دخول المرجعية الدينية الشيعية على الخط لمؤازرة الثنائي حزب الله وحركة أمل في مطالبهما الحكومية ينطوي على خطورة كبيرة حيث أن من شأنه زيادة الشحن الطائفي في بلد يقف على حافة “الجحيم”. بيروت - انخرطت المرجعية الدينية الشيعية بقوة على خط التجاذبات السياسية في لبنان، فبعد بيان المجلس الإسلامي الأعلى، الذي استنكر فيه مواقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، من تمسك حزب الله وحركة أمل بحقيبة المالية وتسمية باقي الوزراء الشيعة، أطل المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان الجمعة منتقدا طروحات الراعي، مهاجما مسار تشكيل الحكومة الذي قال إنه يجري رسمه من “وراء البحار”. ولئن استهل المفتي الجعفري خطبته أمس، بالتصويب على النظام السياسي الذي اعتبره “نظاما طائفيا فاسدا ومفسدا، ولا يمكن أن يصلح لإدارة بلد ولا لإقامة دولة، وبالتالي من غير الممكن القبول به على هذا النحو”، ناقض رجل الدين نفسه بالإعلان عن إصرار طائفته على تسمية وزرائها. وتشهد جهود تشكيل حكومة جديدة في لبنان تعثرا على خلفية تمسك الثنائي الشيعي الممثل في حزب الله وحركة أمل برفض المداورة في ما يتعلق بحقيبة المالية التي يعتبرانها حكرا على طائفتهما. وتكتسي هذه الحقيبة أهمية كبرى ذلك أن أي قرار يجري اتخاذه داخل الحكومة يتطلب لزاما توقيع وزير المالية، الذي كان يقع اختياره على مدى السنوات الماضية من الطائفة الشيعية. ويتمسك رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب بحكومة اختصاصيين مصغرة، مصرا على المداورة في توزيع الحقائب. وعرض زعيم تيار المستقبل ورئيس الحكومة السابق سعد الحريري قبل أيام مقترحا بمساعدة أديب على اختيار شخصية شيعية لتولي وزارة المالية كحل وسط. ولئن التزم الثنائي الصمت حيال هذا العرض الذي يعد الفرصة الأخيرة لحل هذه العقدة، بيد أن جميع المؤشرات توحي بتحفظهما على الأمر. ولا تقتصر طلبات الثنائي فقط على حقيبة المالية بل وأيضا تسمية باقي الوزراء الشيعة في الحكومة المقبلة، وهذا الإصرار وإن خضع له دياب فإنه سيجد نفسه أمام عراقيل مضاعفة، لعل أهمها فتح الباب أمام مطالبات باقي القوى والطوائف بتسمية الوزراء، وهذا السيناريو يحاول رئيس الوزراء المكلف تجنبه. ويهدد موقف الثنائي بتطيير جهود التشكيل الحكومي، وبالتالي أخذ البلاد نحو المجهول في ظل أزمة اقتصادية ومالية خانقة، مع ربط المجتمع الدولي تقديم أي دعم بوجود حكومة كفاءات قادرة على تولي الإصلاحات بعيدا عن منغصات سياسيي لبنان. ويرى مراقبون أن دخول المرجعية الدينية الشيعية على الخط لمؤازرة الثنائي في المطالب ينطوي على خطورة كبيرة حيث إن من شأنه أن يزيد من الشحن الطائفي في وقت تبدو البلاد أحوج ما يكون للاستقرار الاجتماعي والأمني. وشهد لبنان خلال الفترة الماضية تزايدا في أعمال العنف الطائفية الأمر الذي عزز المخاوف من انزلاق البلاد مجددا إلى أتون حرب أهلية سبق وأن عانت كل الطوائف مرارتها. وانتقد المفتي قبلان في خطبته بشكل مبطن البطريرك الماروني الذي سبق وأن عرض مقترحا لتحييد لبنان عن الصراعات الخارجية باعتبارها أحد المسببات الرئيسية في وصول البلاد إلى حافة “الجحيم” وقال رجل الدين الشيعي “بمحبة نسأل أهل الحياد عن أي حياد نتحدث، بينما يجري تشكيل حكومة في كواليس ومطابخ ما وراء البحار! وهذا ما نرفضه ونمانعه بموقفنا الواضح والحازم الذي يقول لا لرهن البلد، ولا لتطويبه للخارج”. واعتبر قبلان أن التدخلات الخارجية هي خلف “إصرارنا على تسمية وزرائنا، حيث نرفض تسميتهم من قبل أي كان، وذلك على قاعدة إما نظام لا طائفي وخارج كل المحاصصات، وإلا فلتسم كل طائفة من يمثلها في الحكومة. نعم هذا هو موقفنا، طالما نحن في دولة الطائف والطوائف، إلى أن يقتنع الجميع بالدولة المدنية، ويأتوا إلى نظام جديد، يخرجنا من الطائفية والعصبية ويدخلنا في دولة القانون والمؤسسات والحقوق والواجبات على قاعدة الأهلية والكفاءات”. وقال إن “البلد مأزوم، والخارج ليس بجمعية خيرية، والمطلوب من رئيس الحكومة المكلف التواصل مع الجميع، والانفتاح على سائر القوى الوطنية لتثبيت الاستقرار وإنعاش الاقتصاد ومنع الانهيار، وليس لرفع المتاريس وتدويل الأزمة الداخلية. وننصح الجميع ليس بالنزول عن الشجرة فحسب، بل الإصغاء جيدا لصوت العقل”. ويرى مراقبون أن موقف الشيخ قبلان يعكس في واقع الأمر موقف حزب الله وحركة أمل اللذين يريدان بالواضح نسف أي فرصة أمام ولادة حكومة كفاءات مستقلة، وتشكيل حكومة على شاكلة حكومة تصريف الأعمال الحالية التي يقودها حسان دياب. ويلفت المراقبون إلى أن تصريحات المفتي الشيعي بأن تسمي كل طائفة وزراءها إلى حين تغيير النظام يعني بالواضح بقاء الحال على ما هو عليه وبالتالي ستصدق مقولة الرئيس ميشال عون بأن لبنان “رايح عجهنم”. ولم تخلُ خطبة المفتي الجعفري من تصويب على كل من ينتقد حزب الله قائلا “هذه المقاومة التي تحاولون تشويه صورتها بالافتراءات والنعوتات المغرضة والمفبركة والظالمة تشكل جزءا كبيرا من الشعب اللبناني، فهي من حرر البلد وحماه ولا تزال، وستبقى السد المنيع والحصين، ولن تتراجع عن دورها الوطني والقومي رغم كل السهام الحاقدة والمسمومة، وسنبقى معها وإلى جانبها”. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :