دمشق – ينتمي الزجل إلى عالم فنون الشعر الشعبي، فهو يستخدم اللهجة المحكية ويوظفها للحديث عن تفاصيل حياة الناس وهمومهم وتطلعاتهم عبر مفردات ومعان تنتمي إلى التراث. وينتشر الزجل بشكل كبير في الريف السوري؛ ومن بين ذلك ريف حمص حيث لا يزال يحظى، رغم تطور الحياة ودخول الحداثة إلى مختلف تفاصيل الناس، بشعبية وقدرة على استقطاب الجمهور، وفق ما أكده الشاعر ومدرس اللغة العربية إياد خزعل، لأن الأغاني والمواويل التي يكتبها شعراء الزجل تستجيب للنفس وتخاطب حسها الجمالي وتذكّرهم بتراثهم الجميل. ويرى خزعل أن الزجل نوع عال من أنواع الشعر مهما حاول متعصبو الفصحى أن يقللوا من شأنه، مشيراً إلى أن حمص كانت أحد معاقله المهمة فظهر منها العديد من الشعراء في الماضي والحاضر، من أبرزهم الراحل أنطون يعقوب والدكتور المغترب إياد قحوش وكرم منصور وحسان البسطاطي وعصام جنيد. ويعدد خزعل أنواعاً عديدة من الزجل مثل “المعنى، القرادي، القصيد، المستحيلات، المجزم، المخمس المردود، الدلعونا، العتابا، الميجانا، الهوارة، الحداء، والشروقي”، مبيناً أن المعنى هو أحد أهم أنواع الزجل نظراً إلى شيوعه في مباريات التحدي بين الشعراء، ولقدمه فأصله سرياني ومعناه الأغنية ومن أنواعه “العادي والقصيد والموشح والمجنس”. بينما ترى الشاعرة هبة أحمد أن الزجل، كما الشعر الفصيح، له أسلوبه وقواعده وضوابطه الخاصة في التعبير عن مكنونات الشاعر وكل ما يخطر على البال، مبينة أنه ليس بمقدور أي كان كتابة هذا الشعر الذي يجب أن يكون من السهل الممتنع ويتميز بالبساطة والعفوية والذكاء والإطراب. وتعتبر أحمد أن شاعر الزجل يجب أن يتمتع بشخصية متفردة وقوية تتسم بالجرأة والثقة والحضور اللافت إضافة إلى الصوت الجميل وطلاقة اللسان وسلاسة لفظ الحروف ومخارجها بأسلوب صحيح ومنمق ومفهوم، فضلا عن حس الفكاهة وروح التحدي عند الارتجال التي تتجلى بشكل خاص في المناظرات الشعرية التي تصاحبها الموسيقى والغناء، مؤكدة أن الزجل هو الأقرب إلى التداول والمشاركة وهذا ما يضمن استمراريته. وقد حظي شعر الزجل بمكانة متميزة لدى أبناء الريف السوري ليتخطى كونه فنا أو هواية إلى دخوله في صميم الحياة اليومية، متغلغلا في أدق تفاصيلها، راويا تراثا وتقاليد وعادات ويوميات اجتماعية بقوالب شعرية غنائية. ويرى أبناء الريف السوري أن الزجل نشأ بين ظهرانيهم مفندين كل النظريات الأخرى التي تنسبه إلى بيئات ومواطن أخرى، ويقدمون الدليل تلو الدليل مستعينين بالشواهد التاريخية على أن هذا الفن هو صناعة ريفية سورية بامتياز تلقاه الآخرون فيما بعد مطورين ومغيرين. ويشير الباحث التاريخي أسامة حسون إلى أن نشأة شعر الزجل كانت بالأساس في منطقة القلمون بريف دمشق، مؤكدا على أن انتشار لغة الضاد بين سكان بلاد الشام أوجد اختلاطا بين اللغتين الآرامية والعربية ما أدى لاحقا إلى تعريب الشعر الديني وتأثره بالشعر العربي خاصة في موضوع القافية. ويلفت حسون إلى أن هناك مصطلحات لا تزال مستخدمة في شعر الزجل ويعود بعضها إلى أصول سريانية أو آرامية كما أن أوزان الزجل مأخوذة عن الألحان السريانية، ولاسيما ما يعرف بالمعنى وهو من الأناشيد والمزامير السريانية فيما أن كلمة دلعونا أصلها سرياني وهي نداء لطلب العون. ويثبت الكاتب أنطوان بطرس الخويري في كتابه “تاريخ شعر الزجل اللبناني” هذه النظرية معتبرا أن الشعر الزجلي منبثق من الشعر السرياني القديم والموسيقى السريانية الكنسية. ويفند الخويري مقولة أن الشعر الزجلي أتى من الموشحات الأندلسية، مؤكدا أن أباه المباشر هو الشعر السرياني القديم، وأنه من الموسيقى والألحان الكنسية السريانية وزنا وإيقاعا. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :