بيروت – سلط فشل رئيس الوزراء المكلف، مصطفى أديب، في تشكيل حكومة لبنانية جديدة الضوء على الأزمة الكبرى بين الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، وعجز الطوائف عن التوافق وتغليبهم "الاتفاقات" على دستور البلاد. وحذر الرئيس اللبناني ميشال عون، الأحد، من محاولات المس بالدستور، مشددا على أهمية احترام الدستور والقوانين. ونقلت “الوكالة الوطنية للإعلام” عن عون قوله “إذا كان الوعد مقدسا فكم بالحري قسم اليمين! يمين احترام الدستور والقوانين، وصون استقلال الوطن ووحدة أراضيه”. وأضاف :”أقسمت، وسألتزم قسمي حتى اليوم الأخير من عهدي، وسأبقى سدا منيعا في وجه كل من يحاول المس بمضمونه”. ويأتي ذلك بعد يوم من إعلان مصطفى أديب اعتذاره عن تشكيل الحكومة بعد أقل من شهر من تكليفه بالمهمة، وبعد خمس زيارات سابقة قام بها للرئيس عون لم يقدم خلالها تشكيلة حكومة وفق المبادرة الفرنسية. وجاء اعتذار أديب تأكيدا على عجز الطبقة السياسية على إيجاد حلّ لأزمات البلاد، وتمسكها بتغليب المصالح الذاتية على مصلحة الوطن، لتسير به نحو "جنهّم" التي أشار إليها الرئيس عون في تعليقه على وضع لبنان. وتسبب تمسّك الثنائي الشيعي الذي يضمّ حزب الله وحركة أمل بحقيبة وزارة المالية ورفضهم كل المبادرات لحلّ الخلاف بفشل كل محاولات تشكيل الحكومة. اقرأ أيضا: لبنان يترقب الرد الفرنسي بعد نسف الثنائي الشيعي مبادرة ماكرون وكشفت مصادر سياسية أن الثنائي لم يصرّ على أن يكون وزير المال شيعيا فحسب، بل شدّد أيضا على تسمية هذا الوزير وعلى تسمية كلّ الوزراء الشيعة في الحكومة. وانتقد رئيس الجمهورية في وقت سابق “الثنائي الشيعي” مؤكدا أن موقفهما مخالف للدستور. وقال التيار الوطني الحر، وهو الحزب الذي أسّسه الرئيس اللبناني ميشال عون، في وقت سابق، إنه ملتزم بمبادئ الخطة الفرنسية حاثّا ماكرون على مواصلة دعم لبنان. وتكشف هذه الأزمة هشاشة اتفاق مار مخايل الذي وقّعه كلّ من حزب الله والتيار الوطني الحر في العام 2006 والذي أسس لتحالف بينهما، وتشكّل اختبارا مهمّا لمدى قدرة هذا التحالف على الاستمرار أكثر في ظل تعنّت حزب الله ووقوفه عقبة أمام محاولات تشكيل الحكومة وانقاذ البلاد من الانهيار التام ومن عقوبات محتملة. وطالما كان التوافق بين المكونات الأساسية لتشكيل الحكومات في لبنان الذي يقوم على المحاصصة الطائفية، مهمة صعبة تستغرق عدة أسابيع أو حتى أشهرا، وهو ما قد يدفع الرئيس عون، وأمام الأزمة الكبرى التي لم يمرّ لبنان بمثيلها سابقا، للاحتكام إلى الدستور وضرب الاتفاقات عرض الحائط. وتمارس فرنسا ضغوطا منذ انفجار المرفأ المروّع في الرابع من أغسطس الماضي على القوى السياسية لتشكيل حكومة تنكب على إجراء إصلاحات عاجلة مقابل حصولها على دعم مالي دولي لانتشال البلاد من أزمتها الاقتصادية واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وأعلن أديب السبت انسحابه من مهمة تشكيل الحكومة بعد جهود استمرت قرابة شهر، وهو ما يوجّه ضربة للمبادرة الفرنسية التي تهدف إلى دفع زعماء لبنان للتكاتف كي تخرج البلاد من أسوأ أزماتها منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990. وقال في بيان الاعتذار “مع وصول المجهود لتشكيل الحكومة إلى مراحله الأخيرة، تبيّن لي بأن هذا التوافق الذي على أساسه قبلت هذه المهمة الوطنية في هذا الظرف الصعب من تاريخ لبنان لم يعد قائما. وبما أن تشكيلة بالمواصفات التي وضعتها باتت محكومة سلفا بالفشل، وحرصا منّي على الوحدة الوطنية بدستوريتها وميثاقيتها، فإني أعتذر عن متابعة مهمة تشكيل الحكومة، متمنيا لمن سيتم اختياره للمهمة الشاقة من بعدي وللذين سيختارونه كامل التوفيق”. وتنتظر الأوساط السياسية اللبنانية ردّ الفعل الفرنسي على موقف الثنائي الشيعي، خصوصا مع قبول باريس أن يكون وزير المال في حكومة مصطفى أديب “شيعيا” ولكن “لمرّة واحدة فقط”.
مشاركة :