ما جرى في منفوحة بمدينة الرياض من أحداث شغب من العمالة المتخلفة والمنفلتة، وخاصة (الإثيوبيين)، يُشير إلى مشكلة أكبر، وهي أننا نؤجل كثيراً من قضايانا الملحة، أو أننا نتراخى في حلها، أو نحلها حلولاً وقتية، ثم لا تلبث المشكلة إلا أن تعود ثانية؛ تتوارى عن الأنظار مدة من الزمن، وحين نفقد الحماس، تمد عنقها من جديد، فيكون انعكاسات هذا الحل للمرة الثانية، أو الثالثة، مكلفاً على كل المستويات. مشكلتنا من خلال مراقبتي لكثير من قضايانا المعلقة أننا نؤمن ونطبق دائماً، وليس فقط في حالة الاضطرار، المثل الذي يقول : (لا يُقتل الذئب ولا تفنى الغنم)؛ بل لماذا لا يُقتل الذئب لتبقى الغنم؟.. فمن التفريط إذا كنت تملك بندقية، وتستطيع أن (تتصيد) الذئب وتقتله ألا تقتله. ربما أن المثل يكون منطقياً إذا كنت لا تملك الوسائل التي بها تستطيع أن تصل إلى الذئب وتلغي وجوده، أما إذا كان بإمكانك أن تصل إليه ولديك الوسيلة لتُرديه قتيلاً، ثم تركته يَعبث في الغنم، فهذا بصراحة ومنتهى المباشرة (تفريط)!. ما ذكرته آنفاً ينطبق تمام الانطباق على مشكلتنا مع العمالة المتخلفة أو السائبة، أو تلك التي تدخل البلاد بذريعة الحج والعمرة ثم تقيم وتعمل بصفة غير مشروعة، أو التي تتسلل من خلال الحدود لتعمل؛ هذه المشكلة ليست جديدة أو مفاجئة، فعمرها قديم، بل ويصل إلى عقود، وتساهلنا في اجتثاثها طويلاً لسبب أو لآخر، حتى تضخمت وتفاقمت، وسيطرت على أغلب أسواق التجزئة في كل مدن وقرى المملكة، ليس ذلك فحسب وإنما كوّنت أيضاً عصابات محترفة تعمل في كل الممنوعات، ابتداء من السرقة والسطو وانتهاء بالدعارة وترويج المخدرات وصناعة والاتّجار بالخمور، ناهيك عن مشكلتنا العويصة والأخطر وهي (الإرهاب)؛ فقد وجد الإرهابيون في هذه العمالة السائبة والرخيصة والمُنفلتة بيئة خصبة، وأيدي متاحة ورخيصة، لتنفيذ مؤامرتهم الدنيئة لهز أمن البلاد. أعرف يقيناً أننا سنسيطر على هذه الأحداث مهما كانت ردود الفعل، وأننا بعد هذه الأحداث المؤسفة والخطيرة سنتنبه لأخطارها جيداً، فليس من سمع كمن رأى، وها نحن رأينا انعكاساتها وخطورتها على أهم متطلبات عيش وحياة الإنسان وهو (الأمن في الأوطان)؛ ومثلما تمكنت سلطات المملكة الأمنية من محاصرة الإرهاب، ورصد تحركاته، وتطويقه، رغم تعقيداته، وتداخلاته مع الدين والمجتمع، ستتمكن هذه الجهات من محاصرة هذه العمالة والحد من أخطارها حتماً؛ وإن طال الزمن، ولن نعدم الوسائل. المهم أن نستفيد من التجربة جيداً، خاصة فيما يتعلق بسرعة المبادرة إلى مشاكلنا المعلقة وحلها حلولاً جذرية وليس نصف حل، أو المجاملة في الحلول، فالسكوت عن هذا أو مجاملة ذاك، سيجعلها تتفاقم وتتضخم وربما تصل إلى مرحلة يكون السكوت عنها أفضل من حلها؛ فنضطر حينها إلى التعامل مضطرين بقاعدة (السكوت عن المنكر إذا كان سيترتب عنه منكر أكبر منه هو عين المصلحة)؛ ولكي لا نصل إلى مرحلة السكوت عن القضايا لأن حلها سيترتب عليه منكر أكبر منها، يجب أن نبادر إلى الحل من الآن قبل أن يسبق السيف العذل. وأريد أن أختم بتغريدة قرأتها في (تويتر) منسوبة إلى احد الأجانب، معلقاً على حملة تصحيح سوق العمالة، يقول فيها: (لو استمرت حكومتكم على تتبع العمالة السائبة وحاصرتها جيداً فلن يبقى عاطل عن العمل في المملكة إلا الكسول والمريض) وهذا صحيح؛ إضافة إلى أنها ستُسهم مساهمة مفصليّة في محاصرة الجريمة بكل أنواعها. المهم (الصملة) والاستمرار وعدم التراخي. الجزيرة
مشاركة :