جائحة كورونا ومستقبل العولمة الاقتصادية

  • 4/26/2020
  • 09:34
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أجرى الحوار: مارك فينيو أجرت مجلة لوبوان الفرنسية الحوار التالي مع المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية باسكال لامي الذي تحدث عن تداعيات تفشي جائحة فيروس كورونا على المبادلات التجارية والتحديات والرهانات الكبيرة التي ستواجه الاقتصاد العالمي ما بعد انقشاع هذه الأزمة الصحية.‭{‬ هل تؤذن هذه الأزمة الصحية العالمية والناجمة عن تفشي جائحة فيروس كورونا بنهاية عصر العولمة الاقتصادية والمالية والتجارية والعودة بالتالي للتقوقع داخل حدود الدول في العالم؟إن الأزمة الراهنة الناجمة عن تفشي جائحة فيروس كورونا لا تمثل بالضرورة منعرجا يؤذن بنهاية عصر العولمة بقدر ما تمثل فصلا آخر من الفصول التي شهدناها وشهدها العالم خلال العشرة أو الخمسة عشر سنة الماضية. نذكر على وجه التحديد الأزمة المالية التي هزت أركان الاقتصادي الرأسمالي من ثم العالمي سنة 2008 ثم الأزمة الأخرى الناجمة عن كارثة فوكوشيما، والتي حدثت في اليابان سنة 2011 وقد استطاع الاقتصاد العالمي التغلب على كل تلك الأزمات والتحديات ليستعيد توازنه.لا ننسى أيضا التحولات والتقلبات المناخية الأخرى التي عادت بعواقب اقتصادية وخيمة على العديد من دول العالم، إضافة إلى الارتفاع النسبي في الأسعار والذي يعزى أساسا إلى ارتفاع كلفة الإنتاج وكلفة العمل في الصين. هذه التطورات والعوامل السلبية والوخيمة أيضا لا تعني نهاية عصر العولمة بقدر ما تضفي على العولمة أشكالا أخرى مختلفة. أنا لا أعتقد أن الأزمة الراهنة الناجمة عن تفشي جائحة فيروس كورونا ستدفع الدول إلى إعادة تأميم قطاعاتها الإنتاجية، ما يعني نهاية سياسات العولمة وعودة الدولة بقوة. بعد انتهاء هذه الأزمة سنتجه إلى نمط مختلف من العولمة، حيث إن سلاسل الإنتاج التي لا تتسم بالتنوع والصلابة ستكون دائما عرضة للتداعيات الوخيمة الناجمة عن التحديات الصحية والمناخية.  ماذا يعني هذا الكلام؟قبل عشرين سنة من الآن، كانت العولمة تبحث خاصة عن الكفاءة والجدية من خلال المتوقع في أكثر من دولة والعمل على تنويع سلاسل الانتاج. هذا ما يفسر سبب وجود أعداد كبيرة من الشركات الأمريكية، والغربية بصفة عامة، في الصين التي أصبحت تحقق معدلات عالية في النمو بفضل حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. انتهى هذا التوجه الآن.هذا لا يعني أن الشركات المتعددة الجنسيات ستغلق مقراتها وتصفي أعمالها في الصين بل إنها ستعمل على تنويع إنتاجها وفتح فروع أخرى في دول أخرى من العالم مع مراعاة الجودة وكلفة الانتاج والانتاجية، مثل الشركات الطبية والتقنية ومعامل صناعة السيارات، علما أن التنويع في سلاسل الانتاج تجري في مناطق عديدة من العالم، خارج الصين.‭{‬ ستأخذ العولمة في فترة ما بعد الأزمة الراهنة الناجمة عن تفشي جائحة فيروس كورونا منحى إقليميا عوضا أن يكون عالميا فيما يتعلق بتموقع سلاسل الإنتاج الرئيسية في العالم؟أنا لا أعتقد ذلك. فالاقتصاد الإفريقي الذي تخلف عن الركب بدأ يدخل في مسار اقتصاد العولمة. أعتقد أن ضريبة الكربون ستلعب دور كبيرا ما بعد الأزمة وهي التي ستؤدي إلى إحداث تغيير في توزيع سلاسل الإنتاج في العالم. فبعض سلاسل الإنتاج قد تعود إلى مواقعها الأصلية في بلدانها فيما تأخذ سلاسل إنتاجية أخرى منحى معاكسا وهي من سمات الاقتصاد المتحرك. ‭{‬ هل تخشى أن تتسبب الأزمة الراهنة الناجمة عن تفشي جائحة فيروس كورونا في انطواء بعض الدول على نفسها اقتصاديا، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية؟