بقلم: محمد حماد محمد متولي الشعراوي لقب بإمام الدعاة، واتفق كثيرون على كونه إمام هذا العصر، امتلك موهبة تقديم القضايا الدينية بمنتهى السهولة والبساطة، وانصبت مجهوداته في مجال الدعوة الإسلامية على تجديد الخطاب الديني، وهو صاحب أول تفسير شفوي كامل للقرآن الكريم، وأول من قدم علم الرازي والطبري والقرطبي وابن كثير وغيرهم سهلاً ميسوراً تتسابق إلى سماعه جميع المستويات، وقد كان تركيزه على النقاط الإيمانية في تفسيره، ما جعله يقترب من قلوب الناس، وناسب أسلوبه جميع المستويات والثقافات، فكان أشهر من فسر القرآن في عصرنا.ولد الشيخ الشعراوي في الخامس عشر من شهر ربيع الثاني عام ١٣٢٩ه الموافق ١٩١١م، في قرية دقادوس، التابعة لمحافظة الدقهلية، في جمهورية مصر العربية. وحفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره، وعندما بلغ الخامسة عشرة كان قد أتم تجويده.تابع الشيخ الشعراوي دراسته الابتدائية والثانوية في المعاهد الأزهرية في محافظة الزقازيق، وتخرج في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر عام ١٣٥٩ه الموافق ١٩٤١م، وحصل على الإجازة العالية ١٩٤١م، ثم حصل على شهادة العالمية (الدكتوراه) مع إجازة التدريس عام ١٦٣١ه، الموافق ٣٤٩١م. مناصب وجوائز بعد أن أنهى الشيخ الشعراوي دراسته الجامعية، عمل مدرساً في العديد من المعاهد الدينية في مصر، ثم أعير إلى المملكة العربية السعودية، للتدريس في كلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز آل سعود بمكة المكرمة، ولما انتهت فترة إعارته عاد إلى مصر، وعُيّن وكيلاً لمعهد طنطا الديني، ثم مديرًا لإدارة الدعوة بوزارة الأوقاف. كما عُيّن مفتشاً للعلوم العربية بجامعة الأزهر الشريف، وعُين مديراً لمكتب شيخ الأزهر حسن مأمون.في عام ١٣٤٩ه (١٩٧٥م)، عُيِّن الشيخ الشعراوي مديراً عاماً لمكتب وزير شؤون الأزهر، وعُين بعد ذلك وكيلاً لوزارة شؤون الأزهر للشؤون الثقافية، وعُين وزيرًا للأوقاف وشؤون الأزهر في وزارة ممدوح سالم، وخرج من الوزارة في ١٣٩٨ه (١٩٧٨م). وعُين بعد ذلك بمجمع البحوث الإسلامية عام ١٤٠٠ه الموافق ١٩٨٠م، وبعد ذلك تفرغ لشأن الدعوة، ورفض جميع المناصب السياسية أو التنفيذية التي عُرضت عليه.وفي عام ١٣٩٦ه (١٩٧٦م). مُنح وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، بمناسبة بلوغه سن التقاعد، وتفرغه لشؤون الدعوة الإسلامية. وحصل على جائزة الدولة التقديرية عام ١٤٠٨ه (١٩٨٨م)، وعلى درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة المنصورة في عام ٠١٤١ه (٠٩٩١م) كما حصل على جائزة دبي لشخصية العام ٨١٤١ه الموافق ٨٩٩١. ثراء فكري إرث الشيخ الشعراوي الفكري كبير ومتنوع فقد ترك الشيخ الشعراوي للمكتبة الإسلامية العديد من المؤلفات القيِّمة، وبعضها قام عدد من محبيه بجمعها وإعدادها للنشر، ومن تلك المؤلفات : (الإسراء والمعراج)، و(الإسلام والفكر المعاصر)، و(الإسلام والمرأة عقيدة ومنهج)، و(الشورى والتشريع الإسلامي)، و(المرأة كما أرادها الله)، و(من فيض القرآن)، و(المنتخب من تفسير القرآن)، وكتاب (نهاية العالم) وكتاب (الحلال والحرام)، وكتاب (الطريق إلى الله) وكتاب (معجزة القرآن) والكتاب مملوء بالأسرار الكبرى عن معجزات القرآن لم يتناولها أحد الأئمة من قبل ولا من بعد بهذه الصورة الإيضاحية المميزة والرائعة، وكتاب (السحر والحسد) وكتاب (الحياة والموت) وكتاب (تربية الأولاد في الإسلام)، وكتاب (المرأة في القرآن) وكتاب (أسماء الله الحسنى) وكتب أخرى غيرها كثيرة.