الموسيقى المستقلة ليست نوعاً موسيقياً قائماً بذاته، بل هي خانة تندرج فيها أنواع موسيقية عدة منها الروك والهيب هوب والالكترونيك وحتى الموسيقى الشعبية، يجمعها مبدأ الاستقلال المادي عن شركات الإنتاج التجارية والحرية الكاملة في الخيارات الفنية وبالتالي عدم الالتزام بشروط الشركات ولا بقرارات المنتجين أو الممولين. لا يمكن الكلام عن بداية محددة للموسيقى المستقلة، فلكل نوع موسيقي بدايته وتاريخه وفنانوه الذين عملوا مع شركات إنتاج كبرى أشرفت على أعمالهم ودعمتهم، كما له فنانوه «المستقلون» الذين عملوا في الظل دون دعم أو إشراف أو تدخل من أحد. لكن الأكيد أن ما يميز هذه الموسيقى في وقتنا الحالي هو سهولة انتشارها، وهو الأمر الذي لم يكن يوماً بهذه البساطة، والفضل في ذلك طبعاً يعود لمواقع التواصل الاجتماعي التي تعتبر مساحة حرة لجميع الفنانين لنشر إنتاجهم. فك الحصار يقول رائد غنيم عن تجربته الموسيقية التي بدأها في مخيم اليرموك في سورية: «في الحصار كنا مقطوعين عن كل شيء تقريباً، فكنا نسرق خطوط الإنترنت من أكشاك الهاتف التي فيها أكثر من ألف خط، نجربهم الواحد تلو الآخر لنجد خطاً وصله أصحابه بالانترنت قبل أن يتركوا المخيم. كنت أحس أنه من واجبي نقل صوت الناس المحاصرين إلى خارج المخيم، لكنني لم أكن أستطيع تسجيل ما أكتبه في استديو، فاستعرت كاميرا من صديقي وسجلت أول شيء كتبته عن الحصار دون موسيقى ورفعت الفيديو على موقع «يوتيوب»، وبعدها صرت أسجل كل ما أكتبه على هاتفي الجوال وأنشره على الانترنت، وكان همي الوحيد أن أوثق الحقيقة كي لا تدفن كما تدفن المجازر والأحداث». أضاف غنيم: «لم أكن أتوقع أبداً أن يتعدى الاستماع إلى المقاطع الصوتية الرديئة التي سجلتها الـ100 مستمع، لكنه بدأ يزداد وبدأت الناس تتناقل المقاطع وتنشرها. وبعد انتقالي إلى بيروت اجتمعت بموسيقيين كنت أتواصل معهم عبر «فايسبوك» من داخل الحصار، وفي أول حفلة جمعتنا شعرت بأننا نقاوم بصوت واحد وأننا كلنا أصبحنا مقاتلين في المعركة نفسها». ويقول «الرابر» الشاب: «لم أتوقع أبداً أن أصل إلى هنا، وما زلت مصدوماً أن آخر أغنية نشرتها وصلت إلى ما يقارب 8000 مستمع، وهذا ما يحضني على أن أظل أقاوم بصوتي وكلمتي وأشارك أفكاري مع الناس الذين يستمعون إلى الموسيقى». كسر الحدود الجغرافية ويؤكد مؤدي الراب بوناصر الطفار أن مواقع التواصل الاجتماعي كسرت الحدود الجغرافية بين الفنانين أنفسهم وبينهم وبين المستمعين، فأصبح بإمكانه بكبسة زر إيصال الأغنية الجديدة إلى آلاف المتابعين بدل نشرها يدوياً كما كان يفعل في السابق، ويضيف: «أصبح أسهل علي أن أصل إلى موسيقى جديدة أسمعها، وأن أطور عملي عبر التواصل مع موسيقيين خارج لبنان لإنتاج عمل مشترك عبر الحدود أو تنظيم حفلات مشتركة، فسجلت أغنية «رحيل» مع بو كلثوم دون أن نلتقي، وأغنية «جورج» أنتجها وتر وكان لا يزال في الشام». ويضيف بو ناصر: «من جهة ثانية أصبحت الدعوة لحفلة من تنظيمنا وبشروطنا أمراً سهلاً، ولم نعد نحتاج إلى توزيع مناشير ولا تكاليف إعلانات أو طلب تمويل، فالدعوة تصل بثوان لكل المهتمين الذين يستطيعون عبر مواقع التواصل أيضاً تأكيد حضورهم، وقد وصلت أعداد الحضور في بعض الحفلات إلى أكثر من 300 شخص عرفوا عن الحفلة عبر «فايسبوك» فقط». من «ساوندكلاود» إلى العالمية يتحدث سامر صائم الدهر، صاحب مشروع «هيلو سايكليبو» الذي يجمع الموسيقى الالكترونية بالطرب والموسيقى الشعبية، عن تجربته فيقول: «قبل 4 سنوات نشرت أول ألبوم لي تحت عنوان «هيلو سايكلبو» على موقع «ساوندكلاود»، وكان انتشاره خفيفاً في البداية. في الألبوم الثاني، ركزت أكثر على مواقع التواصل الاجتماعي، فأنشأت صفحة على «فايسبوك» هي في الأغلب من أجل تنظيم الحفلات والعروض والتواصل مع الصحافة، ثم أنشأت حساب «تويتر» وحساب «انستغرام» أستخدمه لنشر المواد البصرية المتصلة بمشروعي الموسيقي». ويشدد سامر على أن أكثر تركيزه هو على موقع «ساوندكلاود» لأن أغلب الموسيقى المستقلة خاصة في المنطقة العربية موجودة على هذا الموقع. ويضيف: «أنا شخصياً أبحث فيه عن موسيقى جديدة أسمعها، فهو يتيح التقاط المواهب الجديدة وغير المعروفة، وقد تعرفت من خلاله على موسيقيين كثر». ويقول «سايكليبو»: «مشروعي يأخذ الآن إقبالاً عالمياً رغم أنه ليست لدي أية مواد ملموسة أبيعها أو أنشرها، كل المواد التي لدي حالياً موجودة على الانترنت وأغلب اعتمادي في الانتشار هو على مواقع التواصل الاجتماعي». ولا تقتصر فائدة مواقع التواصل الاجتماعي في الإنتاج الموسيقي المستقل على الانتشار، فقد أكدت تجربة فرقة «47 سول» التي تتألف من 4 موسيقيين من الأردن وفلسطين، بعد أن تمكنت من جمع 30 ألف دولار لتسجيل ألبومها الأول في لندن، أنه بإمكان الفنانين المستقلين جمع التمويل لمشاريعهم عبر الانترنت، دون البحث عن شركة إنتاج تمول مشروعهم وتحوله من مشروع فني إلى مشروع تجاري.
مشاركة :