لأن الفن لا يرتقي إلا بفنانين حملوا رسالته عمراً، واستغرقوا في تفاصيل حلم الدراما الإماراتية، يحلم الفنان والمنتج أحمد الجسمي أن يتضاعف عدد المنتجين، ليصير للمنافسة طعم مختلف وروح جميلة همها الارتقاء بالمشهد الفني، وليصبح هاجس البحث عن المواهب الشابة عدوى تنتقل من منتج لآخر، حتى يطمئن المستقبل، وتتحقق الرؤية التي يحدثنا عنها النجم أحمد الجسمي في هذا الحوار، وتفاصيل كثيرة حول الدراما الإماراتية والخليجية. } على خلاف السنوات الماضية، التي كنت فيها مقلاً في ظهورك على الشاشة، شاركت هذه السنة في عملين إماراتيين، هل تغيرت الظروف التي كانت تشغلك سابقاً؟ أنا موجود دائماً، كممثل في الدراما أو المسرح أو كمنتج، فأنا و الحمد لله، ما زلت أرضي غروري بتقديم الأعمال على خشبة المسرح وفي التلفزيون، وأعتبر نفسي فناناًَ مجتهداً، أحرص على تقديم أعمالاً ترضي الناس ولا تمرّ عليهم مرور الكرام، ولديَّ قناعة بأن العمل الجيد يبني علاقة جيدة مع الجمهور، وعندما يكبر الفنان يصبح محاسَباً على خطواته أكثر من غيره، وأعتقد أن الوقت لم يكن مناسباً بالنسبة إلي في الأعوام الماضية، خاصة أنني كنت أبذل جهدي لأقدم أعمالاً متميزة للجمهور من خلال شركة جرناس للإنتاج الفني وهذا هدف، ولست أدعي أنني الأفضل ولكنني مثل كل المنتجين والفنانين أسعى لتقديم أفضل ما يمكنني، والسوق يحوي الصالح والطالح. } كيف تنظر إلى المنافسة الإنتاجية بين الشركات الإماراتية؟ لا يرى الإنسان مدى تطوره وجودته إلا عندما يرى المنافسين، أنا أشجع زيادة عدد المنتجين في الإمارات، وأتمنى أن يكون لدينا 10 منتجين جيدين ليسهموا في نهوض الدراما، فلدينا الكثير من الفنانين والمحطات التلفزيونية، والتطور الذي يدعم هذه النقلة، و لدينا في غرفة التجارة والصناعة عدد من شركات الإنتاج الإماراتية، ولكن الذين يعملون في هذا المجال لا يتعدون أصابع اليد الواحدة، علماً بأنه ليس هناك أجمل من المنافسة والغيرة التي تدفعنا لتقديم الأفضل، فأغار من جمال سالم وهو يقدم شبيه الريح، وهو في المقابل يشاهد عام الجمر ويعجبه، و أبارك لحبيب غلوم على خطوته الأولى، أخبره أنها أصابت وعليه أن يحرص على هذا النجاح، فنحن بحاجة إلى المنافسة، ورغم أن الإنتاج تجارة في حقيقته، إلا أن الهدف في النهاية تقديم فن جميل. } هل كان مسلسل عام الجمر مغامرة إنتاجية بكل ما يحويه من اختلاف؟ التميز أن تكون مختلفاً، وأنا أشعر بالفخر في هذا العمل بالفنانين الإماراتيين، وبأن كاتب العمل يوسف إبراهيم، والمخرج عمر إبراهيم جاءآ من السينما، يبحثان عن فرصة وكنت أبحث عن المغامرة المدروسة، فالتقينا وكان المسلسل بالفعل تجربة جديدة، ومغامرة ضخمة للمخرج ولي كمنتج وضعت كل ثقلي في هذا العمل حتى أقدم كل هذه الخيالات، فالإبداع يحتاج أن تطرق أبواب منطقة أخرى، وفي الحقيقة كنا نعتقد أن العمل قد لا يصل إلى الجمهور، لكننا تأكدنا أنه هو أيضاً يريد الذهاب إلى منطقة أخرى جديدة. ولا ننسى أن الورق مهم جداً وكان هو العنصر الأساسي في تميز العمل، وهذه شهادة تقدير مني للكاتب يوسف إبراهيم لقدرته على الوصول إلى مشاعر الناس، ليتناول الدين والمسجد والقرآن ويضع الأشياء في مواقعها الحقيقية، بحيث يتلمس الناس هذا الواقع، ولا أنسى تميز المخرج عمر إبراهيم الذي فاجأني، كان يعي تماماً ماذا يريد من كل لقطة، ويتعامل ببساطة تامة ولا يأخذ لقطات مجانية أبداً. } ذكرت أن الإنتاج كان مغامرة بالنسبة إليك، ما هي الصعوبات التي واجهتها في إنتاج هذا العمل؟ المشكلة الأولى التي واجهتنا كانت في الزمن الذي كان يجب أن نحترم تفاصيله، فالزمن لا يعود إلى الماضي البعيد في الثلاثينات مثلاً فيحل الأمر بأدوات بسيطة جداً بالنسبة إلى البيوت والديكور، ولا هو يحكي أحداث فترة معاصرة فأصور في الشارع كما هو، لكن العمل يعود إلى ما بين 1985و1990، لذا كان يجب أن نراعي البيوت والإكسسوارات، وموديلات السيارات، والبضاعة في الشارع، والتلفزيون، إضافة إلى الحريق الضخم الذي يبتلع خمسة أو ستة بيوت. } أنشأتم حياً كاملاً لكي تضرموا الحريق فيه، ألم يكن هناك حلاً إخراجياً يعفيكم من هذا الحريق؟ العمل قائم على الحريق الذي ينشب في بيت وينتشر إلى 6 بيوت، فتسقط الأسقف وتنكشف الأسرار، يأخذ من مات سره معه، ويواجه من بقي جراحه وأسراره التي بقيت بداخله، وكان لدينا مشاهد قبل الحريق، ثم أثناء الحريق وبعده، وأردنا أن نبذل جهدنا لنقدم شيئاً مقنعاً للمشاهد، فبنينا البيوت وأحرقناها، ورمّمناها، لنعيد حرقها من جديد، وأحضرنا شركة متخصصة بالحرائق لتنفذ الحريق، كما أراده المخرج كبيراً وضخماً، وأحضرنا المطافي للاحتياط، وبهذه المناسبة أشكر هيئة الدفاع المدني في الفجيرة، وبلدية الفجيرة، وكلاً من هيئة الثقافة، ومشفى خورفكان والفجيرة، والشكر الأكبر لأهالي المنطقة الذين احتضنونا وصبروا علينا. } على عكس الأدوار الشريرة التي اشتهرت بها، اخترت شخصية المطوع الطيب لماذا؟ في كل شخصية كنت أحاول أن أقدم شيئاً جديداً ومختلفاً، وفي هذا العمل كان لدي بعد نظر في الشخصية، فحرصت على أن أقدم المطوع المعتدل، الإنسان قبل كل شيء، ورفضت أن يكون غموضه سلبياً لدرجة الكراهية، فنحن في هذا الوقت بحاجة لإبراز الوجه المنير والطيب لشخصية المطوع، قدمت المطوع الذي نعرفه جميعاً، والذي يعتبر نموذجاً للمسلم الحقيقي، لا علاقة له إلا بالمسجد، وهدفه أن يُحفِّظ الناس القرآن ويصلّي ويدعو لهم بالخير، لذلك بدا متزناً هادئاً بلحيته المعتدلة وملابسه العادية، وحتى لما أثيرت حوله الشكوك، تناقشت مع المؤلف والمخرج، بضرورة أن نوضح أنه يسجن ليس لارتكابه جريمة ما، بل لهدف نبيل وهو رغبته في حفظ سر "آية" المتوفاة، والتي كان يراها طاهرة، ويرفض أن يساء الظن بها. } لاحظنا في السنوات الأخيرة أنك صرت أشبه بصياد ماهر يجيد اختيار المواهب الجديدة، كيف تجد هؤلاء الشباب؟ لست أبالغ إن أخبرتكم أن البحث عن المواهب الشابة هدف عندي. المقربون مني يعرفون هذا جيداً، ربما في البداية لم أكن قادراً على تحقيقه، فقد كنت أسعى لتحقيق مكانتي كمنتج وإثبات جدارتي ليقبل التلفزيون إنتاج الأعمال التي أقدمها، ولكن عندما توطدت العلاقة مع المحطات المحلية، خصوصاً مؤسسة دبي للإعلام، وأبوظبي للإعلام، والشارقة للإعلام وأصبحوا يثقون برأيي، بدأت اكتشاف وجوه جديدة. ودعم هذه المؤسسات لامحدود للدراما الإماراتية. أنا ابن المسرح، وأعرف الكثير من المواهب الرائعة التي لا تجد الفرصة للظهور على التلفزيون لفقر الإنتاج الدرامي، واكتشفت بعض الوجوه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر المهرجانات التي أحرص على حضورها مثل (أيام الشارقة المسرحية، مهرجان المونودراما، ومهرجان دبي السينمائي.. وغيرها) ومن واجبنا أن نشارك فيها لنرصد ما يقدمه أبناؤنا، وأنا مهتم بمتابعة أفلام الشباب في الفترة الأخيرة، خاصة عندما اتجهوا للأفلام الروائية الطويلة وبدؤوا يختصون أكثر، أنا بالفعل أبحث عن شيء للمستقبل، وأقصد المخرجين الشباب، فنحن نعاني نقصاً، وعلينا دعم الشباب وأعتقد أن المنتجين الآخرين سوف يرون هذا وتنتقل العدوى مني إليهم. } لماذا شاركت في مسلسل شبيه الريح الذي يقوم ببطولته عبد الله زيد؟ قد تكون شهادتي مجروحة في المؤلف جمال سالم فهو صديق العمر، وزميل وشريك فني، جمعتنا أعمال مشتركة، فأنتجنا عملين كمنتجين منفذين، وأنا أعتبره من أهم الكُتَّاب الساحرين في الوطن العربي، ودائماً أقولها له: قلمك فاضي؟، لأني أحب أن أعمل معه، هو يعرف ما يكتب، ويعرف كيف يصنع نجماً، ورغم أن مسلسل شبيه الريح مكتوب لعبد الله زيد الذي أعتبره ابن جرناس، إلا أنني لم أستطع مقاومة إغراء المشاركة في عمل كتبه جمال سالم، فقد طلب مني أن أكون نجم الحلقات التي تتناول منطقة دلما، وأنا أقولها من دون مبالغة: النجوم يذهبون وراء قلم جمال سالم، وأنا أهنئهم بالنجاح الكبير الذي حققه العمل. } هل يفرض التلفزيون عليك أسماء معينة ليضمن تسويق العمل؟ عندما تدفع إدارة التلفزيون خمسة أو ستة ملايين درهم لإنتاج العمل، يحق لها أن تختار أسماء نجوم مشهورين، لتضمن التسويق، خاصة إن كانوا من الكويت أو من السعودية، وهذا طبيعي جداً، وليس في هذا أي انتقاص للفنان الإماراتي، فالمسرح الإماراتي من أقوى المسارح الخليجية وأعماله تعرض في أهم المهرجانات، لكن النجومية يصنعها التلفزيون وهذا واقع، ولكي نسوّق أي عمل علينا أن نختار وجوهاً معروفة على الشاشة، ولهذا اخترنا نجوم الإعلام في مسلسل دبي - لندن - دبي مثل سعود الكعبي، وليلى المقبالي، ورؤى الصبان، ونحن الآن نعمل على صناعة نجوم إماراتيين يدعمون الدراما، ومن التجارب التي تستحق الذكر الممثل عبد الله زيد الذي حقق نجاحاً باهراً في السنوات الأخيرة. والاستعانة بنجوم من الخليج العربي لا تعني أبداً أن الممثل الإماراتي سيئ أو ضعيف. } ما هي معطيات تفاؤلك بالدراما الإماراتية؟ أرى أنها أكثر حظاً لأن لدينا الكثير من المعطيات التي نعول عليها، وأولها الأرضية الثابتة التي بنيناها خلال سنوات من الجهد، والحريات التي يتمتع بها الفنان الإماراتي، وحدود التعامل في القضايا، والثقافة، ولهذا الدراما المختلفة ستكون الإماراتية. } لديك اهتمام بمتابعة نتائج الاستطلاعات حول الموسم الرمضاني كل عام، ماذا تعني هذه الاستطلاعات بالنسبة إلى الفنانين؟ الاستطلاعات التي تأتي بعد رمضان تكون مرتبطة بعدد من الأفراد، قد يكونون أحياناً بعض أصدقاء الصحفيين، أو أناس لهم علاقة معهم، لكن هذا لا ينفي أن العمل الجيد لا بد أن يظهر، وأنا هنا لست أطعن بهذه الاستطلاعات لأنها تفرحنا رغم كل شيء، ومع هذا ألفت إلى ملاحظة اختلاف استطلاع صحفنا المحلية عن بعضها بعضاً بشكل كبير، وهذا دليل على صحة كلامي، وما أقصده أننا بحاجة إلى دراسة نقدية علمية تتناول مجموعة من المتخصصين سواء كانوا فنانين، أو مخرجين، أو نقاد، أو فنيين، أو مثقفين ومهتمين بالشأن الفني، ومتابعين للدراما. الدراما الخليجيةهي الكويتية يقول الجسمي عن وجود الدراما الخليجية: لنسأل أنفسنا أين هي الدراما القطرية، أو البحرينية، أو حتى السعودية؟ علينا أن نعترف بأن الدراما الخليجية هي الكويتية فقط، فلولا أن المبدع ناصر القصبي استطاع أن يقدم أعمالاً مميزة بوعيه وثقافته، لما ظهرت الدراما السعودية هذا العام. الدراما الكويتية بدأت منذ أكثر من 50 عاماً، فاستطاعوا أن يتفوقوا علينا، لتصبح الكويت هي هوليوود الخليج، ومن الطبيعي أن يسعى الفنانون إلى الكويت، وإذا أردنا أن نكون واقعيين، علينا أن نعترف بأن الجمهور الخليجي يتمركز في السعودية، وهم يفضلون اللهجة الكويتية والحكايات التي اعتادوا عليها، وهنا أود أن أحذر من تشابه الحكايات التي بدأت تدور في حلقة مغلقة، ولهذا أرى أن الدراما الإماراتية سوف يكون لديها قفزات كبيرة لتكون في المنافسة خلال السنوات المقبلة.
مشاركة :