واصلت أسعار النفط الخام تراجعاتها لليوم الثاني بسبب استمرار تزايد الإصابات بفيروس كورونا مع تجدد مخاوف الطلب على الوقود في بداية فصل الشتاء في نصف الكرة الأرضية الشمالي، إضافة إلى تزايد القلق من العودة إلى حالة الإغلاق الاقتصادي. وذكر لـ"الاقتصادية"، مختصون ومحللون نفطيون، أن معنويات قاتمة تسيطر على السوق النفطية بسبب حالة عدم اليقين الناجمة عن جائحة كورونا، ما جعل أسعار النفط تدور في نطاق محدود عند نحو 40 دولارا للبرميل على مدى أشهر عدة، مع فرص محدودة في الانتعاش. وأشار المختصون إلى أن "أوبك+" تكثف الجهود من أجل استعادة التوازن في السوق ودعم ارتفاع الأسعار، ما يتطلب التركيز على خفض الطاقة الإنتاجية الفائضة في "أوبك +"، إضافة إلى الحاجة إلى مزيد من التعافي في الطلب العالمي، لافتين إلى أن دول العالم كلها تسعى إلى تفادي الوصول إلى مرحلة الإغلاق الاقتصادي الثاني حتى لا يتكرر سيناريو انهيار الأسعار، كما حدث في أبريل الماضي. وفي هذا الإطار، يقول جوران جيراس مساعد مدير بنك "زد أيه إف" في كرواتيا، إن "الاقتصادات الكبرى تحديدا، تواجه صعوبات وتحديات واسعة بسبب استمرار تفاقم ضغوط الجائحة وتداعياتها السلبية على الاقتصاد، ومثال على ذلك وجدنا الهند وهي ثالث أكبر الاقتصادات المستهلكة للطاقة، توقف تشغيل مصافي التكرير بسبب ضعف الطلب على الديزل، في ظل مؤشرات على انتعاش بطيء في الطلب الصناعي". وأوضح أن أعباء السوق ليست قاصرة على ضعف الطلب، بل تتجاوز الأزمة الأمر إلى استمرار وفرة المعروض النفطي، خاصة بعد استئناف ليبيا تصدير النفط الخام، حيث زاد إنتاجها إلى 250 ألف برميل يوميا، ارتفاعا من 90 ألف برميل يوميا مع رفع الحصار عن موانئ تصدير النفط في البلاد جزئيا، مشيرا إلى أنه بحسب توقعات "جولدمان ساكس"، فإن الصادرات الليبية قد ترتفع إلى 0.5 مليون برميل في يوميا بحلول نهاية العام الجاري. من جانبها، ترى الدكتورة ناجندا كومندانتوفا كبير محللي المعهد الدولي لتطبيقات الطاقة، أن بعض التوقعات الدولية تذهب إلى أن جائحة كورونا قد تعجل بذروة الطلب على النفط الخام، وهو ما تعارضه "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية، اللتان تتفقان على استمرار النفط في قيادة مزيج الطاقة عقودا مقبلة، لكن عملاق الطاقة الفرنسي "توتال" رجحت أن معظم الزيادة في الطلب على الطاقة في الفترة المقبلة سيذهب إلى الطاقة منخفضة الكربون، وأن ذروة الطلب على النفط قد تحدث بحلول عام 2030. وذكرت أن تراجع أسعار النفط 4 في المائة تقريبا، الثلاثاء الماضي، يرجع إلى تفاقم الإصابات بكورونا والمخاوف المتزايدة من تعثر نمو الطلب على النفط وصعوبة العودة إلى مستويات ما قبل الجائحة، ما يعني استمرار الضغط على الأسعار وبقائها في نطاق ضيق أشهر عدة، خاصة مع عودة ضخ كثيف من النفط الليبي بعد عمليات إغلاق طويلة للموانئ. ويقول ديفيد لديسما المحلل في شركة "ساوث كورت" الدولية، إن الوضع المتوتر في الأسواق يترجم إلى تقلبات سعرية متلاحقة، مشيرا إلى أن الجائحة تضغط على الأسعار، التي ارتدت بعد مكاسب جيدة في بداية الأسبوع، مستمدة من قوة أسواق الأسهم وضعف الدولار واقتراح الديمقراطيين في الكونجرس الأمريكي حزمة تحفيز جديدة بقيمة 2.2 تريليون دولار. وأوضح أن الأسواق أصيبت بخيبة أمل وتراجع الأسعار عقب أول مناظرة رئاسية في الولايات المتحدة بين المرشحين دونالد ترمب وجو بايدن، التي شهدت تجاوزات عديدة وتبادلا عنيفا للاتهامات، وتزامن ذلك مع تسارع مستمر في حالات الإصابة بفيروس كورونا في الاقتصادات الأوروبية الكبرى، ما أدى إلى تراجع معنويات السوق على نحو واسع. ويضيف أندريه يانييف المحلل البلغاري والباحث في شؤون الطاقة، أن مستوى المخزونات