بات واضحا أن لبنان دخل في مرحلة من التأزّم بالغة الخطورة، ويكتنفها الغموض بعد أن رمى «مصطفى أديب» رئيس الحكومة المكلف، كرة النار في أحضان من أعاق مهمته بتأليف حكومة مستقلة من اختصاصيين منزوعة من التمثيل الحزبي المباشر، أو بالواسطة، بحسب الدوائر السياسية والإعلامية في بيروت. ولا تزال ردود الفعل تتوالى إقليمبا ودوليان عقب اعتذار«أديب» عن تشكبل الحكومة، وأعربت متحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية عن «خيبة أمل» الولايات المتحدة من الطبقة السياسية اللبنانية، وذلك لعدم إعطائها الأولوية للشعب اللبناني على «السياسات التافهة» وبينما لم يشكّل اعتذار أديب مفاجأة للذين واكبوا العقبات التي اعترضت طريقه، وهو يواصل مشاوراته لتأليف الحكومة، ولا لصاحب المبادرة الإنقاذية الرئيس ماكرون، الذي «طارده» لساعات ليل أول من أمس لثنيه عن اعتذاره، وبقي في الوقت نفسه على تواصل مع القيادات المعنية بولادة الحكومة، وأولهم رئيس المجلس النيابي نبيه بري. وعلمت صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، أن أديب مدد اعتذاره استجابة لرغبة ماكرون، لكنه لم يكن على قناعة بأن تمديد المهلة لتشكيل حكومته ستدفع القوى السياسية لالتقاط الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان من النكبات التي أصابته، وكانت آخرها النكبة التي دمّرت مناطق واسعة من بيروت من جراء انفجار المرفأ. فوضى متفلتة من أي قيود وخلال ساعات من الاعتذار، انهالت التداعيات على لبنان.. وبدت الفوضى متفلتة من أي قيود أو جهود رقابية في تحديد أسعار المنتجات المستوردة والمحلية على حد سواء، ومع تسجيل ارتفاعات فاقت 400 في المائة في أسعار الكثير من السلع، وبالأخص المستوردة منها، بحسب صحيفة اللواء اللبنانية، وذلك وسط مخاوف وشائعات من خطورة التبعات التي ستلي تعثر الحلول السياسية على الاستقرار الأمني النسبي وإطلاق الرصاصة الأخيرة على الاقتصاد المنهك وتفاقم نسبة الفقر، وتصاعد الهواجس المتصلة بقرب نفاد احتياطات تمويل السلع الاستراتيجية (قمح ودواء ومحروقات). مرحلة غامضة بعد «خلط الأورواق» والملاحظ أن القوى السياسية في الموالاة، أو في المعارضة، حاولت أن توحي فور اعتذار رئيس الحكومة المكلف «أديب» تمسكها بالمبادرة الفرنسية، نظراً لتعذّر إيجاد البديل، خصوصاً أن انفجار المرفأ أعاد الاهتمام الدولي بلبنان الذي أدرجه على لائحة الدول التي هي في حاجة لشتى المساعدات شرط التزامه بالإصلاحات.إلا أن التمسُّك بالمبادرة الفرنسية ـ بحسب السياسي والاقتصادي اللبناني محمد شقير ـ لا يحجب الأنظار عن المحاولات التي استهدفتها، لتجويفها من مضامينها، ولا عن رد فعل باريس حيال اعتذار أديب، لذلك، فإن مرحلة ما بعد اعتذار أديب ما زالت غامضة، ولا يمكن تحديد معالمها على الأقل في المدى المنظور، لأنها أحدثت إرباكاً أدى حتماً إلى إعادة خلط الأوراق. ورغم طرح اسم البديل «رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري»، إلا أن المكتب الاعلامي للحريري، أكد أنّه غير مرشح لتولي تشكيل الحكومة الجديدة، وسوف يبقى على موقفه الداعم لمبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمسهّل لكل ما من شأنه انجاحها بصفتها الفرصة الوحيدة والأخيرة لوقف انهيار لبنانز وأصبح لبنان أمام أخطارٍ متعدّدةٍ ليس أقلَّها غيابُ حكومةٍ تقودُ عمليّةَ إنقاذِ البلاد وملاقاةِ المؤتمراتِ الدوليّةِ والتفاوضِ مع صندوقِ النقدِ الدوليِّ، بحسب تعبير البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعين في عظة اليوم الأحد، مؤكدا أن على مكوّناتِ الأمّةِ أن تلتقي لتُنقِذَ الدولة ولا تَختلِف فتَخسِرَها..مضيفاً: «إننا نحرص على أن تبقى فرنسا مشكورة عزمها على مساندة لبنان». كلمات البطريرك الماروني، كشفت عن ترقب الشارع اللبناني والنخب السياسية، عما سبقوله الرئيس الفرنسي،إيمانويل ماكرون، هذا المساء، بعد دعوته لمؤتر صحفي في قصر الإليزية مساء اليوم الأحد يتناول خلاله الوضع السياسي اللبناني كما جاء في بيان صدر عن القصر الرئاسي مساء أمس السبت. وهو موقف لافت من الرئيس الفرنسي تخصيص مؤتمر صحفي للملف اللبناني. ماكرون يقرع جرس الإنذار وتتساءل صحيفة النهار اللبنانية: ماذا يمكن أن يعرض الرئيس ماكرون خلال هذا المؤتمر بعد أن أفشلت الطبقة الحاكمة مبادرته لتشكيل حكومة من اختصاصيين مشهود لخبرتهم ونزاهتهم ومعرفتهم، وهدفها النهائي الإصلاح لتجييش المجتمع الدولي لدعم لبنان لمواجهة الأخطار الداهمة المحدقة به، خلال فترة لا تتجاوز الـ ١٥ يوماً مددها لترك مجال امام اللاعبين السياسيين على الساحة اللبنانية والاقليمية والدولية للتوصل إلى صيغة حكومية ترضي جميع الأطراف. والمتوقع بحسب تحليل سمير تويني، من باريس، أن ينتقد الرئيس الفرنسي، جميع الذين عرقلوا مبادرته وتشكيل الحكومة، وسيجري تقييماً لهذه المرحلة وما رافقها من مشاكل عقدت تشكيل حكومة المهمة التي عول عليها للقيام بالإصلاح المنشود لانتشال البلد من أزمته وحصوله على الدعم الدولي والإقليمي، وكيفية الاستمرار في مبادرته الانقاذية في ظل التعامل مع المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان بعد الارتدادات السلبية المحلية والإقليمية والدولية. وسيقرع الرئيس ماكرون جرس الإنذار لقادة لبنان، فالبلد يواجه عاصفةعارمة ويتخبط بأزمة مالية واجتماعية واقتصادية في ظل ارتفاع مستوى الفقر إلى جانب جائحة الكورونا الصحية. لكن مهمته ستكون صعبة للغاية. فالرئيس الفرنسي عندما زار لبنان بعد الانفجار الرهيب في 4 يوليو/ تموز واجه طبقة سياسية كانت على الحضيض، أما اليوم فإنه يواجه طبقة سياسية انتعشت من جديد فوقفت كل منها وراء متاريسها السياسية ووضعت شروطاً تعجيزية لتشكيل حكومة، غير راغبة بفقدان امتيازاتها السياسية.
مشاركة :