لا شك أن من يتابع الشأن الإيراني يلحظ بجلاء حملتي التسويق والعلاقات العامة الرهيبتين اللتين يقوم بهما رجال هذه الدولة، سواء من مسؤولي الحكومة الإيرانية أو من سفراء ورجال السلك الديبلوماسي الإيراني في بلدان العالم. وللتدليل على ذلك نضرب أمثلة من الكويت، فالسفير الإيراني في البلاد علي رضا عنايتي، لا يمكن أن يشارك في أي فعالية ديبلوماسية تشهدها الكويت إلا ويعقد مؤتمراً صحافياً، أو يصرح للصحافيين عن سياسة بلاده وموقفها مما يجري في المنطقة. فكما هو معلوم أن السفارات المعتمدة في الكويت تقيم احتفالات بالمناسبات الوطنية لبلادها، وتدعو كل السفراء لتلك الحفلات، أي أن هناك حفلاً واحداً على الأقل أسبوعياً، يُدعى إليه عشرات السفراء الذين يحضرون ويغادرون دون أن يتحدثوا للصحافة بأي كلمة، باستثناء السفير الإيراني الذي «يتحرش» بالصحافيين إذا لم يبادر أحدهم بالحديث إليه في سبيل أن يوصل رسالة بلاده للإعلام المحلي. كما أن هناك الملحق الثقافي في السفارة، أيضاً لديه إدمان على التصريحات والبيانات الصحافية، وحريص على المشاركة في أي فعالية محلية ليوصل رسالة بلاده للمجتمع الكويتي. ويمكن أن نقيس ذلك على كل السفارات الإيرانية في دول العالم. أما نشاط السياسة الإيرانية فلا شك أننا تابعناه من خلال الجولة التي قام بها وزير خارجية طهران محمد جواد ظريف لدول الخليج والتي بدأها في الكويت، وهدفها حمل رسالة تطمين في شأن اتفاق إيران مع الدول الكبرى حول برنامجها النووي، حيث أكد أن بلاده لم تكن تنوي استخدام برنامجها للحصول على القنبلة النووية، وقد توصل العالم إلى هذه الحقيقة واقتنع بها حتى حصل الاتفاق، على حد زعمه. ولكنه في خضم رسالته التي يحملها، لم ينس «العنجهية» الإيرانية التي تكشف حقيقة النوايا وما يختبئ خلف تلك الابتسامات والكلام المعسول. ففي حديثه عما تشهده المنطقة من أحداث، عبر عن جوهر الاعتقاد الإيراني بالنسبة لمسألة اليمن، فقد عرّض بالمملكة العربية السعودية عندما قال «واهمة الدولة التي تظن أنها قادرة على حل مشكلات المنطقة دون مشاركة الجميع»، مما يعني أن إيران لن تسكت على معالجة المملكة للمشكلة اليمنية، والدليل قوله كذلك إنه يجب «وقف الحرب في اليمن التي لن تصل إلى نتيجة سوى مزيد من الدمار وزرع الكراهية» فهل بعد هذا الكلام من قول؟ إن حملة العلاقات العامة الإيرانية لتجميل صورتها عربياً، بعدما تشوهت نتيجة سياستها في كل من لبنان والعراق وسورية واليمن، لن تصل إلى نتيجة طالما بقيت النفسية الفارسية مسيطرة على ساستها، والأطماع التي برزت يوم سقوط بغداد، وتوسعت لتصبح «قمراً» مع ما جرى في كل من سورية واليمن، فإيران استخدمت السياسة الصهيونية التي تقوم على الملمس الناعم الذي يخفي وراءه سمّاً ناقعاً، ويبدو أنها أخذت دروساً في فنون هذه السياسة من «العدو» كما تسوّق للناس وهو إسرائيل، بينما في الحقيقة تثبت الأحداث أن هناك تقاطعاً مصالحياً كبيراً بين الطرفين، بعيداً عن الحرب الإعلامية والتصريحات السياسية وشعار «الموت لإسرائيل» التي لم تعد تسمن ولا تغني من جوع، فقد افتضحت الأمور، ولم تعد تخفى إلا على أعمى البصر والبصيرة من العرب الذين يرتبطون بها بمصالح سياسية أو مذهبية. لن تحصد إيران من حملة علاقاتها العامة الكبيرة وسياسة التسويق لنهجها أي نجاح، ما لم تتخذ خطوات حقيقية في سبيل كبح جماع بعض ساستها ورجال الدين فيها عن الأطماع في التوسع بالمنطقة العربية، فكل ما تقوم به مكشوف ويرد عليه القول بالقول والفعل بالفعل. h.alasidan@hotmail.com @Dr_alasidan
مشاركة :