كبح الانحياز الأوروبي الأميركي غير المشروط لليونان في أزمة شرق المتوسط أجندات تركيا التي كانت تعول على الانفراد بأثينا غير القادرة لوحدها على مواجهتها من أجل فرض سياسة الأمر الواقع في المنطقة. وبتراجعها عن التصعيد وقبولها بالانخراط في مفاوضات سلمية لحل الخلافات العالقة يخسر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جولة جديدة في تحدي الإرادة الدولية. أنقرة - يعكس التماس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سلاما في شرق المتوسط توجسا من تداعيات المضي قدما في التصعيد مع انخراط قوى دولية كبرى في الأزمة، فيما يشير مراقبون إلى أن نبرة السلام التركية لم تكن مفاجئة في ظل اصطفاف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى جانب اليونان. وقال أردوغان الاثنين “دعونا نجعل من البحر المتوسط بحيرة سلام مجددا، ولا نلوث مياهه بخصومات جديدة”، مضيفا “لا نريد التوتر في البحر المتوسط وإنما السلام والتعاون والإنصاف والعدل”. ويرى متابعون أن جنوح تركيا لتسوية الأزمة بشأن التنقيب عن المحروقات شرق المتوسط مع جارتها اليونان لم يُبن على مبدأ احترام حسن الجوار كما تروج السلطات في الداخل وإنما جاء قسرا بعد تغيّر موازين القوى في المنطقة واستشعار أنقرة أن لا أحد يساند مطالبها. وتأتي تصريحات الرئيس التركي قبل أيام من انعقاد قمة أوروبية للنظر في نزاع شرق المتوسط يمكن أن تسفر عن فرض عقوبات اقتصادية أشمل على أنقرة، وهو ما يخشاه النظام التركي ويسعى إلى تفاديه من خلال التراجع عن التصعيد والتهدئة. وقال إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئاسة التركية إن “تركيا تعتبر القمة الأوروبية فرصة لإعادة ضبط العلاقات بينهما”، ما يعكس القلق التركي من العقوبات المحتملة. وأضاف كالين “أعتقد أن قمة الاتحاد الأوروبي لديها فرصة لتعيد ضبط علاقات تركيا بالتكتل. إنها فرصة مهمة. يمكننا أن نعيد ضبط العلاقات هناك. وأرى هذا الاستعداد من جانب الكثير من الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي”. وتصاعد التوتر بين تركيا واليونان، العضو في الاتحاد الأوروبي، بعد أن أرسلت أنقرة سفينة مسح لاستكشاف موارد الطاقة في مياه متنازع عليها بين البلدين في شرق البحر المتوسط الشهر الماضي. ووقع تصادم خفيف بين سفينتين حربيتين تركية ويونانية خلال الأزمة. وسحبت تركيا في ما بعد سفينة التنقيب أوروتش رئيس لإتاحة الفرصة للجهود الدبلوماسية. واتفقت أنقرة وأثينا على استئناف المحادثات بشأن مطالبات البلدين المتعارضة بالسيادة على الموارد في البحر المتوسط. وأشارت تركيا مرارا إلى أنها منفتحة على حل المشاكل مع اليونان عبر الحوار لكنها رفضت علانية وضع أي شروط مسبقة قبل المفاوضات بما في ذلك وقف عمليات أوروتش رئيس. رجب طيب أردوغان: دعونا نجعل من البحر المتوسط بحيرة سلام مجددا رجب طيب أردوغان: دعونا نجعل من البحر المتوسط بحيرة سلام مجددا ويختلف البلدان العضوان في حلف الأطلسي بشدة حول حقوق السيادة على الموارد الهيدروكربونية في شرق البحر المتوسط استنادا إلى وجهتي نظر متباينتين حول امتداد الجرف القاري لكل منهما في المياه التي تنتشر فيها جزر معظمها يونانية. لكن النزاع أبرز إلى السطح خلافات أخرى بين تركيا والتكتل بشأن عدد من القضايا مثل الهجرة ودور تركيا في سوريا وليبيا وما يصفه الاتحاد بأنه تزايد للاستبداد في تركيا في ظل حكم أردوغان. وذكر دبلوماسيون ومسؤولون بارزون في الاتحاد الأوروبي لرويترز أن التكتل لن ينفذ على الأرجح تهديدا بفرض عقوبات على تركيا بعد أن وافقت أنقرة الأسبوع الماضي على استئناف محادثات تمهيدية مع اليونان كانت قد توقفت في 2016. وإلى جانب الصرامة الأوروبية في مواجهة العربدة التركية في المتوسط والتلويح بالحل العسكري لحل الأزمة يؤكد دبلوماسيون أن دخول الولايات المتحدة على الخط، واصطفافها علنا خلف اليونان، ضيّق على أنقرة هامش المناورة وزاد في عزلتها إقليميا ودوليا، ما أجبرها على الإذعان والسير في خيار التسوية السلمية. وبدأ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الاثنين محادثات في اليونان تهدف إلى تشجيع “خفض حدة التوتر” في شرق المتوسط وإطلاق حوار بين أثينا وأنقرة. وأجرى بومبيو محادثات مع نظيره اليوناني نيكوس ديندياس في تيسالونيكي في شمال اليونان، فيما لم ينشر أي بيان رسمي في ختام المحادثات. وقبل هذه المحادثات أكد مسؤول أميركي كبير ضرورة “وقف التصعيد في شرق المتوسط” قائلا أمام صحافيين إن بومبيو “عبر عن قلقه الشديد”. وشدد المسؤول على ضرورة “الحد من مخاطر وقوع حوادث” و”الامتناع عن اتخاذ أي إجراء أحادي يؤجج التوتر” داعيا اليونان وتركيا “إلى التوصل إلى اتفاق”. وأوضح أن واشنطن “تشجع كافة الدول على تسوية المسائل المتعلقة بترسيم الحدود البحرية سلميا وطبقا للقانون الدولي”. وأضاف أن وزير الخارجية الأميركي يريد أيضا أن “يواكب التطورات الإيجابية الأخيرة وآفاق استئناف الحوار”. وكان رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس دعا الجمعة في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة نظيره التركي إلى “إعطاء فرصة” للدبلوماسية في وقت يبدو أن البلدين اختارا التهدئة. وكان بومبيو زار قبل نحو أسبوعين قبرص حيث حضّ تركيا على وقف الأنشطة التي تثير توتّرا في شرق البحر المتوسّط، داعيا جميع الأطراف إلى انتهاج السبل الدبلوماسية. ويتوجه بومبيو الثلاثاء إلى جزيرة كريت للقاء ميتسوتاكيس وزيارة القاعدة البحرية لحلف شمال الأطلسي في خليج سودا. وسيستقبل رئيس الوزراء اليوناني وزير الخارجية الأميركي في منزله العائلي، وسيسعى إلى تعزيز التعاون العسكري مع الولايات المتحدة. وكان وزير الخارجية الأميركي وقع في أكتوبر الماضي اتفاقا دفاعيا يتيح للقوات الأميركية استخدام منشآت عسكرية يونانية بشكل أوسع. ويعطي الاتفاق خصوصا الولايات المتحدة أولوية في استخدام مرفأ الكسندروبوليس في شمال البلاد، وهو بوابة عبور إلى البلقان والبحر الأسود ويرتدي أهمية استراتيجية بالنسبة للبحرية الأميركية ولحلف شمال الأطلسي. ووردت معلومات من وزارة الخارجية الأميركية تشير إلى أن زيارة تيسالونيكي رسالة موجهة لمنطقة البلقان بشأن رغبة واشنطن في الاستثمار في المنطقة. وسيوقع بومبيو اتفاقا ثنائيا في مجال العلوم والطاقة وسيشارك في اجتماع لرؤساء شركات قطاع الطاقة. ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :