التناحر السياسي يحرم لبنان من طوق النجاة الاقتصادي | | صحيفة العرب

  • 9/25/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

حرم التناحر السياسي والطائفي في لبنان البلد من طوق نجاة اقتصاده الذي منحته إياه فرنسا بدعمه ماليا في ظل تلكؤ السياسيين في تنفيذ الإصلاحات وإهدار المهلة المحددة لتشكيل حكومة ما يزيد من احتقان الأوضاع ويقطع على بيروت حبل نجاتها الأخير. بيروت – فوّتت القيادات الطائفية في لبنان مهلة اتفقت عليها مع فرنسا لتشكيل حكومة جديدة وربما يُعرّض تجاوز مواعيد نهائية أخرى للخطر طوق النجاة الذي امتدت به يد باريس لانتشال لبنان من أسوأ أزمة مالية يشهدها منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990. وكانت فرنسا قد رسمت إطارا زمنيا لكي يعالج لبنان خلاله مشكلة الفساد وينفذ إصلاحات للمساعدة في تأمين الحصول على مساعدات خارجية بمليارات الدولارات لإنقاذ البلاد الغارقة في الدين. غير أن القيادات، التي ظلت في مواقع المسؤولية على مدى سنوات شهدت فيها البلاد إهدارا في إنفاق الدولة وفسادا، تعثرت عند أول عائق يواجهها فلم تنجز ما وعدت به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من تشكيل حكومة جديدة بحلول منتصف سبتمبر. ومع ذلك فربما يكون تشكيل الحكومة أهون ما في الأمر. فبعد تسمية الوزراء سيواجهون جبلا من التحديات تتراوح بين إنعاش القطاع المصرفي المصاب بالشلل وإصلاح قطاع الكهرباء الذي لا يمكنه توفير التيار الكهربائي دون انقطاع في بلد يبلغ عدد سكانه ستة ملايين نسمة. وكان ماكرون زار العاصمة اللبنانية بعد الانفجار الهائل الذي شهده مرفأ بيروت في أغسطس الماضي وقال للساسة إنهم قد يواجهون عقوبات إذا ما عطل الفساد مسيرة الإصلاح. وقالت باريس مرارا إن لبنان لن يتلقى مساعدات دون التغيير. ويكمن السبب في النزعات الطائفية والفئوية في السياسة. ومعضلة تشكيل الحكومة هي مطلب الحزبين الشيعيين الرئيسيين في البلاد وهما جماعة حزب الله المدعومة من إيران وحليفتها حركة أمل اللتان تصران على أن يكون لهما الحق في اختيار عدد من الوزراء والاحتفاظ بحقيبة المالية. وسيكون لوزارة المالية دور حيوي في رسم خطط الخروج من الأزمة الاقتصادية. وقد سعى رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب، السني بمقتضى نظام اقتسام السلطة الطائفي المعمول به في لبنان، إلى تغيير القيادات في الوزارات والتي سيطرت فئات بعينها عليها لسنوات. السياسيون المتورطون في الفساد، يتعثرون في تنفيذ أول شرط فرنسي وهو تشكيل حكومة بحلول منتصف سبتمبر ويقول سياسيون إن حزب الله الذي ازداد نفوذه السياسي وحركة أمل يريان في التحركات الرامية إلى إبعادهما عن مناصب وزارية رئيسية محاولة لإضعاف نفوذهما. ويتمتع حزب الله وحركة أمل بأغلبية برلمانية مع حلفاء مسيحيين وغيرهم وذلك رغم اختلاف آراء الجانبين بسبب النزاع على تشكيل الحكومة. وقال الرئيس ميشال عون، المسيحي الماروني المتحالف مع حزب الله، إنه لا يجوز لأي طائفة أن تطالب بأي وزارة. غير أن مصادر سياسية تقول إن قرار واشنطن في سبتمبر فرض عقوبات أميركية على حلفاء لحزب الله شدد من عزم الكتلة الشيعية على التشبث بموقفها من التعيينات الوزارية. وتعتبر واشنطن حزب الله جماعة إرهابية. ورغم كل ذلك يمكن أن يحقق الضغط الخارجي نتائج. فقد دفع تدخل ماكرون القيادات اللبنانية المتشاحنة إلى الاتفاق على رئيس الوزراء المكلف قبل ساعات من وصول الرئيس الفرنسي إلى بيروت في زيارته الثانية خلال أقل من شهر. وقالت فرنسا إن لبنان يواجه خطر الانهيار إذا لم يغير مساره. وقال الرئيس اللبناني إن البلاد تسير نحو “الجحيم” إذا لم تشكل حكومة جديدة. وقد سقط عدد كبير من اللبنانيين في براثن الفقر مع انهيار الاقتصاد وخرج الآلاف منهم إلى الشوارع في العام الماضي مطالبين بالتغيير. انفجار المرفأ أثقل كاهل الاقتصاد اللبناني انفجار المرفأ أثقل كاهل الاقتصاد اللبناني ويحتاج لبنان إلى سيولة مالية وبسرعة بعد أن عجز عن سداد التزامات الدين السيادي الضخم بعد أن أصابت الأزمة البنوك بالشلل. وأضاف انفجار مرفأ بيروت، الذي أودى بحياة نحو 200 فرد، عبئا ماليا جديدا على البلاد يقدر بحوالي 4.6 مليار دولار. ويستخدم البنك المركزي احتياطيات النقد الأجنبي المتناقصة لدعم الواردات الرئيسية مثل القمح والوقود والأدوية. وسيؤدي إلغاء الدعم الذي قال البنك المركزي إنه لا يمكن أن يستمر لأجل غير مسمى إلى المزيد من المعاناة وربما يؤجج التوتر. وتزامنت مع الانهيار الاقتصادي أحداث بسيطة من الاضطرابات الطائفية والاشتباكات الفئوية. ويهدد المزيد من التدهور بالمزيد من الاضطرابات في وقت يحصل فيه أفراد الأمن على مرتباتهم بعملة تفقد قيمتها سريعا. وقد وعد المانحون بتقديم المليارات من الدولارات لمساعدة لبنان في مؤتمر باريس 2018 عندما عجزت البلاد عن تنفيذ إصلاحات. وجعل المانحون من تغيير المسار شرطا للمساعدة. ووجه ماكرون رسالة قوية في بيروت في الأول من سبتمبر الجاري فقال “إذا فشلت طبقتكم السياسية فلن نهب لمساعدة لبنان“. وحتى لو تشكلت حكومة خلال الأيام المقبلة فهي لن تخلو من الإشكاليات حيث ثمة تحديات كبرى في الطريق. فقد وضعت فرنسا خارطة طريق تفصيلية للحكومة الجديدة من استئناف المحادثات سريعا مع صندوق النقد الدولي إلى إطلاق مناقصات للبدء في إقامة محطات كهرباء جديدة. وقالت فرنسا إنه من الضروري أن تبدأ الحكومة في معالجة الفساد المستشري بسرعة لضمان الحصول على الأموال الموعودة في مؤتمر آخر للمانحين قالت باريس إنها على استعداد لعقده في النصف الثاني من أكتوبر. وهذا معناه أن أي حكومة جديدة ستكون أمامها فترة قصيرة جدا لإنجاز المطلوب. وربما يتعذر ذلك على ساسة لبنان المتشبثين بمواقفهم والذين أخفقوا في تشكيل الحكومة في الوقت المناسب. ShareWhatsAppTwitterFacebook

مشاركة :