الناخب الأمريكي بين دونالد ترامب وجو بايدن

  • 10/6/2020
  • 01:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كيف سيكون موقف الناخبين الأمريكيين من الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب؟ تلك هي المسألة الأهم التي ستتمحور حولها الانتخابات المزمع إجراؤها في الولايات المتحدة الأمريكية في شهر نوفمبر القادم. أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة بيو لسبر الآراء أن 51% من الناخبين المؤيدين لدونالد ترامب يقولون إن شخصية ترامب وقيمه وقيادته تمثل أهم العوامل التي تدفعهم إلى التصويت لصالحه. بالمقابل يعتبر 56% من ناخبي المرشح الديمقراطي أن «التصويت ضد دونالد ترامب» أهم عامل يدفعهم إلى تأييد جو بايدن. إذا ستدور رحى الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة حول دونالد ترامب أساسا. لقد رأينا الكثير من الرئيس دونالد ترامب وعرفنا عنه الكثير أيضا خلال الأعوام الأربعة الماضية. بعد كل ذلك يمكن للمرء أن يتساءل: «ما الذي يجعل دونالد ترامب يظل يحظى بكل هذا الزخم الانتخابي المؤيد له؟».سأقتطف لكم فقرتين مما قالت صحيفة نيويورك تايمز، وهو ما قد يساعدنا على فهم هذه الظاهرة. تتعلق الفقرة الأولى بالرئيس دونالد ترامب نفسه فيما تخص الفقرة الثانية المقتطفة من الصحيفة المذكورة بالناخبين المؤيدين له وقد يساعدنا ذلك على فهم الدينامية التي تحرك هذه الانتخابات.اقتطفت الصحيفة الفقرة الأولى من كتاب ترامب بعنوان «فن الصفقة» وقد كتب هو يقول: «أنا أتلاعب بأحلام الناس وتخيلاتهم. إن الناس يحبون أن يعتقدوا أن شيئا ما هو الأكبر وهو الأعظم وهو الأروع. أسمي هذا الأمر الحقيقة المبالغ فيها. إنه نوع من المبالغة البريئة، لكنه يمثل أسلوبا قويا وفعالا في الدعاية».أما الفقرة الثانية فقد اقتطفت مما قاله احد مؤيدي دونالد ترامب بعد حضوره أحد التجمعات الانتخابية. فبعد أن حضر هذا التجمع هذا الناخب قال إنه لم يفهم ما كان يقوله الرئيس دونالد ترامب لأن أنظمة الصوت لم تكن جيدة ومضى يقول: «يمكننا أن نرى ما يراه دونالد ترامب ونشعر بما يشعر به ونلمس الضحكات والفرحة والإثارة. أنا أفترض أنه يجب علي أن أصفق رغم أنني لم أسمع ما قاله مرتين اثنتين. لم أكن أدري لماذا أصفق لكنني صفقت له». قد يجدر لنا أن نقولها ثانية، وخاصة في هذا العصر من تاريخ الإعلام، أن الانتخابات لا تحسمها في أغلب الأحيان المسائل السياسية أو المقترحات القوية بقدر ما تحسمها أحاسيس الناخبين وانطباعاتهم. رغم أن قضايا مثل الرعاية الصحية والتغير المناخي، والاجهاض تكتسي أهمية كبيرة، غير أنه لن يكون لها أي دور حاسم في قرار الكثير من الناخبين في شهر نوفمبر القادم. لقد نشر الديمقراطيون، وللمرة الأولى، برنامجا انتخابيا مفصلا حول الطريقة التي ستعالج بها إدارة جو بايدن، في حال فوزه، أمهات القضايا التي تواجه الأمة الأمريكية. أما الجمهوريون فقد قرروا ألا ينشروا أي برنامج انتخابي واكتفوا بالتالي بالقول: «سيخوض الرئيس غمار هذه الانتخابات بناء على سجله وما حققه من الوعود التي قطعها على نفسه». في الحقيقة، لم يف الرئيس ترامب بأي من الوعود التي قطعها على نفسه خلال الحملة الانتخابية التي قام بها في سنة 2016 والتي قادته في نهاية المطاف إلى البيت الأبيض. ففي تلك الفترة وعد دونالد ترامب ببناء «جدار عظيم وكبير وجميل» مضيفا أن المكسيك هي التي ستتحمل تكلفة بنائه. خلال الأعوام الأربعة الماضية لم يتسن بناء سوى بضعة مئات من الأميال بالأموال التي حصل عليها الرئيس ترامب من ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية –البنتاجون. لقد وعد دونالد ترامب أيضا بإنهاء العمل ببرنامج أوباما للرعاية الصحية وتعويضه ما سماه «أعظم نظام للرعاية الصحية في العالم». لم يتحقق أي شيء مما وعد به في حملته الانتخابية كما أن سعي إدارته لإضعاف أحكام وإجراءات المنصوص عليها في برنامج «أوباما كير» قد حرم