سيظل أحد المحركات الرئيسة الفورية لأسعار النفط الخام، خاصة عندما تجيء البيانات الأسبوعية مخالفة للتوقعات المسبقة، موضحا أن تقديرات معهد البترول الأمريكي ترجح زيادة مخزون النفط الخام بنحو مليون برميل هذا الأسبوع، ما يمثل ضغطا جديدا على الأسعار. وأوضح أن ضغوط مكافحة تغير المناخ لن تؤدي إلى تعديلات جوهرية في عمل الاقتصاد الأمريكي، الذي لا يزال يعتمد بشكل رئيس على الوقود الأحفوري حاليا وفي المستقبل المنظور، مشيرا إلى أن قطاع النفط الصخري الأمريكي لا يخشى من فوز المرشح جو بايدن، الذي سيكون أقل حماسا لنشاط التكسير الصخري، حيث يدرك جميع الأمريكيين صعوبة الابتعاد عن الوقود الأحفوري حتى لا تعود الولايات المتحدة إلى زيادة الاعتماد على استيراد النفط من الخارج. من ناحية أخرى، وفيما يخص الأسعار، انخفضت أسعار النفط لليوم الثاني على التوالي أمس، مواصلة تكبد خسائر كبيرة في ظل زيادة الإصابات بفيروس كورونا قبل بداية فصل الشتاء في الشمال، ما أثار مخاوف من فرض مزيد من القيود على الأنشطة، قد يقلص بدوره الطلب على الوقود. وتراجعت العقود الآجلة لخام برنت تسليم تشرين الثاني (نوفمبر) 40 سنتا، ما يوازي 1 في المائة، بحلول الساعة 06:35 بتوقيت جرينتش، وفقد خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 32 سنتا، ما يوازي 0.8 في المائة، إلى 38.97 دولار. وينتهي أجل عقد تشرين الثاني (نوفمبر) اليوم، ويحل محله عقد كانون الأول (ديسمبر) الذي انخفض نحو 0.7 في المائة، إلى 41.25 دولار. وفقد الخامان القياسيان أكثر من 3 في المائة، الثلاثاء، مع تجاوز الإصابات بكوفيد - 19 المليون، وزادت الإصابات لمثليها في ثلاثة أشهر. وتذبذبت العقود الآجلة لأسعار النفط الخام في نطاق ضيق مائل نحو التراجع وسط ارتفاع مؤشر الدولار، وفقا للعلاقة العكسية بينهما، عقب التطورات والبيانات الاقتصادية التي تبعتها عن الاقتصاد الصيني، أكبر مستورد للنفط في العالم، وعلى أعتاب التطورات والبيانات الاقتصادية من قبل الاقتصاد الأمريكي، أكبر منتج ومستهلك للنفط في العالم، التي تتضمن الكشف عن تقرير إدارة معلومات الطاقة للأسبوع المنقضي في 25 من أيلول (سبتمبر)، الذي قد يعكس تقلص الفائض إلى 1.0 مليون برميل مقابل 1.6 مليون برميل. وفي تمام الساعة 06:17 صباحا بتوقيت جرينتش، انخفضت العقود الآجلة لأسعار خام النفط "نيمكس" تسليم تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل 0.44 في المائة، لتتداول عند مستويات 38.99 دولار للبرميل، مقارنة بالافتتاحية عند 39.16 دولار للبرميل، مع العلم بأن العقود استهلت تداولات الجلسة على فجوة سعرية هابطة بعد أن اختتمت تداولات الثلاثاء عند مستويات 39.29 دور للبرميل. كما تراجعت العقود الآجلة لأسعار خام برنت تسليم تشرين الثاني (نوفمبر) 0.22 في المائة، لتتداول عند 40.57 في المائة للبرميل، مقارنة بالافتتاحية عند 40.66 في المائة للبرميل، مع العلم بأن العقود استهلت التداولات أيضا على فجوة سعرية هابطة بعد أن اختتمت تداولات أمس عند 41.03 في المائة للبرميل، وذلك مع ارتفاع مؤشر الدولار الأمريكي 0.05 في المائة، إلى 93.91 مقارنة بالافتتاحية عند 93.86، مع العلم بأن المؤشر اختتم تداولات الثلاثاء عند مستويات 93.89. من جانب آخر، تراجعت سلة خام أوبك، وسجل سعرها 41.46 دولار للبرميل الثلاثاء، مقابل 41.61 دولار للبرميل في اليوم السابق. وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، الأربعاء، أن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء، حقق ثاني انخفاض له على التوالي، وأن السلة كسبت بضعة سنتات، مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي، الذي سجلت فيه 41.32 دولار للبرميل.
مشاركة :