الشعراوي.. إمام الدعاة وشيخ المفسرين

  • 9/25/2020
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

بقلم: محمد حماد محمد متولي‮ ‬الشعراوي‮ ‬لقب بإمام الدعاة،‮ ‬واتفق كثيرون على كونه إمام هذا العصر،‮ ‬امتلك موهبة تقديم القضايا الدينية بمنتهى السهولة والبساطة،‮ ‬وانصبت مجهوداته في‮ ‬مجال الدعوة الإسلامية على تجديد الخطاب الديني،‮ ‬وهو صاحب أول تفسير شفوي‮ ‬كامل للقرآن الكريم،‮ ‬وأول من قدم علم الرازي‮ ‬والطبري‮ ‬والقرطبي‮ ‬وابن كثير وغيرهم سهلاً‮ ‬ميسوراً‮ ‬تتسابق إلى سماعه جميع المستويات،‮ ‬وقد كان تركيزه على النقاط الإيمانية في‮ ‬تفسيره،‮ ‬ما جعله‮ ‬يقترب من قلوب الناس،‮ ‬وناسب أسلوبه جميع المستويات والثقافات،‮ ‬فكان أشهر من فسر القرآن في‮ ‬عصرنا‮.‬ولد الشيخ الشعراوي‮ ‬في‮ ‬الخامس عشر من شهر ربيع الثاني‮ ‬عام ١٣٢٩ه الموافق‮ ‬١٩١١م،‮ ‬في‮ ‬قرية دقادوس،‮ ‬التابعة لمحافظة الدقهلية،‮ ‬في‮ ‬جمهورية مصر العربية‮. ‬وحفظ القرآن الكريم وهو في‮ ‬العاشرة من عمره،‮ ‬وعندما بلغ‮ ‬الخامسة عشرة كان قد أتم تجويده‮.‬تابع الشيخ الشعراوي‮ ‬دراسته الابتدائية والثانوية في‮ ‬المعاهد الأزهرية في‮ ‬محافظة الزقازيق،‮ ‬وتخرج في‮ ‬كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر عام ١٣٥٩ه الموافق ١٩٤١م، ‬وحصل على الإجازة العالية‮‬ ١٩٤١م،‮ ‬ثم حصل على شهادة العالمية‮ (‬الدكتوراه‮) ‬مع إجازة التدريس عام‮ ١٦٣١ه، الموافق ٣٤٩١م. مناصب وجوائز بعد أن أنهى الشيخ الشعراوي‮ ‬دراسته الجامعية،‮ ‬عمل مدرساً في‮ ‬العديد من المعاهد الدينية في‮ ‬مصر،‮ ‬ثم أعير إلى المملكة العربية السعودية،‮ ‬للتدريس في‮ ‬كلية الشريعة بجامعة الملك عبد العزيز آل سعود بمكة المكرمة،‮ ‬ولما انتهت فترة إعارته عاد إلى مصر،‮ ‬وعُيّن وكيلاً‮ ‬لمعهد طنطا الديني،‮ ‬ثم مديرًا لإدارة الدعوة بوزارة الأوقاف‮. ‬كما عُيّن مفتشاً للعلوم العربية بجامعة الأزهر الشريف،‮ ‬وعُين مديراً لمكتب شيخ الأزهر حسن مأمون‮.‬في‮ ‬عام ١٣٤٩ه (١٩٧٥م)، عُيِّن الشيخ الشعراوي‮ ‬مديراً عاماً لمكتب وزير شؤون الأزهر،‮ ‬وعُين بعد ذلك وكيلاً‮ ‬لوزارة شؤون الأزهر للشؤون الثقافية،‮ ‬وعُين وزيرًا للأوقاف وشؤون الأزهر في‮ ‬وزارة ممدوح سالم،‮ ‬وخرج من الوزارة في ١٣٩٨ه (١٩٧٨م). ‬وعُين بعد ذلك بمجمع البحوث الإسلامية عام ١٤٠٠ه الموافق ١٩٨٠م،‮ وبعد ذلك تفرغ‮ ‬لشأن الدعوة،‮ ‬ورفض جميع المناصب السياسية أو التنفيذية التي‮ ‬عُرضت عليه‮.