وتأتي هذه الأخبار بعد أن أكدت تقارير إعلامية أن الوضع في غرب ليبيا أصبح بائساً وأن الجميع يرفضون استمرار هذه الحكومة، إلا أن هذا القرار يثير الآن تساؤلات حول الاتفاقات السابقة والمستقبلية بين أنقرة وطرابلس. وفي نوفمبر 2019، وقع السراج اتفاقية مثيرة للجدل مع أنقرة ترسم حدوداً بحرية مشتركة في شرق البحر المتوسط في منطقة تطالب بها اليونان. ومنذ ذلك الحين، استخدمت أنقرة الاتفاقية كذريعة لإجراء أنشطة التنقيب عن الغاز في المياه المتنازع عليها، مما زاد التوترات بين تركيا والعديد من الدول الأوروبية في الأشهر الأخيرة. وقال جليل حرشاوي، الزميل الباحث في معهد «كلينجينديل» الذي يركز على ليبيا، لموقع «مونيتور»: «تركيا لديها ورقة واحدة فقط بخصوص هذا اتفاق البحري مع حكومة الوفاق، ويصادف أنها تحمل اسم السراج». وأضاف: «إذا استمر الليبيون في الضغط، وهو ما أعتقد أنه أحد الأسباب التي تجعل السراج يستخدم هذه اللحظة للإشارة إلى العالم بأنه مهتم بالمغادرة في وقت ما في المستقبل، فمن الأفضل أن يكون لدى تركيا خطة». وسلط الوضع العام الضوء على الخلاف داخل حكومة الوفاق الوطني قبل المفاوضات في جنيف الشهر المقبل التي ستسعى إلى إرساء الأساس لهيكل حكم جديد في ليبيا. وقال محللون إن شائعات تحول السراج إلى منصب مؤقت قد يكون محاولة للوفاء بواجبات الحكم دون التخلي تماماً عن السلطة حيث يستعد الزعماء السياسيون لانتخابات عامة فضلاً عن استفتاء دستوري في الأشهر الـ 18 المقبلة. وقالت أليسون بارجيتر، الزميلة البحثية في كلية «كينجز كوليدج لندن» للدراسات الأمنية، لموقع المونيتور: «صحيح أن السراج ضعيف إلى حد كبير بعد خلافه مع باشاغا، وأنه يواجه حالياً معارضة علنية متزايدة في طرابلس، ومع ذلك هذا لا يعني بالضرورة أنه مستعد للتخلي عن كل شيء حتى الآن». وأشارت إلى أن «استقالة السراج ستؤدي إلى خلق فراغ سياسي في غرب ليبيا من شأنه أن يزيد من إضعاف وتقويض مجلس الرئاسة وحكومة الوفاق الوطني، وقد تكون هذه الخطوة ضارة أيضاً بالعلاقات بين طرابلس وأنقرة». وأوضحت «في حين أن أنقرة لديها عملاء آخرين في ليبيا، بما في ذلك باشاغا، فإن السراج بصفته رئيساً لهيئة حاكمة معترف بها هي التي وفرت لتركيا الغطاء الشرعي لأعمالها في ليبيا والبحر المتوسط». ومن جانبه، أكد عماد الدين بادي، زميل بارز غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، أن نبأ استقالة السراج صحيحاً ولكن سيكون له تأثير محدود على التطورات الحالية. وقال بادي: «كان من الواضح بالفعل أن نتيجة محادثات جنيف ستؤدي على الأرجح إلى تشكيل كيان سياسي جديد، كيان لن يكون السراج على الأرجح جزءاً منه، الاستقالة المحتملة الآن فقط تعزز هذا الواقع». وأجمع الخبراء على أن فراغ السلطة الناتج عن استقالة السراج المحتملة لن يثير أسئلة حول تدخل أنقرة المستمر فحسب، بل وأيضاً التعاون الاقتصادي بين القطاع الخاص التركي والكيانات الليبية في غرب البلاد، مشيرين إلى أن التطورات الأخيرة تؤكد أن أنقرة تفقد السيطرة تدريجياً على هذا الشيء المعقد للغاية الذي يسمى «السياسة الليبية».
مشاركة :