في التاسع عشر من شهر سبتمبر عام 1932م صدر أمر ملكي للإعلان عن توحيد البلاد وتسميتها باسم المملكة العربية السعودية اعتبارًا من 23 سبتمبر 1932م، يقول الدكتور محمد جابر الأنصاري إن «الجدير بالتأمل الفكري التاريخي أن دولة الملك عبدالعزيز هي «المشروع الثالث» لفكرة الدولة في الجزيرة العربية. فقد سبقتها تاريخيًا الدولة السعودية الأولى والثانية. ما يدل على أن المشروعات الكبرى في حياة الأمم لا تنتهي ولا بد من الاستمرار، وهذا ما صمم عليه الملك عبدالعزيز». وبهذه المناسبة نبارك للمملكة العربية السعودية قيادة وشعبا يومها الوطني مع تمنياتنا لها بمزيد من الازدهار. لعبت السعودية في هذا المسيرة دورا كبيرا في تكوين مجلس التعاون واليوم بعد عقود على إقامة المجلس تتطلع شعوبه إلى تكامل اقتصادي بين أعضائه يقوم على سياسة اقتصادية تجعل الإنسان مركزا لها. وقد بدأت السعودية داخليا استراتيجية تطوير ارتكزت على خصخصة شركة أرامكو وإنشاء مدن صناعية ومراكز أبحاث في الجامعات ومدن علمية، ترافق مع ذلك انفتاح ثقافي في المناهج الدراسية من شأنه أن يخلق حراكا ثقافيا يرفع قدرات إنتاج المعرفة ويدعم المشاريع الاقتصادية. غير أن ذلك لا يكتمل إلا بعمل موازٍ على مستوى الخليج في طريق تعزيز التكامل الاقتصادي الخليجي كمرحلة أولى وصولا إلى تكامل عربي، والتحركات في هذا الاتجاه لم تنقطع. فمثلا نهاية 2019 وفي مؤتمر رجال الأعمال العربي الذي انعقد في البحرين بحضور وزير التجارة والاستثمار السعودي ووزير التجارة والصناعة الكويتي تحدث المؤتمرون عن ضرورة التأقلم السريع مع الثورة الصناعية الرابعة واللحاق بالذكاء الاصطناعي عبر تعزيز ريادة القطاع الخاص وترسيخ قيم الابتكار والإبداع. وقد اتفق المؤتمرون على ضرورة إحداث تحولات في التعليم مبنية على الجرأة في الاستثمار والمخاطرة والريادة. سبقت السعودية هذا التحول بانفتاح ثقافي أدى إلى إدخال مادة الفلسفة في المناهج الدراسية كي تكون محفزا للتفكير النقدي الذي هو أساس الثورة الصناعية واقتصاد المعرفة.تشهد السعودية في هذه المرحلة حراكا صناعيا كبيرا يقوم على قاعدة صناعية قوامها شركة سابك والمناطق الصناعية في ينبع والجبيل وغيرها من المناطق وقاعدة علمية معرفية تستند على المدن العلمية مثل مدينة الملك عبدالله العلمية. ومؤخرا تمكنت شركة «تكوين» للصناعات المتطورة (تأسست عام 1993) من تحقيق خطوات لافتة في مسيرة التحول الرقمي. تستهدف الخطة وصول الإنتاج الصناعي إلى 450 مليار دولار وفتح ما يقارب 1.6 مليون فرصة عمل للمواطنين السعوديين بحلول عام 2030. تمر دول الخليج اليوم بمرحلة ما بعد النفط التي تقوم على الإنتاج الفكري وتعزيز قدرتها الإنتاجية والابتكارية والريادية في مجالات واعدة. وقد وضعت في استراتيجياتها تنمية القدرات في مجالات الطاقة وتحلية المياه والبتروكيماويات، وبالنسبة إلى الإمارات العربية المتحدة كذلك في علوم الفضاء. يقول الكاتب حمد العماري في كتابه «المملكة العربية السعودية: اقتصاد ما بعد النفط»: تخوض السعودية تجربة تحول وطني متكاملة. ارتكزت رؤيتها 2030 على ثلاثة محاور أساسية تتمثل في مجتمع حيوي ووطن طموح واقتصاد مزدهر. تتطلع هذه الرؤية إلى توفير بيئة تُطلق إمكانات الأعمال وتوسيع القاعدة الاقتصادية وتفتح مجال الاستثمار في مختلف القطاعات بغرض التنويع الاقتصادي لتكون السعودية بين أكبر 20 اقتصادا في العالم. بالنسبة للأمة العربية، تمثل المرحلة القادمة تحديات للدول العربية بشكل عام والدول الخليجية بشكل خاص تحتاج إلى الإصرار لإنجاح المشاريع الكبرى الذي أظهرته القيادة السعودية في بداية تكوينها. تفرض هذه التحديات اللحاق بالركب ووضع الاستراتيجيات الملائمة والقائمة على الفكر الإنساني والقدرات الذهنية والإبداعية. تعمل دول الخليج بقيادة السعودية بعمل خليجي وجهد كبير لفتح أسواق عربية تستفيد من التجانس العربي والمخزون السكاني الكبير كقوة شرائية وفي الوقت نفسه قوة بشرية هائلة. والسعودية بإصرارها وبتحالفها مع مصر ودول خليجية وعربية أخرى بإمكانها القيام بالكثير حتى وإن كان الوضع العربي الراهن غير مؤاتٍ.mkuwaiti@batelco.com.bh
مشاركة :