لوحات ممسوحة الملامح تروي صخبها اللوني | صابر بن عامر | صحيفة العرب

  • 9/24/2020
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

يمارس الفنان التشكيلي الليبي عدنان بشير معيتيق الرسم من عالمين، الأول داخلي وفق ما تمنحه “بالاته” الخاصة من ألوان وحركات ورموز، والثاني خارجي، من خلال قراءته النقدية للفن التشكيلي في ليبيا، بالنقد المبني على فهم تاريخ الفن، وفهم الواقع الفني في وطنه، وهو الذي أصدر حديثا كتابا حمل عنوان “مكامن الضوء” قدّم فيه تجربة سبعة وعشرين فنانا ليبيا، ليبدو الكتاب كمعرض فني مفتوح. تتميّز لوحات الفنان والناقد التشكيلي الليبي عدنان بشير معيتيق بطابع درامي موغل في الرمزية، لوحات/ بورتريهات تجسّد في غالبيتها صراعا وتوترا سواء في المعنى والمبنى أو في اللون والحركة، أو في البياض والسواد وما تحفل به الرسومات من لطخ للألوان الحارة، الأحمر والأصفر خاصة، لتغدو في النهاية إيقاعا حركيا ممنهجا يُحيلنا إلى صخب الفكرة قبل أن تتشكّل على القماشة معاني مجرّدة. “العرب” سألت بداية الفنان/ الناقد عدنان بشير معيتيق الذي صدر له مؤخرا كتاب “مكامن الضوء” عن تجارب مختارة من الفن التشكيلي الليبي، وعن مدى تمكّنه من الجمع بين فن الرسم كممارسة والأرشفة له عن طريق الكتابة لبعض التجارب الليبية المعاصرة، وأين يجد نفسه أكثر؟ عدنان بشير معيتيق: في لبيبا لا نجد من يواكب الحركة التشكيلية ويكتب عنها بشكل جاد عدنان بشير معيتيق: في لبيبا لا نجد من يواكب الحركة التشكيلية ويكتب عنها بشكل جاد فأجاب “الكتابة عن الفن التشكيلي كانت لاحقة بعد أن ترسّخت فكرة ‘الفنان التشكيلي’ عندي بفعل هواية صغيرة ورغبة جامحة في الرسم منذ الطفولة، وشغف كبير بالاطلاع على كل ما تمّ إنتاجه من فن الرسم وفكر تشكيلي كان سابقا له”. وقال موضحا “قرّرت أن أكتب وأستمر في الكتابة إلى الآن لسببين: الأول أنه لا يوجد من يواكب الحركة التشكيلية ويكتب عنها بشكل جاد في ليبيا، خصوصا قبل خمس عشرة سنة مضت باستثناء بعض الكتاب الذين جاءوا من خارج حدود النقد الفني والتنظير الداخلي التشكيلي، بمعنى أن يكتب الفنان عن تجارب تشكيلية من داخل المختبر الفني نفسه كمادة خام للنقد الفني، وبالتالي لن تصل صورة الفن التشكيلي الليبي إلى خارج حدود الوطن، بل حتى في الداخل كانت الصورة خجولة بفعل ضعف الإعلام والكتابة الصحافية”. مُضيفا “أما السبب الثاني الذي جعلني أكتب، فمردّه ملامستي لبعض النجاحات في الكتابة التنظيرية كفنان تشكيلي يكتب عن التشكيل، إلى أن تم إصدار كتابي الأول (مكامن الضوء)”. توثيق جمالي في كتابه “مكامن الضوء” الصادر على نفقته الخاصة يقدّم الكاتب والفنان عدنان بشير معيتيق قراءات حول تجارب تشكيلية ليبية معاصرة، رغبة منه في تقديم إضافة تليق بالتشكيل الليبي، الذي يعاني نقصا في التعريف برواده ومدارسهم التشكيلية، وإسهاماتهم في نقل التقاليد والعادات والثقافة عبر سردهم البصري إلى العالم. كتاب قدّم تجربة سبعة وعشرين فنانا تشكيليا ليبيا بين الرواد والشباب من الذكور والإناث على غرار الطاهر الأمين المغربي وتوفيق العويب ورضوان أبوشويشة وعلي عمر الرميص ونجلاء الفيتوري وحميدة صقر، مستعرضا فيه منجزهم الفني وفق قراءة نقدية تنتصر للديناميكية المحدثة في المشهد التشكيلي الليبي الراهن. ثور جامح يشي بتوتر صادح ثور جامح يشي بتوتر صادح وهو القائل “إن بعض التجارب الليبية حقّقت فرادتها