استيقظ باكراً كعادته كل صباح، استعد للخروج، وقبل أن يجلس لتناول إفطارٍ سريع مع زوجته وأطفاله، وعدهم أن يعود للبيت باكراً، ليصحبهم لمعرض علمي سيخطف ألبابهم. ودعهم ذاهباً لمنشأته العلمية، انكب على مشروعه شديد الأهمية. كان أحد العلماء الذين يعملون دون كلل أو ملل، لإحراز النجاح الذي يصبون إليه.كان مشغولاً بإعلاء شأن منشأتهم، مديرهم، ووطنهم. لن يكون أي تأخير مقبولاً في جدول المشروع، حدّث نفسه بذلك وهو يتفقد ساعته متذكراً وعده الذي قطعه منذ ساعات لأطفاله. اضطرب، صادف ذلك مرور مديره على مكتبه سائلاً إياه عن أحواله، عائلته، وسير المشروع. أخبره أنه سيصحب أبناءه للمعرض العلمي. ابتسم المدير وأعطاه الإذن للخروج باكراً. ردَّ الابتسامة وتابع عمله بحيويته المعهودة. مرَّ الوقت سريعاً، في المرة التالية التي تفقّد فيها العالم ساعته، تفاجأ بأنها تجاوزت الثامنة والنصف مساءً. تنبّه لانهماكه في عمله، أدرك بأنه فوّت موعد خروجه الباكر، تذكر وعده للأطفال والمعرض العلمي. انتابه الغبن، خرج يجر أذيال الندم على الغرق في تفاصيل المشروع وتفويت موعد أطفاله. وصل البيت، دخل بهدوء. استقبلته زوجته بلطفها المعتاد وبابتسامة مشرقة سألته إن كان يوّد تناول عشائه. رد عليها بالإيجاب وهيأت لكليهما المائدة. قبل أن يهم بالأكل، سألها محرجاً عن الأطفال. تفاجأت، وسألته إن لم يكن يعلم. عن ماذا؟ قال لها. ردت بأن مديره جاء في توقيت نهاية يوم العمل واصطحب الأطفال للمعرض العلمي. علت وجهه ابتسامة ذهول واطمئنان في الوقت نفسه. فاجأته مبادرة مديره، لكنه يعرفه جيداً ويعرف لأي مدى قد يذهب ليحقق سمو أهدافه وأهداف فريقه، ومنشأته، ووطنه. لم يكن المدير سوى الدكتور أبوبكر زين العابدين عبدالكلام، أو كما يعرفه الهنود والعالم بـ د. كلام، عالم الصواريخ، والرئيس الحادي عشر للهند في الفترة بين 2002 و2007، والذي وافته المنية قبل أسبوع من اليوم. الإبداع ليس محصورًا في رسم لوحة أو تصميم، والإلهام ليس حالة. ليس مؤقتًا، أو مرتبطًا بصف أو شركة أو موقف ما، كل ذاك هو سلوك ونمط حياة. المبدع سلوكه الإبداع، والملهم يعيش إلهامه أيضاً. د. كلام كان يعيش إلهامه، لم يكن متفانياً في عمله وحسب، بل حول حياته كلها لمشروع، حولها لقطعة فن. يقول المفكر نوفاليس: «لا يمكن للإنسان أن يصبح عالمًا قبل أن يكون إنساناً. د. كلام كان له دور كبير في تأسيس وتطوير البرنامج النووي، وتأكيد حلم الهند في امتلاك القدرة النووية. بل كان الرئيس الأفضل بحجم المنجزات في تاريخ الهند. لكنه أيضاً رأى التفاصيل الإنسانية الصغيرة، رأى الوطن بالعين نفسها التي رأت الإنسان. مقالات أخرى للكاتب أسباب تخلف مجتمعاتنا العربية! خائـف أنت؟ صلاة نحلم بها كما لو أنّ رأسك أصبح بأكثر من عينين مضوا.. لأنهم الأجمل
مشاركة :