اقترحت موسكو، أمس، استقبال مفاوضات بين الجانبين الأرميني والأذربيجاني، في نهاية يوم بدت خلاله كل من باكو ويريفان عازمتين على مواصلة القتال بعد 4 أيام من المواجهات الدامية في جيب ناغورني قره باغ الانفصالي في أذربيجان والمدعوم من أرمينيا رغم الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار. واقترح وزير الخارجية الروسي استقبال محادثات تتناول مسألة المنطقة الانفصالية. وخلال مكالمتين هاتفيتين منفصلتين مع كل من نظيريه الأرميني والأذربيجاني، أكد سيرغي لافروف استعداد موسكو لتنظيم الاتصالات الضرورية، ومن بينها عقد لقاء بين وزراء خارجية أذربيجان وأرمينيا وروسيا، وفق بيان للخارجية الروسية. ويأتي ذلك بعدما تعهد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف خلال زيارته عسكريين جرحى في أحد المستشفيات بمواصلة القتال حتى انسحاب تام وغير مشروط ودون تأخير للقوات الأرمينية. وقال بحسب مقاطع بثت على التلفزيون «إذا قبلت الحكومة الأرمينية هذا الشرط، المعارك تتوقف، وسفك الدماء يتوقف». وفي وقت سابق، أبلغت الخارجية الأذربيجانية «مجموعة مينسك» المؤلفة من روسيا والولايات المتحدة وفرنسا، والمنبثقة من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والمعنية بالوساطة في النزاع، أن باكو عازمة على مواصلة عمليتها العسكرية الشرعية. وأغلق من جهته رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان الباب أمام المفاوضات أمس، معتبراً أن «من غير المناسب الحديث عن قمة بين أرمينيا وأذربيجان وروسيا فيما لا تزال معارك عنيفة جارية». وفي وقت سابق، دعا مجلس الأمن الدولي بالإجماع إلى وقف العنف والعودة إلى المفاوضات. وتقيم روسيا، إحدى الدول الأكثر نفوذاً في جنوب القوقاز، والتي دعت أكثر من مرة إلى وقف المعارك، علاقات جيدة مع الطرفين وكلاهما جمهوريتان سوفياتيتان سابقتان. وتنتمي أرمينيا من جهتها إلى حلف عسكري تهيمن عليه موسكو التي توفر من جهتها أسلحة لكلا الطرفين. وتثير المواجهات، وهي الأعنف منذ عام 2016، الخشية من حرب مفتوحة بين باكو ويريفان قد تزعزع استقرار منطقة تتناحر فيها أصلاً مصالح عدة قوى متنافسة. ولم تتمكن روسيا وفرنسا والولايات المتحدة المنضوية في «مجموعة مينسك» منذ عام 1992 من إيجاد تسوية لنزاع ناغورني قره باغ، الجيب الذي تقطنه غالبية أرمنية وانفصل عن السيادة الأذربيجانية. وبحسب حصيلة رسمية، قد تكون جزئية، أسفرت المعارك التي اندلعت الأحد عن مقتل 103 أشخاص، بينهم 81 مقاتلاً انفصالياً أرمنياً، و22 مدنياً. ولم تعلن أذربيجان من جهتها عن أي خسائر في صفوف جيشها بينما يتبادل الطرفان المسؤولية عن اندلاع المعارك. وأمام مركز للجيش في يريفان، يستعد عشرات الرجال من كافة الأعمار إلى الذهاب إلى القتال أو هم بصدد التطوع. وقال متطوع أرمني يبلغ من العمر 63 عاماً رفض كشف أسمه «إنها حرب حتى الموت، وعلينا أن نذهب حتى النهاية». وفي تطور جديد، أعلنت موسكو على لسان وزارة خارجيتها أن «مقاتلين من جماعات مسلحة غير شرعية، خاصة من سوريا وليبيا، يتم نشرهم في منطقة النزاع بناغورني قره باغ للمشاركة في المعارك». وأضافت أنها «تشعر بقلق شديد حيال عمليات يمكن أن تؤدي إلى تصعيد التوتر في النزاع وفي كامل المنطقة». وأكدت وزارة الدفاع الأذربيجانية في الأثناء تواصل المعارك العنيفة أمس، وقالت إن قواتها قتلت 2300 من انفصاليي قره باغ منذ تفجر المواجهات الأحد. وقالت الوزارة إن قواتها دمرت 130 دبابة و200 وحدة مدفعية و25 وحدة مضادة للطائرات، و5 مخازن ذخيرة و50 وحدة مضادة للدبابات و55 آلية عسكرية، إضافة إلى بطارية صواريخ «جو أرض إس 300» روسية الصنع. قالت وزارة الدفاع الأرمينية من جهتها إنها دمرت 137 دبابة و72 طائرة مسيرة و7 مروحيات وطائرة مقاتلة، مشيرةً إلى مقتل 790 عسكرياً أذربيجانياً وإصابة 1900 بجروح. ولم يكن ممكناً التحقق من تلك الأرقام جميعاً من مصدر مستقل. وعزز خطاب عدائي في البلدين خلال الأشهر الأخيرة من الحماسة الوطنية، وأعلنت التعبئة العسكرية والقانون العرفي في البلدين منذ الأحد. وتقول أذربيجان إنها حققت مكاسب ميدانية وقوضت خطط الإمداد الأرمينية. في المقابل، يؤكد جيب ناغورني قره باغ الانفصالي استعادة السيطرة على مواقع سقطت سابقاً. وتركيا هي القوة الوحيدة التي لم تدع إلى وقف إطلاق النار، وحضت حليفتها أذربيجان على السيطرة على قره باغ بالقوة. وقال الكرملين أمس، إنه لا يؤيد دعوات تركيا، داعيةً إياها إلى الامتناع عن صب الزيت على النار. ماكرون ينتقد الخطاب التركي قال الرئيس الفرنس إيمانويل ماكرون إنه قلق إزاء التصريحات الحربية التي تطلقها تركيا بشأن ناغورني قره باغ. وأعلنت تركيا أمس الأول، أنها عازمة على مساعدة أذربيجان في استعادة الأراضي المحتلة والدفاع عن حقوقها ومصالحها بموجب القانون الدولي في ناغورني قره باغ. وقال ماكرون خلال مؤتمر صحافي من العاصمة اللاتفية ريغا «لقد لحظت التصريحات السياسية لتركيا، والتي أعتقد أنها غير مسؤولة وخطيرة». وأضاف «تبقى فرنسا قلقة بشدة إزاء الرسائل الحربية التي أطلقتها تركيا خلال الساعات الماضية، والتي ترفع في جوهرها أي قيد أمام أذربيجان فيما قد يؤول إلى استعادة السيطرة على شمال قره باغ وهذا ما لن نقبل به». وأشار الرئيس الفرنسي إلى أنه في المرحلة الحالية من غير المسموح الحديث عن «إضفاء طابع إقليمي على الصراع». وأضاف أنه «ينبغي تحديد عناصر الوقائع لفهم ما حصل على وجه الدقة وعلى عاتق من تقع المسؤوليات».
مشاركة :