الجمالية، وشقّت طريقها نحو العالمية بمستوى عال من المهارة والرؤية التي تتساوى مع التجارب الفنية الأخرى في المحيط العربي، بل ربما هناك تجارب لاقت نجاحا كبيرا في بيع أعمالها الفنية حتى في المزادات العالمية، هذا لو اعتبرنا أن ثمن اللوحة يكون معيارا أو أحد المقاييس الفنية التي تخضع لها التجربة عند تقييمها كتجربة الفنان الليبي المقيم في لندن علي عمر الرميص”. ويضيف مجيبا عن سؤال “العرب” حول واقع التشكيل المغاربي، وهل وصلت بعض الأسماء إلى العالمية، “هناك الكثير من الأسماء التي جعلت لنفسها مكانا مرموقا على الساحة العالمية كتجربة التونسي نجا المهداوي ومحمد المليحي وفريد بلكاهية من المغرب ورشيد قريشي من الجزائر، أسماء بات لها سوقها ومُريدوها”. الكتاب يستعرض تجربة سبعة وعشرين فنانا، وفق قراءة نقدية تنتصر للديناميكية المحدثة في المشهد التشكيلي الليبي الراهن الكتاب يستعرض تجربة سبعة وعشرين فنانا، وفق قراءة نقدية تنتصر للديناميكية المحدثة في المشهد التشكيلي الليبي الراهن وبالعودة إلى المنجز التشكيلي لعدنان بشير معيتيق تبرز عفوية حركة الريشة عنده وهو يرسم بورتريهات ممسوحة الملامح، أو وهو يشكّل ثورا جامحا يتوسط اللوحة، يشي بما يعتمل في مخياله من تراكم مُشبع بالتجارب الفنية العالمية والمحلية على حد السواء، لوحات/ حفريات تستلهم من الماضي مفرداتها ومن الحاضر ألوانها ومن المستقبل رؤاها الباحثة عن الاختلاف. عن القصْد من رسمه لبورتريهات بمعالم مُمحاة، يقول الفنان الليبي لـ”العرب”، “هناك رسم ينطلق من المعنى ويكون له قصة وقضية وفي أغلبه يميل إلى السرد الأدبي والخطاب المُباشر، وهناك رسم ينطلق من فكر تشكيلي، أي أن الطريقة في الأداء والنجاح في تنفيذها هما الهدف المنشود للفنان، وأنا أُطارد تكوينات وأجواء معينة وفق ألوان متجاورة مع ظلالها ومتحاورة مع الخطوط والنقاط”. صمت ثرثار في حوار قديم قال الفنان الليبي “الرسم تمرين على الصمت؟”، تسأله “العرب” كيف يكون الرسم صامتا وهو الثرثار ألوانا ومعاني؟ فيُجيب “أقصد بهذا الصمت تعليمه للفنان نفسه وليس المتلقي، فالفنان دائم العزلة وهذه الخلوة تتطلب صمتا طويلا، وقد يكون مُجبرا عليها، أي العزلة، في بداية حياته الفنية. ولكن مع التراكم يبدأ الفنان في تفضيل الصمت على الكلام، لأن شحذ الذاكرة والتأمّل من أوكد متطلباتهما الصمت والعزلة، وطبعا يمكنك أن تكون معزولا وأنت في وسط جمع كبير من البشر.. في الطرقات ومحطات الحافلات والأسواق، وأيضا في المرسم الذي هو المكان الأخير لاكتمال العمل الفني”. وعن مستقبل المعارض التشكيلية في ظل استمرار الجائحة، يقرّ الفنان/ الناقد عدنان بشير معيتيق بأن “العالم بدأ منذ فترة ليست بالقصيرة يتآلف مع عروض الإنترنت، حيث شرعت الكثير من المواقع المتخصّصة في الإعلام الإلكتروني والفني ومواقع المتاحف العالمية في صناعة نوافذ افتراضية على مقتنياتها لتمكين البشر من الوصول إلى جزء منها على الأقل، خصوصا أولئك الدارسين والمتخصّصين والفنانين، فتكوّنت القاعات الافتراضية بأبعادها الحقيقية لعرض العديد من فنون عصر النهضة والفن الحديث وغيرهما”. وهو يرى العالم يقف مضطرا، اليوم، إلى التواصل عبر هذه التقنية لوجوب التباعد الاجتماعي، ممّا أفرز الكثير من المعارض في مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي مكّن الإنسانية من تفاعل أفضل مع المنجز التشكيلي العالمي.

مشاركة :