أن تكتب مقالاً أو كتاباً ساخراً، كأن تمسك في يدك مشرطاً، تدغدغ به من أمامك، فتتباين انفعالاته وأحاسيسه، وكأن تنثر الملح على الجرح بينما تبتسم شفتاك.. وكأن تقدم مشهداً كوميدياً يختزل وراء كواليسه جرعات من الألم، هذا هو الأدب الساخر: قلم يجسد حالة رفض لسلبيات تنهش في جسد المجتمع أو أي زوايا أخرى، ولكنه يضخ النكتة في عروقك، لتجد نفسك تضحك وتبكي في الوقت ذاته. ولأن حضور الأدب الساخر في الإمارات خجول، حسب نقاد كثر.. ذلك رغم أن مساحة حرية التعبير والرأي كبيرة، راودتنا أسئلة متشعبة في الخصوص، تضيء ( البيان ) على محاورها من خلال آراء ورؤى مجموعة أدباء، وأهمها: هل يرتبط الأدب الساخر بالتجريح والإساءة؟ أهو أصعب من غيره أم أسهل بشكله الظاهري الذي يغرنا بسهولته؟ لا يمكن الحديث عن الأدب الساخر دون أن نستحضر الكاتب أحمد أميري، إذ اشتهر بهذا النوع من الأدب. وعنه قال لـ(البيان): الأدب الساخر كالمسرحية، له جمهور أكثر من الدراما، وبالقياس والمقارنة مع المسلسلات، نجده كالأعمال الكوميدية التي تحصد نسبة مشاهدين أعلى من غيرها في كل عام. وأشار أميري إلى أنه يتجنب الإساءة إلى الآخرين من خلال كتاباته. وقال: أبتعد عن كل ما يمكن أن يجرح الآخرين، وخصوصاً ما يتعلق بالأصل أو اللون أو الشكل، ولكني أتناول التصرفات والسلبيات التي يصنعونها بأيديهم وإرادتهم، وهذا هو الهدف من الأدب الساخر، انتقاد السلبيات وطرح المشكلات بطريقة واعية وخفيفة الظل. وقال أميري: أرى كتابة المقالات الساخرة أسهل من غيرها، ولكن مشكلتها تكمن في حاجتها الماسة إلى مصدر إلهام، أو لمعة تخلق الفكرة.. ولفت إلى أنه كلما زادت الحرية زادت مساحة الإبداع في الأدب الساخر، مشيراً إلى أن السياسة هي الساحة الأكثر ثراءً في ما يتعلق بالأدب الساخر. وأضاف: الساحة السياسية تفاجئنا يومياً بمواقف يمكن الاستفادة منها وتطويعها في مجال الأدب الساخر. قيم المجتمع ومن جهته، أكد الكاتب والباحث ماجد بو شليبي، أن الأدب الساخر جزء من كيان الأدب بشكل عام، موضحاً أن الأدب مرآة المجتمع، يعكس ثقافته ووعي أفراده، وقال: يرتبط الأدب بقيم المجتمع وثقافته، سواء في مضمونه أو رسالته، كما أن الأمور تختلف من دولة لأخرى، ففي بعض الدول فإن القيم الدينية والأعراف هي التي تحكم، وليس القيم الاجتماعية، وهنا ندخل في مسألة الثوابت، أما في دول أخرى، فيستطيع الأدباء السخرية من بعض الثوابت، وهذا يعود إلى ثقافة المجتمع نفسه. وذكر بو شليبي أن الأدب الساخر ليس مرتبطاً بالحرية، فمفهوم الحرية يختلف من مكان إلى آخر، وقال: حين يلامس الأدب الساخر القيم يتحول إلى تجريح..لذا على الكاتب أن يعيش في المجتمع ويتعرف على ثقافاته وقيمه قبل أن يوجه قلمه الساخر نحو أي من تفاصيله. ولفت بو شليبي إلى أنه لا تجب مقارنة أدبنا المحلي بأدب الدول الأخرى، وذلك لاختلاف الثقافات. وتابع: يختلف تقبل الأدب وطبيعة تناوله، من بلد إلى آخر. ففي حين يضحك البعض على جوانب معينة، يجد آخرون أنها لا تحتمل الضحك، موضحا أن الأدب الساخر أطل بأكثر من صورة. حرية تعبير لا رواج للأدب الساخر في الإمارات. هذا ما شدد عليه الشاعر والإعلامي خالد الظنحاني في مستهل حديثه حول المسألة، لافتاً إلى أن الأدب الساخر نادر في الدولة.. وكُتابه هم قلة قليلة. وأضاف: من الممكن أن يُساء فهم هذا النوع من الأدب، ونحن في الإمارات مجتمع مفتوح، وحرية التعبير متوافرة لدى الكاتب، وهو ما يدفعه للتعبير عن رأيه بكل صراحة وسلاسة، من دون اللجوء إلى الأسلوب الساخر.. الأدب الساخر يعالج قضايا بطريقة ظريفة وخفيفة الظل، ولكن بعض القراء الذين يستهدفهم المقال الساخر، يعتبرونه نوعا من التجريح والإساءة اليهم. وبين الظنحاني أننا في مجتمعاتنا ليس لدينا تقبل للأدب الساخر، كما استنكر بعض الأقلام التي تهبط إلى مستويات تسيء إلى نفسها وتهين اللغة والأدب، وقال: يجب أن يحافظ الأدب الساخر على رقيه، وأن لا يكون هدفه إضحاك الناس في المقام الأول، بل يكون تناول قضية معينة هادفة. وذكر أن الأدب الساخر أكثر صعوبة من غيره، وقال: يتسم بالصعوبة في كتابته، إضافة إلى أن تبعاته ليست سهلة أيضاً، تماماً كأدب الطفل، الذي يعتقد كثيرون أنه سهل، ولكنه أصعب بكثير من غيره. جرعة أصوات كثيرة، مهمة ومؤثرة في ساحة الأدب والإعلام الإماراتي، تنادي بضرورة أن تعنى الصحف المحلية بزيادة الاهتمام بالأدب الساخر، وتكثيف زخمه وزيادة جرعته.. لما له، حسب رأي أصحاب تلك الدعوات، من أثر بناء. ويصل الأمر بالبعض إلى اقتراح أن تخصص الصحف، صفحة دورية، تعرض فيها مقالات من هذا النوع، ولكن طبعا، شرط أن تكون بلغة راقية وبأقلام كوكبة من ذوي الفكر النير المتميز.
مشاركة :