قرابة عشرة ملايين مواطن أمريكي من الحصول على الرعاية الصحية اللازمة في الوقت الحالي. لقد وعد ترامب بالعمل على «تجفيف مستنقع» اللوبيات المتنفذة في الإدارة الأمريكية غير أنه بالمقابل قد ملأ إدارته والمناصب الإدارية الحساسة بالمزيد من رموز لوبيات المصالح أكثر من أي إدارة أمريكية سابقة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية كما وعد بإعادة فرص العمل المفقودة في قطاعي المناجم والصناعات التحويلية إلى الولايات المتحدة الأمريكية غير أننا خسرنا قرابة ربع مليون من فرص العمل والوظائف في قطاع الصناعات التحويلية وسبعة آلاف أخرى في القطاع المنجمي. اعتمد الرئيس ترامب خفضا كبيرا في الضرائب بما يصب في مصلحة الأثرياء في الولايات المتحدة الأمريكية وعين القضاة المحافظين وقوض الكثير من الصناعات والإجراءات التي تحمي البيئة. ما عدا ذلك، لم يفعل ترامب أي شيء يذكر مما وعد به. إن هذه التفاصيل التي أتينا على ذكرها لا تفسر الدعم القوي الذي لا يزال يتمتع به الرئيس ترامب، وخاصة بين الناخبين البيض من أبناء الطبقة العاملة. لماذا يظل ترامب يحظى بكل هذا الدعم القوي؟ يعود السبب إلى ما ورد في الفقرتين المذكورتين آنفا في بداية هذا المقال. فدونالد ترامب هو التاجر المتمرس والذي يتلاعب بالأمور التي يريد أن يسلم بها الناس. فقد برع في فن بيع الشقق السكنية والعضويات الخاصة في النوادي، إضافة إلى فن تسويق نفسه. في المؤتمر الانتخابي العام الذي عقده الحزب الجمهوري في سنة 2016 قال ترامب آنذاك للناخبين إن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه مشاكل كبيرة وانه هو الوحيد الذي يستطيع التصدي لها ومعالجتها. عندما وجد الكثير من الناخبين أنفسهم في خضم التغييرات الاجتماعية وانعدام الأمن المالي والشعور بالاغتراب والتجاهل من النظام السياسي واعتقادهم بأن هذه المنظومة السياسية تهمشهم وتولي غيرهم كل الاهتمام. لذلك فقد اعتقد هؤلاء الناخبين أن دونالد ترامب هو بطلهم، والذي سيعيد بناء عظمة بلادهم. بعد مرور أربعة أعوام ورغم أن أحوال هؤلاء لم تصبح أفضل مما كانت عليه، فإنهم لا يريدون أن يعترفوا أنهم قد يكونون أخطأوا كما أنهم يظلون مقتنعين بذلك لأن البديل سيكون أكثر تأثيرا وإيلاما لهم. قال ابراهم لنكولن ذات مرة قولته الشهيرة: «يمكنك أن تخدع بعض الناس كل الوقت كما يمكنك أن تخدع كل الناس بعض الوقت لكن لا يمكنك أن تخدع كل الناس كل الوقت». يبدو أن رئيسنا قد برع في الجزء الأول من هذا القول المأثور. على غرار المتفرجين في رواية «ملابس الإمبراطور الجديدة»، فإن بعض الناخبين يدركون جيدا أنهم قد خدعوا، لكن يصعب عليهم أن يعترفوا بذلك وهو ما يجعلهم يواصلون التشبث بالوهم. نشرت صحيفة نيويورك تايمز في الأسبوع الماضي تقريرا كاملا يمتد عبر عقود كاملة ظل خلالها دونالد ترامب يمتنع عن دفع الضرائب. لقد أظهر هذا التقرير أن شركاته ظلت تنزف المال على مدى أعوام وتخسر أكثر مما تربح. تكبد دونالد ترامب تلك الخسائر الضخمة وهو ما جعله لا يدفع أي ضرائب على مدى عشرة أعوام، كما أظهرت السجلات أنه دفع خلال الفترة القليلة الماضية مبلغا لا يتجاوز 750 دولارا أمريكيا. لقد رد ترامب الفعل واعتبر الأمر من قبيل «الأخبار الزائفة»، معتقدا أن أنصاره سيختارون تصديقه على حساب إحدى الوسائل الاعلامية، على غرار ما فعل من قبل. فقد قال في المناظرات التلفزيونية التي شارك فيها سنة 2016 قال ترامب: «يمكنني الوقوف في وسط الشارع الخامس، وأطلق النار على أحدهم ثم لا أخسر أيا من الناخبين المؤيدين لي».لسنا ندري ما إذا أغلبية من الناخبين البيض ستظل تثق بالرئيس دونالد ترامب أو ما إذا كان منافسه الديمقراطي سينجح في كسب تأييدهم يوم التصويت. يتعين على جو بايدن ألا يكتفي بتوجيه انتقاداته إلى إدارة دونالد ترامب. يجب عليه أن يجعل الناخبين يثقون في قدرته على فهم تطلعاتهم والتجاوب معها. ‭{‬ رئيس المعهد العربي الأمريكي

مشاركة :