‬وفي‮ ‬عام ١٣٩٦ه (١٩٧٦م). مُنح وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى،‮ ‬بمناسبة بلوغه سن التقاعد،‮ ‬وتفرغه لشؤون الدعوة الإسلامية‮. ‬وحصل على جائزة الدولة التقديرية عام‮ ‬١٤٠٨ه (١٩٨٨م)،‮ وعلى درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة المنصورة في‮ ‬عام‮ ٠١٤١ه (٠٩٩١م) كما حصل على جائزة دبي لشخصية العام ٨١٤١ه الموافق ٨٩٩١. ثراء فكري إرث الشيخ الشعراوي‮ ‬الفكري‮ ‬كبير ومتنوع فقد ترك الشيخ الشعراوي‮ ‬للمكتبة الإسلامية العديد من المؤلفات القيِّمة،‮ ‬وبعضها قام عدد من محبيه بجمعها وإعدادها للنشر، ‬ومن تلك المؤلفات ‮: (‬الإسراء والمعراج‮)‬،‮ ‬و(الإسلام والفكر المعاصر‮)‬،‮ ‬و(الإسلام والمرأة عقيدة ومنهج‮)‬،‮ ‬و(الشورى والتشريع الإسلامي‮)‬،‮ ‬و(المرأة كما أرادها الله‮)‬،‮ ‬و(من فيض القرآن‮)‬،‮ ‬و(المنتخب من تفسير القرآن‮)‬،‮ ‬وكتاب (نهاية العالم‮‬) وكتاب (الحلال والحرام)،‮ ‬وكتاب (الطريق إلى الله) وكتاب (معجزة القرآن) والكتاب مملوء بالأسرار الكبرى عن معجزات القرآن لم‮ ‬يتناولها أحد الأئمة من قبل ولا من بعد بهذه الصورة الإيضاحية المميزة والرائعة،‮ ‬وكتاب (السحر والحسد) وكتاب (الحياة والموت‮) وكتاب (تربية الأولاد في‮ ‬الإسلام)،‮ ‬وكتاب (المرأة في‮ ‬القرآن) ‮ وكتاب (أسماء الله الحسنى) ‮ وكتب أخرى‮ ‬غيرها كثيرة‮.‬وتبقى درته الخالدة،‮ ‬في‮ ‬تفسيره الشفهي‮ ‬للقرآن الكريم والذي‮ ‬طبع في‮ ‬مجلدات تحت اسم تفسير الشعراوي،‮ ‬وهو التفسير الذي‮ ‬تلقاه الناس بقبول حسن،‮ ‬عامتهم قبل خاصتهم،‮ ‬وانتشر التفسير عن طريق الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية،‮ ‬واعتمد على قدرات الشيخ اللغوية والفقهية الفذة في‮ ‬تفسير القرآن الكريم والتي‮ ‬شهد له بها علماء عصره حيث استغل طاقات اللغة في‮ ‬فهم النص القرآني‮ ‬وإيصاله إلى الناس بأسلوب عصري‮ ‬تفرد به وحده دون‮ ‬غيره من العلماء‮.‬ «تفسير التفاسير» وقد كان تفسير الشيخ الشعراوي‮ ‬مؤثراً‮ ‬بحيث‮ ‬ينزل بفهم النص القرآني‮ ‬إلى جميع مستويات العقول والأفهام البشرية على مختلف تنوعها واتجاهاتها،‮ ‬بحيث‮ ‬يدرك معناه ومغزاه،‮ ‬ولذلك أعجبت به الجماهير من ذوي‮ ‬الثقافات العالية والمتوسطة والعوام،‮ ‬الذين‮ ‬يمثلون نسبة كبيرة من العالم الإسلامي‮.‬ولا شك في‮ ‬أن تفسير الشعراوي‮ ‬هو أشهر كتب التفاسير الحديثة،‮ ‬ويضعه البعض في‮ ‬مكانة الكتب المجددة لأمر الدين،‮ ‬وقال عنه الشيخ أحمد حسن الباقوري‮: ‬«تفسير مولانا الشيخ الشعراوي؛ مزج القديم بالجديد،‮ ‬وآلف بين المناهج التفسيرية؛ فانتقى منها الأفضل،‮ ‬والأنسب،‮ ‬والأصلح،‮ ‬وأضاف إليها فقهه،‮ ‬وثقافته،‮ ‬وتبحره في‮ ‬العلوم»، وحين سئل الإمام المفسر محمد سيد طنطاوي‮ ‬شيخ الأزهر الشريف الأسبق قال‮: ‬«تفسير الشعراوي؛ هو كنز التفاسير؛ بل هو تفسير التفاسير،‮ ‬وخلاصة الفكر،‮ ‬والنظر،‮ ‬والأثر»، ويقول الدكتور عبد الله شحاتة صاحب تفسير القرآن الكريم عن الشيخ الشعراوي‮ ‬وتفسيره‮: ‬«عمدة المفسرين في‮ ‬القرن العشرين،‮ ‬وأبلغ‮ ‬من عاش مع كتاب الله العزيز؛ تلقياً،‮ ‬وتفكراً،‮ ‬واستنطاقاً،‮ ‬واستلهاماً،‮ ‬وتمثلاً‮ ‬في‮ ‬أغلب فترات حياته».