أُرِيكَ الرّضَى لوْ أخفَتِ النفسُ خافِيا وَمَا أنَا عنْ نَفسي وَلا عنكَ رَاضِيَا تَظُنّ ابتِسَاماتي رَجاءً وَغِبْطَة وَمَا أنَا إلاّ ضاحِكٌ مِنْ رَجَائِيَا (أبو الطيب المتنبي) في كتاب «الأمير» يقول مكيافيلي: «إن أفضل حالة للقائد هو أن يجمع بين الخصلتين: أن يكون محبوبا ومهابا في نفس الوقت. ولكن نظرا لصعوبة الجمع بينهما، فالأفضل له أن يكون مهابا.» وقد بينت الأبحاث مؤخرا أن ما ذهب إليه مكيافيلي كان صحيحا إلى حد ما. فالناس تحكم على قادتها بشكل أساس من جانبين: مقدار حب الناس لهم، متمثلا في دفء مشاعرهم واستحقاقهم للثقة، ومقدار خوف الناس منهم، متمثلا في قوتهم وجدارتهم. حيث ان هذين البعدين يفسران أكثر من 90% من التغير في انطباعاتنا -سلبا أم إيجابا- تجاه الناس من حولنا. في بحث مهم لجاك زينغر وجوزيف فولكمان ( 2013)، شمل أكثر من خمسين ألف قائد، كشف أن 27 قائدا منهم فقط كانوا في الربع الأسفل من ناحية محبة الناس لهم، وفي نفس الوقت في الربع الأعلى من ناحية فعاليتهم الكلية في القيادة. أي أن فرص القائد غير المحبوب في أن يكون قائدا جيدا تكاد تكون معدومة، حيث انها تعادل نسبة واحد من كل ألفي شخص. وهناك أعداد متنامية من البحوث، تشير إلى أن أفضل طريقة لقيادة الناس والتأثير عليهم هي أن يبدأ القائد بإقامة علاقة دافئة معهم. فدفء العلاقة هو المحفز الأكبر للتأثير عليهم. فهو يسهل بناء علاقة من الثقة والتواصل والاقتناع بأفكار القائد. حتى الإشارات غير اللفظية كالتبسم والإيماءة وعلامات القبول، تستطيع أن تبين للناس أن القائد مسرور لوجودهم في المنظمة، وأنه يوليهم الاهتمام. إنّ وضع دفء العلاقة في المقام الأول، يساعد القائد على الارتباط سريعا بمن حوله، ويبين لهم أنه يستمع لهم ويفهمهم، وأنه جدير بالثقة. المشكلة تحدث عندما يأتي منطق القوة أولا، لأنه يزرع بذور الخوف في المنظمة. فمعظم القادة يعملون بجد لاظهار قدراتهم وجدارتهم. فهم يريدون أن يظهروا أقوياء، وأن ينظر لهم الناس كذلك. وهم يركزون على مواجهة التحديات ويحاولون جاهدين تقديم الأدلة على كفاءتهم وأنهم على مستوى المسؤولية المناطة بهم، وذلك من خلال تقديم الأفكار الخلاقة خلال الاجتماعات، والحرص على أن يكونوا أول من يتصدى للتحديات، والعمل لأطول ساعات. فهم يشعرون بأنهم واثقون من مقاصدهم، ولذلك لا يجدون حاجة لاثبات أنهم على مستوى الثقة، بالرغم من حقيقة أن الثقة هي أول ما يبحث عنه الناس في الآخرين. وقد أكد تلك الظاهرة بعض علماء النفس، حيث طُلب في احدى التجارب من القادة المستهدفين، أن يختاروا بين برنامجين تدريبيين، أحدهما يُعنى بمهارات تتعلق بالجدارة (مثل إدارة الوقت)، والآخر يعنى بالعلاقات الإنسانية (مثل تقديم الدعم الاجتماعي). معظم القادة اختاروا لأنفسهم الدورات المتعلقة بالجدارات، بينما اختاروا للآخرين الدورات ذات الجوانب الإنسانية. وفي تجربة أخرى، طُلب من القادة أن يذكروا حادثة تعكس شخصيتهم. أغلبهم ذكر قصصا عن أنفسهم تبرز جدارتهم ومهاراتهم الشخصية (مثلا: اجتزتُ الاختبار الفلاني في أول محاولة). بينما ركزوا على التعاون والأريحية عندما تحدثوا عن الآخرين (مثلا: صديقي كان ينقل أبناء جيرانه إلى المدرسة كل يوم ويرفض أن يأخذ مقابلا). ولكن وضع القوة والجدارة أولا قبل بناء الثقة يقوض القيادة. لأنه بدون أساس من الثقة، تبقى الناس ملتزمة ظاهريا برغبات القائد، ولكنها في حقيقة الأمر لا تتبنى قيم وثقافة وأهداف المنظمة بشكل صادق وأصيل. فبيئات العمل التي تفتقر إلى الثقة، غالبا ما يكون لكل شخص فيها ثقافته الخاصة به. ويصبح الناس فيها حريصين على حماية مصالحهم. ويكون لديهم تردد في تقديم العون للآخرين، لعدم تأكدهم من تقدير النَّاس أو رد الجميل لهم. وبالنتيجة لا يحدث التكامل ولا تحقق المنظمة أهدافها على الوجة الأكمل. كيف تستطيع أن تجمع بين دفء العلاقة والقوة لكي تكسب ثقة الناس؟ ربما ساعدت النقاط التالية على إحلال الخوف بالدفء: (1) الاهتمام بالتعابير غير المنطوقة لأنها سلاح ذو حدين، و(2) التحدث بصوت غير مرتفع، كما لو كنت تتحدث مع صديق لك، وإشراك موظفيك أحيانا ببعض القصص المناسبة ولو كانت شخصية و(3) حاول أن تتفق مع زملائك في العمل في رؤيتهم للأمور، قبل أن تطلب منهم أن يثقوا بكلامك. و(4) التبسم الصادق، فهو ينعكس على موظفيك بشعورهم بدفء العلاقة معك، واحذر التبسم الذي لا يصدر من القلب، فإن ضرره أكبر. و(5) طلب النصيحة والمشورة من الموظفين والاستعداد للتغيير، فقد تبين أن المحبوبين من القادة هم أكثرهم بحثا عن آراء الناس.
مشاركة :