رهانات أميركية خاسرة على الاتفاق النووي

  • 8/3/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

واجه الرئيس الأميركي باراك أوباما في معرض دفاعه عن الاتفاق النووي مع إيران الكونغرس الأميركي بخيار قاس، فقال، أخيراً: إننا في الواقع أمام بديلين اثنين فقط هنا، فإما أن تحل مسألة حيازة إيران على الأسلحة النووية دبلوماسياً عن طريق التفاوض، وإما من خلال القوة عن طريق الحرب. وتحتل هذه الجدلية الثنائية أهمية جوهرية بالنسبة لإدارة أوباما جعلته يوفر صيغة ثانية أشار فيها إلى أنه بغياب الاتفاق سنخاطر باندلاع المزيد من الحروب في الشرق الأوسط، وستشعر بقية دول المنطقة بأنها مضطرة لوضع برامج نووية خاصة بها، بما يهدد بولادة سباق على التسلح النووي في أكثر مناطق العالم تفجراً. مناظرة يصعب تطبيقها وشدد أوباما على أن الاتفاق مع إيران يتمحور حول التأكد من ألا يحصل الإيرانيون على قنبلة نووية، معتبراً أن ذلك ليس بالأمر الطارئ على موقف إيران المتقلب في عدد من القضايا، سيما لجهة تمويل الحروب الدائرة بالوكالة، والمنظمات الإرهابية المنتشرة في الشرق الأوسط. ويذكرنا كلام أوباما بما أطلق عليه وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنغر يوماً صفة مشكلة التخمين، حيث كتب عام 1963، وقبل أن يجترح أحد طريقة لإبطاء برنامج التسلح النووي السوفييتي الأضخم من البرنامج الإيراني بأشواط، ملخصاً المعضلة، التي تواجه أي صانع قرار باعتبارها مسألة اختيار بين وضع تخمين يتطلب الحد الأنى من الجهد وتخمين يستدعي بذل مجهود أكبر. وأشار إلى أن أزمة التخمين هي أنه إذا قام رجل دولة بالتحرك على أساس تخمين ما، فلن يتمكن مطلقاً من الجزم بضرورة الجهد المبذول، إلا أنه يجنب نفسه قسطاً كبيراً من الشعور بالأسى لاحقاً. أما إذا انتظر، فقد يحالفه الحظ، أو لا. إلا أن النقطة الأساسية في مشكلة التخمين تلك تكمن في عدم تناظر مردودها، حيث لا يكافأ التحرك الاستباقي بشكل مناسب بالفوائد المرجوة منه لأن الأجيال المقبلة تنسى كم كانت ستكون الأمور أسهل لو جرت بشكل مخالف. ويكون السياسي، الذي يتصرف على نحو استباقي أكثر عرضة للإدانة لما شكله من تكاليف مدفوعة مسبقاً، وليس محطّ ثناء لما حققه من نفع متمثل بمصائب تم تفاديها. على العكس من ذلك لا يحتم اللعب على وتر الوقت عدم وقوع الكارثة، حيث يمكن لشيء ما أن يطرأ على المشهد. يأمل أوباما، على حد قوله البناء على هذا الاتفاق لمواصلة المحادثات مع إيران وحضها على تغيير موقفها في المنطقة، لتكون أقل عدائيةً، وأكثر تعاوناً، لحلّ قضايا سوريا والعراق والتوقف عن تحريض الحوثيين في اليمن. ويكمن هدفه في الوقت الذي يسلم مقاليد السلطة للرئيس العتيد في مواصلة مساعي هزيمة (داعش)، والبدء بحل الحرب الأهلية في سوريا والعراق، وإيجاد بيئة تضمن بدء تعاون وعمل السنة والشيعة والأكراد معاً بفعالية. احتمالات الاستقرار ويبقى السؤال هنا: هل سيضاعف إبطاء إيران سير البرنامج النووي استقرار المنطقة؟ يتعين على منتقدي الاتفاق الاعتراف بأنه قد يفعل ذلك، إلا أن أوباما ومستشارية ملزمون بالإقرار بأن الاحتمالات ضئيلة جداً. لماذا قد تغيّر إيران من سلوكها فجأةً، سيما وأنها تحصل على 150 مليار دولار كانت مجمدة مقابل إبطاء مساعيها لامتلاك أسلحة نووية، والحفاظ على التزاماتها. يستند تخمين أوباما عينه إلى إمكانية أن يحدث الاتفاق النووي مع إيران خرقاً في عدد الأعمال الإرهابية التي تضاعفت أربع مرات بين أعوام 2006 و2013، وعدد الضحايا الذي ارتفع بنسبة 130 في المئة، إلا أن تخميني الخاص للأمور يقول إن تأثير الاتفاق سيأتي معاكساً تماماً. وسنشهد، قبل أن يسلم أوباما حتى مفاتيح البيت الأبيض لخلفه عدم وجود شيء من قبيل الخيار الثنائي بين الحرب والسلم، وأن جل ما فعلناه هو شراء الوقت. لقد أرجأنا الاختراق النووي الإيراني، لكننا أوقدنا بذلك شرارة صراع لا يحتاج لأسلحة نووية ليصبح أكثر فتكاً مما هو عليه أصلاً. تخمين إن المناظرة مع أوروبا الثلاثينات مبالغ في استخدامها الآن . مهما كان كلام أوباما، فإن مغزى الاتفاق النووي لا ينحصر فقط بتأجيل امتلاك إيران للأسلحة النووية ، بل بوجوب تحسين الموقع الاستراتيجي لأميركا وحلفائها مع حلول العام 2025، للتصدي لانضمام إيران إلى نادي القوى النووية. كيف يمكن لأميركا تحقيق ذلك؟ طرح أوباما نفسه سؤالاً يتمحور حول كيفية إيجاد شركاء فاعلين في المنطقة، وخلق تحالف دولي وأجواء تضع مختلف الطوائف على استعداد للتسوية. لكن الجواب هو ليس الآن. يراهن تخمين أوباما على أن شراء الوقت يقربه من التوازن الإقليمي، في حين أن الخيار البديل والسيناريو المحتمل يشيران إلى سباق التسلح وتصاعد وتيرة الصراعات.

مشاركة :