وتبقى درته الخالدة، في تفسيره الشفهي للقرآن الكريم والذي طبع في مجلدات تحت اسم تفسير الشعراوي، وهو التفسير الذي تلقاه الناس بقبول حسن، عامتهم قبل خاصتهم، وانتشر التفسير عن طريق الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية، واعتمد على قدرات الشيخ اللغوية والفقهية الفذة في تفسير القرآن الكريم والتي شهد له بها علماء عصره حيث استغل طاقات اللغة في فهم النص القرآني وإيصاله إلى الناس بأسلوب عصري تفرد به وحده دون غيره من العلماء. «تفسير التفاسير» وقد كان تفسير الشيخ الشعراوي مؤثراً بحيث ينزل بفهم النص القرآني إلى جميع مستويات العقول والأفهام البشرية على مختلف تنوعها واتجاهاتها، بحيث يدرك معناه ومغزاه، ولذلك أعجبت به الجماهير من ذوي الثقافات العالية والمتوسطة والعوام، الذين يمثلون نسبة كبيرة من العالم الإسلامي.ولا شك في أن تفسير الشعراوي هو أشهر كتب التفاسير الحديثة، ويضعه البعض في مكانة الكتب المجددة لأمر الدين، وقال عنه الشيخ أحمد حسن الباقوري: «تفسير مولانا الشيخ الشعراوي؛ مزج القديم بالجديد، وآلف بين المناهج التفسيرية؛ فانتقى منها الأفضل، والأنسب، والأصلح، وأضاف إليها فقهه، وثقافته، وتبحره في العلوم»، وحين سئل الإمام المفسر محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف الأسبق قال: «تفسير الشعراوي؛ هو كنز التفاسير؛ بل هو تفسير التفاسير، وخلاصة الفكر، والنظر، والأثر»، ويقول الدكتور عبد الله شحاتة صاحب تفسير القرآن الكريم عن الشيخ الشعراوي وتفسيره: «عمدة المفسرين في القرن العشرين، وأبلغ من عاش مع كتاب الله العزيز؛ تلقياً، وتفكراً، واستنطاقاً، واستلهاماً، وتمثلاً في أغلب فترات حياته».أما العلامة الدكتور شوقي ضيف، رئيس اتحاد المجامع اللغوية العربية السابق، وصاحب «التفسير الوجيز»؛ فقال عن تفسير الشعراوي: «لقد أنار لنا الشيخ الشعراوي دروب الفهم، والتحليل، والتمنطق، والتفلسف، والاجتهاد؛ فاقتربنا أكثر من واحة القرآن؛ حتى كأنه كان يتنزل علينا بعد خمسة عشر قرناً من نزوله؛ وأسعفنا؛ بمقدرة المرء؛ صاحب العقلية الراجحة الناقدة، والاستيعاب التام، والفهم العجيب، والتذوق العالي، والكشف الروحاني؛ على مطارحة كبار علماء الأمة في مسائل العلم الشرعي، وغير الشرعي». تجديد متفرد وفي أطروحته لنيل الدكتوراه «منهج الشيخ الشعراوي في تفسيره ومقارنته بمناهج المفسرين المعاصرين» في كلية الآداب في جامعة عين شمس؛ ذكر الباحث محمد أحمد التجاني «أن ما يتمتع به تفسير الشعراوي؛ هو اشتماله على الكثير؛ من الاستنباطات، والتوفيقات، والترجيحات، والردود على الكثير من الأقوال التي شاعت في كتب التفسير؛ مما لا يتفق والشريعة الإسلامية؛ بحيث يبدو للمتابع أن الشعراوي استوعب ما سبق من أعمال المفسرين، وأضاف إليه ما يحتاج إليه المعاصرون من معارف العصر المتطورة. فقد جمع الشعراوي بين مدارس تفسيرية عدة؛ فأفاد من ميزة كل مدرسة قديمة، أو حديثة، كما أنه اهتم بالكشف عن جوانب الإعجاز في القرآن الكريم؛ سواء: البلاغي، أو الغيبي، أو العلمي، أو غيرها».ويرى الباحث محمد عبد الشافي القوصي أن الشيخ الشعراوي هو فيلسوف المفسرين، وحامل لواء التجديد في علوم القرآن والدين، ومن ظل رافعاً كتاب الله تعالى؛ في دروسه، وخلواته، ومناجاته، وحله، وترحاله، وشغله، وفراغه، ووعظه، ودعوته، ومناظراته، ومساجلاته؛ للنهل منه، والاستزادة بفيوضاته، وروحانياته؛ حتى فتح له الله باب العلم اللدني؛ فكانت خواطره الإيمانية؛ الجامعة بين العلم الدنيوي البشري، والعلم الوهبي الإلهي.ومما ينبغي أن يشار إليه هنا، أن التفسير المطبوع للشيخ الشعراوي، لم يضعه هو نفسه، وإنما جمعته بعض دور النشر من تسجيلاته الصوتية، وقام بعض علماء الأزهر بمراجعته وتخريج أحاديثه. وتمنى البعض لو أن الشيخ الشعراوي كتب تفسيره بيده؛ ليكون مقروءاً؛ كغيره من التفاسير الأخرى؛ بعد غربلته من الحكايات، واللهجة المصرية، والألفاظ الدارجة، بينما رأى آخرون أن هذه الحكايات وتلك اللهجة قربت التفسير إلى عقول الملايين من عامة المسلمين.
مشاركة :