«تورية».. العين تبصر رائحة المكان

  • 10/2/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: علاء الدين محمود نظمت مؤسسة الشارقة للفنون ضمن برنامجها لخريف 2020، أمس الأول، جولة فنية، في ساحة الفنون «المريجة»، بحضور الشيخة نوار القاسمي، مديرة المؤسسة، للتعرف إلى أعمال الفنانة الهندية زارينا بهميجي في معرض «تورية»، والذي يستمر حتى أبريل المقبل. وقبيل انطلاقة الجولة، رحبت نوار القاسمي بالإعلاميين، وقدمت ملمحاً حول فكرة المعرض، وعرفت بهميجي وإبداعاتها في مختلف مجالات الفنون التي طرقتها، ويشكل المعرض فرصة سانحة للجمهور للاطلاع على الممارسات الثرية للفنانة، فالمعرض هو الأول لها في المنطقة، وقالت الشيخة نوار: «من دواعي السرور أن تحتضن الشارقة المعرض، والعمل عن قرب مع الفنانة على هذا المشروع المتميز والذي قيمته الشيخة حور بنت سلطان القاسمي رئيس المؤسسة» وتعرف الحضور إلى الأعمال الفنية ذات القيمة الكبيرة والتي تنطلق من صياغة الأسئلة عبر الصوت والصورة واللغة، وتدور فكرتها حول الهوية والانتماء، فالفنانة تجمع بين الانتماء إلى الهند وشرق إفريقيا بحكم جذورها، وإلى بريطانيا كبلد عاشت فيها. معظم الأعمال هي عبارة عن صور فوتوغرافية وأفلام ورسومات وأعمال تركيبية، أنتجتها الفنانة على مدى ثلاثة عقود، تبحث في علاقة الإنسان بالمكان، وهيمنة الثقافة الأم عليه، ومسألة الهوية، وبحث البعد الكوني في تجلياته المادية المجردة، ويركز المعرض كذلك على بدايات استكشافات بهميجي لأنماط المعرفة التي تتجاهلها النظم المكرَّسة؛ أي الرسمية والأكاديمية، إلى جانب دراستها اللاحقة للعمارة والمكان بوصفهما عاملين حاسمين في التجارب والمشاعر الإنسانية. وتحمل أعمال المعرض مضامين فلسفية ورؤى حول الحياة والصوت والجمال والحب باعتبارها شكلاً من أشكال المقاومة والرفض، وتستخدم الخطاب المناهض للعنصرية والنقد النسوي للطعن في الممارسات المؤسسية سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي، وكذلك تقوم أعمالها بمغالطة رواية المستعمر عن نفسه، لتكشف زيف أمجاده وسيرته في المناطق المستعمرة، كما توظف الكاميرا كأداة لرصد لحظات إنسانية معينة، وطرح مجموعة من الأسئلة حول كيفية فهم أنفسنا في مختلف المراحل الزمنية؟، والأهم من ذلك، كيف نتناول ونعيد التفكير في زماننا أو في الزمن الذي يتجاوز تجربتنا المباشرة؟. وتشكل أعمال الفنانة مشروعات فنية أنتجتها عقب أبحاث مضنية، وزيارات ميدانية، استغرقت وقتاً طويلاً، إلى مواقع جغرافية مختلفة، تشكل خلالها رابطة وعاطفة قوية مع المكان الذي يصبح بمثابة استوديو خارجي متجرد من خصوصيته التاريخية والسياسية، فنرى أعمالها تصور مناطق مختلفة من العالم مثل أوغندا، والمملكة المتحدة، والهند، وزنجبار، وكينيا، وغير ذلك من المناطق التي مكثت فيها مقتفية أثر الإنسان والتاريخ والجمال. وتعكس تلك الأعمال الجهد الفني والجمالي المبذول من قبل الفنانة لمعالجة مسألة الاغتراب، وهي قضية محورية في أعمالها، من حيث علاقة الإنسان بالمكان، وذاته المقسمة بين جغرافيات مختلفة، فالأعمال تعبر عن سيرة ذاتية للفنانة، وتصور منعطفات ومنعرجات مهمة في حياتها وفي علاقتها بالأشياء والمفاهيم من حولها، لتتوصل إلى رؤيتها الخاصة، فعلى سبيل المثال نجد أن الفنانة قد عاشت في بريطانيا، لكنها ظلت هندية على مستوى عاداتها وتقاليدها، وذلك لأنها قد تربت داخل بريطانيا في حضن عائلتها الهندية، وهي تكشف بعمق شديد خلال التراكيب والصور عن حجم مثل ذلك التشظي الحياتي وأثره على الإنسان، فكأن للهوية حبل سري يظل الإنسان مرتبط بها بصورة أو أخرى. جدل الهوية وفي واحد من أعمالها في المعرض، والذي أطلقت عليه اسم «بلا عنوان سكيتش 1999»، تكشف الفنانة عن حجم التشظي في حياتها، وتعالج عبره قضيتي الاغتراب والهوية، والعمل هو عبارة عن ثلاثة فساتين صغيرة مخاطة يدوياً، تشبه تلك التي يرتديها الأطفال، ومصنوعة من خرائط بريطانيا وشرق إفريقيا والهند، ويشير إلى رحلة عبر الأمكنة والأحداث، ويطرح العمل العديد من الأسئلة حول تلك الأماكن وجدل العلاقة معها، وكذلك العلاقة مع العائلة في تداعياتها اليومية. وذلك الأمر يتكرر أيضاً من خلال عمل آخر هو عبارة عن فيديو تركيبي أطلقت عليه الفنانة اسم «البقعة الصفراء»، ويستعرض ذلك الفيلم، في فكرته العامة، الجولة التي قامت بها الفنانة إلى أماكن عدة مثل بريطانيا والهند وشرق إفريقيا، ويكشف الفيلم عن التناغم الخلاق بين الصوت والصورة والعاطفة والذاكرة، حيث يشير اللون الأصفر في الفيلم، والتي تظهر من خلال بقع، إلى تداعي الذكريات، حيث يتناول الفيلم الزراعة في المكان، والعمارة وما تحمله من ذكريات، وجاءت البيوت في تصميمها وهي تحاكي بشرة جلد الإنسان وحافلة بالتشققات، وتشير إلى العائلة وتشتتها بين أماكن عديدة، لكن يظل هناك دائماً ما يجمع بينها، ويتمثل في المكان والذكريات، كما يصور الفيلم ميناء «ميندافي» في الهند، والذي غادره الكثيرون إلى زنجبار قبل الاستقرار عميقاً في القارة الإفريقية، ويطرح الفيلم عدداً من الأسئلة حول الهجرة إلى إفريقيا، على نحو: لماذا يهاجر الناس إلى شرق إفريقيا؟ وما هي الطرق التي سلكوها؟، وكيف أتاح الاستعمار القيام بهذه الرحلة؟، وما الذي استولى على المخيلة في محيطات العالم؟، ويعمل الفيلم بصورة تعتمد على التأثير، بحيث يتسلل إلى نفس المشاهد رائحة التاريخ وعبق المكان، فهو عبارة عن دفقة عاطفية وشعورية تخلق تواصلاً حميمياً وعلى نحو جمالي وعاطفي مع المشاهد..

مشاركة :