الموت السريري والموت الدماغي

  • 7/31/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

هناك مصطلحان شائعان في الساحة الطبية هما الموت السريري والموت الدماغي، وقد عرّف أهل الاختصاص الموت السريري بأنه هو حالة الانعدام الفجائي لدوران الدم في الأوعية الدموية. وفي حالة الموت السريري يمكن إحياء الشخص بوساطة إنعاش القلب والرئتين، ويتطلب هذا العمل التدخل السريع في إنعاش قلبه، وإلا فإنه سينتقل لا محالة إلى مرحلة الموت الدماغي الذي يسمى بالموت البيولوجي أيضاً. أما الموت الدماغي أو البيولوجي، فهو حالة انعدام وظائف الدماغ (المخ) وجذع الدماغ والنخاع الشوكي بشكل كامل. ويقول الأطباء: إن الشخص الميت موتاً دماغياً يمكن أن يعمل قلبه لبرهة من الوقت حتى بعد موته، لأن القلب يدق بنفسه من غير أن يكون هناك دماغ يعمل. لكن الفرق بين هذا وذاك أن الميت موتاً دماغياً لا يقدر على التنفس، ومن ثم فإن نسبة الأوكسجين تقل تدريجياً في الدم، فيؤدي ذلك إلى توقف القلب. وقد حصل أن بعضهم مات موتاً دماغياً، وظل قلبه يعمل لمدة ثمانية وستين يوماً، لكن الأطباء يقولون: إن كان جذع المخ قد مات فلا أمل في إنقاذه، والمريض يكون قد انتهت حياته، ولو ظلت في أجهزة أخرى من الجسم بقية من حركة، فإنها في طريق التوقف (انظر بيان ندوة الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها التي عقدت في الكويت عام 1985). وفي المقابل وجد من مات سريرياً، فحكم عليه بالموت، لكن بوساطة الإنعاش عادت إليه الحياة، ما يؤكد أن الجزم بأن الموت السريري أو الموت الدماغي نهاية حياة، وللطبيب أن يقدر ذلك فيه تجرؤ على الله تعالى، فالله تعالى وحده يقدر الحياة والموت، قال تعالى: وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً (الآية 145 من سورة آل عمران). وأما القول إن الميت موتاً دماغياً يشبه من تبرع بإحدى كليتيه ثم بعد فترة مات، لكن كليته التي تبرع بها حية في الشخص الآخر، ومع ذلك فإن المتبرع نحكم عليه بأنه ميت، وكذلك من مات دماغه وقلبه ينبض فإننا نحكم عليه بأنه ميت. إن هذه المقارنة غير صحيحة، لأن الكلية الحية في جسم شخص آخر، ولو لم يكن ذلك الشخص حياً لما ظلت الكلية حية تعمل. من هنا، فإن البيان الذي أصدره الدكتور ممدوح سلامة الرئيس الأسبق للجمعية المصرية لجراحي المخ والأعصاب، نص على أنه لا موت والقلب ينبض، فالأحياء وحدهم من تدق قلوبهم التي في صدورهم، وهم وحدهم من تعمل أعضاؤهم وأجهزتهم التي في أجسادهم. وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي برئاسة الدكتور عصام أحمد البشير عدم الخلط بين الغيبوبة النهائية التي لا رجعة فيها، و الغيبوبة المؤقتة، وقرر أيضاً ضرورة وضع معايير لتشخيص حالات الموت الدماغي وشرعية موته. كما أكد الدكتور عبدالله الزبير الأمين العام للمجتمع أن الموت الدماغي لا يعد وفاة حقيقية، وطالب بضرورة التحقق من الموت وعدم نزع الأجهزة، ولفت النظر إلى أن أربعين عالماً أجمعوا على أن الموت الدماغي ليس حقيقياً (انظر دورة المجمع الإسلامي المنعقدة في 22-12-2013 في الخرطوم). وفي المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي انقسم الفقهاء إلى قسمين: 1- القائلون إن الموت الدماغي نهاية للحياة الإنسانية حتى ولو لم يتوقف القلب والدورة الدموية، واستدلوا بأن المولود إذا لم يستهل صارخاً لم يعتبر حياً حتى لو تنفس وبال، لأن ما يحصل لا إرادي بسبب موت الدماغ الذي هو المحرك. وقالوا أيضاً: إن الأطباء يقولون إذا رفض المخ قبول التغذية: مات الإنسان، والأطباء بما أنهم أهل الاختصاص، وجب علينا أن نصدقهم. وقد ذهب إلى هذا القول الدكتور عمر سليمان الأشقر، والدكتور محمد نعيم ياسين، والدكتور محمد علي البار، والدكتور أحمد شرف الدين (انظر قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي بجدة للدورات من 1 - 10 ص 36). 2- القائلون إن موت دماغ الشخص دون قلبه لا يعد موتاً، واستدلوا بقوله تعالى: أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم.. إلى قوله تعالى: ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً. فقوله تعالى بعثناهم أي أيقظناهم. 3- القاعدة تقول: اليقين لا يزول بالشك، واليقين هنا حياة المريض الذي قلبه ينبض. 4- القاعدة الأخرى تقول: الأصل بقاء ما كان على ما كان، فالأصل هنا أن المريض حي، فيبقى كذلك حتى نجزم بزواله. وقد ذهب إلى هذا القول: الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ جاد الحق، والشيخ بكر أبوزيد، والشيخ محمد سعيد البوطي، والدكتور محمد المختار الشنقيطي، والشيخ عبدالله البسام، والشيخ محمد المختار السلامي، والشيخ بدر المتولي، والشيخ عبدالقادر العادي (انظر المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي، الدورة العاشرة بمكة عام 1408). ويظهر أن هذا الرأي هو الأحوط، فلا يجوز الحكم بموت إنسان، إلا إذا توقف الدماغ والقلب معاً.

مشاركة :