عادة ما كانت أعمال البيئة الشامية محط أنظار الأكثرية من الجمهور العربي، وحقّق بعضها جماهيرية ساحقة بأبطاله الذين تحوّلوا إلى شخصيات شعبية. على أن هذه الأعمال رفضتها شرائح من الوسط الفني تارة ومن الجمهور العام تارة أخرى. كونها لم تتعامل مع موضوع الحريات والمرأة بالشكل الأنسب. ولكن الواضح أن هذه الأعمال ما زالت مرغوبة إنتاجيا وجماهيريا وما زالت عجلة الإنتاج تدور لتقديم أعمال جديدة غزيرة كما في الموسم القادم. دمشق - بعد موسم درامي لم يحقّق نجاحا يُذكر للدراما السورية في موسم 2020، انطلقت بقوة عجلة إنتاج الدراما السورية في موسمها للعام 2021، حيث دارت مبكرا كاميرا التصوير في العديد من المسلسلات التي كان جزء منها قد تعطل تنفيذه في الموسم الماضي، وبعضها يصوّر من خلال كونه جزءا متمما لأجزاء قبله، أما البقية فهي لأعمال جديدة تصوّر خصيصا للموسم الجديد، وحسب نشاط شركات الإنتاج وما صرّحت به، فإن هذا الموسم سيحقّق على مستوى الحجم الكمي ما يفوق إنتاجات الموسم الماضي التي لم تتجاوز في مجملها العشرة أعمال. الملفت أن حصيلة هذا العام من أعمال البيئة الشامية ستكون بشكل مبدئي في حدود العشرة، وهو رقم لم يسبق أن حقّقته الدراما السورية عبر تاريخها الإنتاجي، أي منذ بدايات تسعينات القرن العشرين، حين تمّ تنفيذ المسلسل الشهير “أيام شامية” في العام 1992 الذي يعتبر جذر نشوء أعمال البيئة الشامية. حكايات مكرّرة رغم الكثير من الاعتراضات على بعض تفاصيل أعمال البيئة الشامية ووجود شريحة فنية واجتماعية رافضة لها، لكن الجمهور العربي ما زال يحب متابعة هذا الشكل الفني، ممّا دفع الفضائيات العربية إلى تأكيد حضور هذه الدراما على شاشاتها، وبالتالي تم توجيه المنتجين إلى العمل عليها وهي التي ما زالت رغم كل ما يثار حولها تحقّق أرباحا مالية محترمة للشركات المنتجة لها. أول هذه الأعمال هو “باب الحارة” في جزئه الحادي عشر، وهو أطول مسلسل درامي عربي على الإطلاق، حيث تجاوزت حلقاته السابقة الـ300، وشارك فيه طيف واسع من فناني سوريا وعبر عدة أجيال، كما تعاقب على الكتابة والإخراج فيه العديد من الأسماء. الجزء الحادي عشر سيكون من تأليف مروان قاووق وإخراج محمد زهير رجب الذي أنجز الجزء العاشر منه. والمسلسل يتابع رصد حياة بعض أحياء دمشق في بداية القرن العشرين على الصورة التي اشتهر بتقديمها، وفيه تتصاعد الأحداث الوطنية التي تنتهي باستقلال سوريا عن الاحتلال الفرنسي. وكالعادة يقدّم العمل مشاركة ثرية من الفنانين السوريين منهم: سلمى المصري وقاسم ملحو ونظلي الرواس وجلال شموط وأمية ملص وتيسير إدريس وريام كفارنة وزهير رمضان وغيرهم. كذلك يطل عمل “سوق الحرير” بجزئه الثاني، تأليف حنان المهرجي وإخراج بسام ومؤيد الملا، وهو استفاد من الانتقادات التي وجهت لدراما البيئة الشامية ووضع خارطة أحداث مختلفة تحاكي فترة أواسط القرن العشرين والانفتاح الفني والثقافي الذي كانت تشهده سوريا عامة ودمشق خاصة في تلك الفترة والحراك الاجتماعي والثقافي الموجود فيها. وهو من بطولة بسام كوسا وسلوم حداد وكاريس بشار وندين تحسين بيك. كذلك مخطّط أن ينتج مسلسل “بروكار” الجزء الثاني، تأليف سمير هزيم وإخراج محمد زهير رجب، وهو الذي قدّم في الموسم الماضي محاولة خرجت عن النمطي في هذه الدراما بحيث ذهب لتسليط الضوء على دور المرأة في الحراك الوطني وطبيعة الحياة الاجتماعية وتطوّرها. وقد حقّق المسلسل حضورا جيدا بعد عرضه وقدّم نمطا جديدا في أعمال البيئة الشامية. وهو من بطولة سلمى المصري وعبدالهادي الصباغ وقاسم ملحو وسعد مينة ونادين خوري وعلاء قاسم. أعمال جديدة في عودة قوية لشركة “عاج” التي أنتجت سابقا العديد من الأعمال الدرامية السورية الهامة، تقدّم في هذا الموسم عملا مؤلفا من ستين حلقة يحمل عنوان “حارة القبة” وهو من تأليف أسامة كوكش وإخراج رشا شربتجي. وسيعرض العمل مجموعة من القصص والروايات التي