بروكسل- حرّكت المفوضية الأوروبية مرة أخرى المياه الراكدة لمسألة فرض ضرائب عالمية على شركات التكنولوجيا العملاقة، والتي تعد من أبرز القضايا المثيرة للجدل والعالقة مع الولايات المتحدة منذ نحو ثلاث سنوات. ولم يكن مستغربا بالنسبة للمراقبين أن يعود الجدل مرة أخرى ويحتد حول ضوابط تكنولوجيا الاتصالات والذكاء الاصطناعي وخاصة من طرف الشركات الأميركية، والتي هيمنت على تلك التقنية وكانت لها الكلمة الفصل في تحديد الاتجاه التي تسير وفقه التكنولوجيا الرقمية. وترى معظم دول الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا، أن الشركات التكنولوجية العملاقة في وادي السيليكون عبارة عن دول “رقمية مارقة”، وأنه لدى المسؤولين الأوروبيين إصرار كبير على أن اتفاقا دوليا هو الحل الوحيد القابل للتطبيق لخلاف عبر الأطلسي بشأن كيفية فرض الضرائب على تلك الكيانات. ويتركز الجدل على أربع شركات هي غوغل وأبل وفيسبوك وأمازون بسبب نفوذها واحتكارها وتهديدها للمنافسة العادلة، وهي شركات تواجه منذ أكثر من عامين ضغوطا متزايدة بشأن خطورة نفوذها الهائل وخاصة إذا ما تعلق الأمر بمسألة الخصوصية والأمن، والتي اتضحت حينما دخلت نادي التريليون دولار. وتعد فيسبوك الأميركية من أبرز الشركات المستهدفة باعتبار القاعدة الجماهيرية الكبيرة التي تحظى بها على مستوى العالم حتى أنها توصف بـ”بلد الثلاثة مليارات ساكن”، إلى جانب الشركات العملاقة بوادي السيليكون الأخرى، والتي من بينها أمازون وأبل وغوغل ومايكروسوفت. شركات وتحولت الضغوط من بعض كيانات منافسة صغيرة في أوروبا إلى مطالبات من أعلى سلطات اتخاذ القرار بتفكيك تلك الشركات عبر فرض قيود مالية أكبر عليها حتى تمتثل للقانون، غير أن المسؤولين التنفيذيين في تلك الشركات يلجأون دائما إلى إجابات مثيرة للحس الأميركي، وهي أن ملاحقتها ستفتح الطريق أمام الهيمنة الصينية. ولكن مع دخول النزاعات التكنولوجية إلى حقبة جديدة، يبدو أن الأوروبيين مصرون على تعزيز أدواتهم التشريعية بحلول نهاية العام الجاري ضد هيمنة الشركات الرقمية العملاقة، والتي قد تصل إلى استبعادها من السوق المشتركة، وفق ما أعلن مفوض السوق الداخلية تييري بريتون لصحيفة “فايننشل تايمز” البريطانية. ويرى المفوض الأوروبي أن شركات التكنولوجيا العملاقة، التي يعبر عنها اختصارا باسم “غافا”، وهي الحروف الأولى للشركات الأربع محور النزاع كبيرة جدا إلى درجة تثير الاهتمام وأن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى إشراف أفضل على هذه الشركات مثل تعزيز قواعد النشاط المصرفي بعد أزمة عام 2008. ومن المقرر أن تكشف المفوضية تشريعات جديدة بحلول نهاية العام تحت اسم “قانون الخدمات الرقمية” تعد أولوية للسلطة التنفيذية الأوروبية، من أجل مراقبة أفضل لكيفية توسيع المنصات الكبيرة لأنشطتها ومواجهة المعلومات المضللة أو إدارة البيانات الشخصية. وتهدف هذه الخطوة إلى حماية المستهلكين والمنافسين الصغار بشكل أفضل. وقد يصل حجم العقوبات المفروضة على المنصات التي تجبر مستخدميها على الاستعانة بخدماتها فقط، إلى مطالبتها بالانفصال عن بعض عملياتها. ومع ذلك لا تزال هناك تساؤلات حول كيفية تضييق الخناق على تلك الشركات ما دامت الإدارة الأميركية لا تتعاون مع حلفائها إلا من خلال الضغط وممارسة الحرب التجارية كما فعلت إدارة دونالد ترامب مع الصين في مسألة حظر أنشطة العديد من التطبيقات الرقمية في البلاد بتعلة أنها تمس من الأمن القومي وتعتبر المسؤولة عن القيم والشفافية في المفوضية الأوروبية فيرا جوروفا أنه ثمة حاجة ملحة لأن تكون المنصات الرقمية أكثر مسؤولية ويتعين عليها الخضوع للمساءلة، ويجب أن تصبح أكثر شفافية. وقالت “لقد حان الوقت لتجاوز تدابير التقنين الذاتي”. وتستند جوروفا في تبريرها على تقييم تم عرضه في بداية سبتمبر الجاري لتنفيذ قانون الممارسات الجيدة ضد المعلومات المضللة، والذي أطلق في 2018 ووقعت عليه غوغل وفيسبوك وتويتر ومايكروسوفت وموزيلا وأخيرا تيك توك. ويبلغ معدل الضريبة الحالية على عمالقة التكنولوجيا في أوروبا حوالي تسعة في المئة، في حين تدفع شركات في قطاعات أخرى ضريبة بنسبة 23 في المئة. ووفقا للخطة الأوروبية المقترحة، فإن الضرائب ستطبق على أي شركة تتجاوز عائداتها المالية العالمية 750 مليون يورو وتتجاوز مبيعاتها في فرنسا 25 مليون يورو، والتي تمثل نحو ثلاثين شركة.
مشاركة :