أما العلامة الدكتور شوقي‮ ‬ضيف،‮ ‬رئيس اتحاد المجامع اللغوية العربية السابق،‮ ‬وصاحب «التفسير الوجيز»؛ فقال عن تفسير الشعراوي‮: ‬«لقد أنار لنا الشيخ الشعراوي‮ ‬دروب الفهم،‮ ‬والتحليل،‮ ‬والتمنطق،‮ ‬والتفلسف،‮ ‬والاجتهاد؛ فاقتربنا أكثر من واحة القرآن؛ حتى كأنه كان‮ ‬يتنزل علينا بعد خمسة عشر قرناً‮ ‬من نزوله؛ وأسعفنا؛ بمقدرة المرء؛ صاحب العقلية الراجحة الناقدة،‮ ‬والاستيعاب التام،‮ ‬والفهم العجيب،‮ ‬والتذوق العالي،‮ ‬والكشف الروحاني؛ على مطارحة كبار علماء الأمة في‮ ‬مسائل العلم الشرعي،‮ ‬وغير الشرعي». تجديد متفرد وفي‮ ‬أطروحته لنيل الدكتوراه‮ ‬«منهج الشيخ الشعراوي‮ ‬في‮ ‬تفسيره ومقارنته بمناهج المفسرين المعاصرين» في‮ ‬كلية الآداب في‮ ‬جامعة عين شمس؛ ذكر الباحث محمد أحمد التجاني‮ ‬«أن ما‮ ‬يتمتع به تفسير الشعراوي؛ هو اشتماله على الكثير؛ من الاستنباطات،‮ ‬والتوفيقات،‮ ‬والترجيحات،‮ ‬والردود على الكثير من الأقوال التي‮ ‬شاعت في‮ ‬كتب التفسير؛ مما لا‮ ‬يتفق والشريعة الإسلامية؛ بحيث‮ ‬يبدو للمتابع أن الشعراوي‮ ‬استوعب ما سبق من أعمال المفسرين،‮ ‬وأضاف إليه ما‮ ‬يحتاج إليه المعاصرون من معارف العصر المتطورة‮. ‬فقد جمع الشعراوي‮ ‬بين مدارس تفسيرية عدة؛ فأفاد من ميزة كل مدرسة قديمة،‮ ‬أو حديثة،‮ ‬كما أنه اهتم بالكشف عن جوانب الإعجاز في‮ ‬القرآن الكريم؛ سواء‮: ‬البلاغي،‮ ‬أو الغيبي،‮ ‬أو العلمي،‮ ‬أو‮ ‬غيرها».ويرى الباحث محمد عبد الشافي‮ ‬القوصي‮ ‬أن الشيخ الشعراوي‮ ‬هو فيلسوف المفسرين،‮ ‬وحامل لواء التجديد في‮ ‬علوم القرآن والدين،‮ ‬ومن ظل رافعاً‮ ‬كتاب الله تعالى؛ في‮ ‬دروسه،‮ ‬وخلواته،‮ ‬ومناجاته،‮ ‬وحله،‮ ‬وترحاله،‮ ‬وشغله،‮ ‬وفراغه،‮ ‬ووعظه،‮ ‬ودعوته،‮ ‬ومناظراته،‮ ‬ومساجلاته؛ للنهل منه،‮ ‬والاستزادة بفيوضاته،‮ ‬وروحانياته؛ حتى فتح له الله باب العلم اللدني؛ فكانت خواطره الإيمانية؛ الجامعة بين العلم الدنيوي‮ ‬البشري،‮ ‬والعلم الوهبي‮ ‬الإلهي‮.‬ومما‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يشار إليه هنا،‮ ‬أن التفسير المطبوع للشيخ الشعراوي،‮ ‬لم‮ ‬يضعه هو نفسه،‮ ‬وإنما جمعته بعض دور النشر من تسجيلاته الصوتية،‮ ‬وقام بعض علماء الأزهر بمراجعته وتخريج أحاديثه‮. ‬وتمنى البعض لو أن الشيخ الشعراوي‮ ‬كتب تفسيره بيده؛ ليكون مقروءاً؛ كغيره من التفاسير الأخرى؛ بعد‮ ‬غربلته من الحكايات،‮ ‬واللهجة المصرية،‮ ‬والألفاظ الدارجة،‮ ‬بينما رأى آخرون أن هذه الحكايات وتلك اللهجة قربت التفسير إلى عقول الملايين من عامة المسلمين‮.‬

مشاركة :