لقد لمست بعض الارهاصات التي تنم عن هذا التوجه الانطوائي والحمائي في الاقتصاد منذ سنة الأزمة المالية الحادة التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية والعالم سنة 2008 غير أن هذه النزعة الاقتصادية لم تجد طريقها إلى الساحة السياسية بما يكفي. فقد أدركت الاقتصاديات العالمية شوطا كبيرا في التداخل والتشابك بين الأطراف والمصالح وهو ما يقلل من أخطاء الانزلاق نحو اعتماد سياسات اقتصادية منغلقة. لذلك فإن أي سياسة قائمة على إعادة تأميم وتوطين سلاسل الإنتاج – أي الشركات – ستكون لها كلفة باهظة من الناحية الاقتصادية. لقد شهدنا في الآونة الأخيرة محاولتين اثنتين تكرسان هذا الانغلاق في السياسة الاقتصادية.تتمثل المحاولة الأولى في طبيعة السياسة التجارية التي تنتهجها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وهو ما جعله يصطدم بالصين ويدخل معها في حروب تجارية. أما المحاولة الثانية فهي تتمثل في خرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست). أعتقد أن كلا المحاولتين لم تحققا أي نجاح اقتصادي يذكر – على المدى القصير. ‭{‬ لكن الاقتصاد الأمريكي يحقق معدلات نمو عالية. ألا يحسب ذلك لإدارة الرئيس دونالد ترمب؟صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تعافت من المشاكل التي كانت تواجهها وأصبحت تحقق معدلات نمو اقتصادي عالية لكن لا أحد يرجع الفضل لإدارة الرئيس دونالد ترمب. وبالمقابل فقد ألحقت هذه السياسة التي ينتهجها دونالد ترامب الضرر بالفئات الاجتماعية الضعيفة والمستهلكين أيضا. ‭{‬ كيف تقيم طبيعة ردود الأفعال على صعيد السياسة الاقتصادية في خضم هذه الأزمة الراهنة الناجمة عن تفشي جائحة فيروس كورونا؟يجب القول إن المسألة الاقتصادية باتت تحتل المرتبة الثانية لأن الدول تعطي كل الأولوية في سياساتها للمسائل الصحية من أجل تعبئة كل الموارد المالية من أجل مكافحة تفشي جائحة فيروس كورونا. فدول العالم تجد اليوم نفسها في ما يمكن أن نسميه «حالة حرب»، حيث إنها عبأت ميزانياتها من أجل مكافحة تفشي هذه الجائحة وهي محقة في ذلك لأن صحة الانسان – والصحة العامة – تعلو فوق كل المسائل الأخرى المتعلقة بتسيير الشأن العام وسياسات الدول.لم يكن أمام مختلف دول العالم من خيار آخر سوى توجيه جانب كبير من ميزانياتها لمكافحة هذه الجائحة. بطبيعة الحال ستكون هذه الأزمة الصحية فاتورة اقتصادية باهظة، غير أن هذه الفاتورة قد تقل كلما كانت فترة تعطيل دواليب الاقتصاد أقصر قدر الإمكان. هذه ليست بالمسألة الهينة لأن الحكومات تدرك جيدا أنه يجب عليها ألا تتسرع في رفع القيود عن الأنشطة الاقتصادية لأن ذلك قد يغرق المصابين المرضى, المصابين بفيروس كورونا، مما يجعل الفاتورة الصحية باهظة، سواء ماليا أو بشريا. ‭{‬ هل تعتقد أن عجلة النمو ستعود بسرعة بعد نهاية أزمة تفشي جائحة فيروس كورونا؟نعم لكن هذا يتوقف على المدة التي ستستغرقها أزمة تفشي جائحة فيروس كورونا قبل أن تبلغ مرحلة الذروة لتبدأ الجائحة في التراجع بعد ذلك. فبعد أن اشتد تفشي الفيروس في الصين ها هي الأوضاع قد بدأت تنفرج لتغرق الدول الأوروبية بدورها في حربها على مدار الساعة ضد هذه الجائحة الفتاكة. إن كل شيء سيتوقف على طول هذه الأزمة وارتداداتها على الاقتصاد. يمكن للدول أن تتفادى جزءا من خسائرها الإنتاجية من خلال الاعتماد على مخزوناتها والضغط على الاستهلاك لكن هناك جزءا من الاقتصاد لا يمكنها أبدا تعويضه بعد ضياعه. يمكن أن تتسبب الأزمة الراهنة الناجمة عن تفشي جائحة فيروس كورونا في تراجع النمو الاقتصادي العالمي بنسبة تتراوح ما بين نصف نقطة ونقطة ونصف، علما بأن التوقعات ما قبل الأزمة كانت تقدر بأن الاقتصاد العالمي سينمو بثلاث نقاط.لا أحد يمكنه في الوقت الراهن تقدير فاتورة الخسائر التي ستنجم عن جائحة فيروس كورونا.   لوبوان

مشاركة :