كانت تحدث في دمشق في الفترة التي كان مسرحها أحداث الشام زمن معركة السفربرلك والمنعكسات الاجتماعية والسياسية التي عاشها الناس حينها. ويشارك في العمل حشد فني سوري كبير وهام منهم: منى واصف ونادين خوري وعباس النوري وسلوم حداد وسلافة معمار ونجاح سفكوني وسيف الدين سبيعي. أما مسلسل “الكندوش”، وهو أول عمل يكتبه الفنان الشهير حسام تحسين بيك ويخرجه سمير حسين في أول تجاربه في البيئة الشامية بعد ظهوره الناجح العديد من المرات في الجانب الاجتماعي، فهو عمل طويل على ستين حلقة، وهو كما يقول مؤلفه حسام تحسين بيك “مختلف تماما عن كل ما سبق تقديمه في البيئة الشامية وسيعكس الصورة الحقيقية لأهل الشام في حقبة الاحتلال العثماني”. وسيقدّم البطولة فيه كل من أيمن زيدان وعبدالهادي الصباغ وأيمن رضا. وبدوره سيكون مسلسل “عرس الحارة”، تأليف مروان قاووق وإخراج كنان إسكندراني، في ستين حلقة تدور أحداثه في إطار من الحكايات الاعتيادية التي تقدّم في أعمال البيئة الشامية مع ربط ذلك مع البيئة اللبنانية، حيث ستحضر بعض ملامح الحياة اللبنانية فيه. وسوف يصوّر بين سوريا ولبنان ويعمل فيه فنانون من البلدين. ويشارك فيه كل من صباح الجزائري وعلي كريم وخالد القيش وصفاء سلطان وجرجس جبارة وجمال العلي ويزن السيد، وفنانون من لبنان. أما المسلسل الجديد الذي يحمل عنوان “جوقة عزيزة”، فكان أحد الأعمال التي كان من المفترض تصويرها في الموسم الماضي، وهو من تأليف خلدون قتلان وإخراج تامر إسحق. وهو يستعرض أجواء دمشقية في نسيج روائي اعتيادي، تتصارع فيه قوى الخير والشر. ويشارك في التمثيل فيه العديد من الفنانين السوريين. وكان يفترض أن يكون بطل هذا العمل قصي خولي، حيث يعود به إلى الدراما السورية بعد سنوات من العمل في الدراما العربية بين مصر ولبنان. كما تحدثّت الجهة المنتجة على أن كلا من الفنان باسم ياخور وكاريس بشار سيكونان ضمن ممثليه. والمسلسل ما زال قيد التحضير ولم تستقر قائمة المشاركين فيه ولا موعد تصويره بعد. مسلسل “ولاد سلطان”، تجربة جديدة تدخل مضمار أعمال البيئة الشامية وهو من تأليف سعيد الحناوي وإخراج غزوان قهوجي في ثاني أعماله كمخرج في البيئة الشامية بعد مسلسل “شوارع الشام العتيقة”. وهو يقدّم مجموعة من الحكايات الشعبية التي تدور أحداثها في أحياء دمشق بشكل اعتيادي نمطي. ويشارك فيه كل من سليم صبري وحسام تحسين بيك وعبدالمنعم عمايري وهدى شعراوي ومحمد خاوندي. ويبقى في خطط إنتاج الموسم الحالي عملان ما زالا في مرحلة التحضير النهائي، وهما “العربجي”، وهو من تأليف عثمان جحى وإخراج علي محي الدين علي، وقد تردّد سابقا أنه سيكون من بطولة سلوم حداد وكاريس بشار، لكن تم تأجيله حينها على أن يعود للتنفيذ في هذا الموسم. وكذلك “الحرملك” في جزئه الثالث، وهو من تأليف سليمان عبدالعزيز وإخراج تامر إسحق، وهو عمل يتحدّث عن دمشق في بداية الاحتلال العثماني والأجواء السياسية والاجتماعية التي كانت موجودة في الفترة التي شهدت زوال دولة المماليك وسيطرة الاحتلال العثماني على المنطقة. ويشارك في العمل الذي من المفترض أن يصوّر مع بداية العام القادم في إمارة أبوظبي العديد من الممثلين من سوريا ومصر ولبنان، منهم: سلافة معمار وعبدالهادي الصباغ وخالد الصاوي وحسن عويتي وباسم ياخور وسامر المصري، ويغيب عن العمل في جزئه الثالث جمال سليمان. وبذلك يكون الموسم الحالي للدراما السورية قد خطّط لإنتاج عشرة أعمال في البيئة الشامية، ومن شبه المؤكّد أن العدد سيزيد في قادم الأيام، ذلك أن عددا من النصوص قيد التحضير وكذلك خطط الإنتاج. وهو ما يعني أن الموسم الدرامي السوري القادم سيعرف طفرة كمية قد تشمل كل الأنماط الفنية. ليبقى السؤال الأهم، هل سيشهد هذا الكم الهائل من الأعمال المرتقبة تطوّرا في المحتوى والجوهر، بحيث يجد المواطن السوري نفسه في مسلسلات يفترض أنها تحكي عنه فيتفاعل معها بالشكل المطلوب؟
مشاركة :