تطمح الدراما إلى الانتشار وتحقيق الربح لكن ليس على حساب القيمة الفنية والرسالة الثقافية. وفي هذا المجال يبرز دور الكتّاب في تحقيق معادلة العمل الناجح، لكنهم مهمّشون في تونس التي تعاني أعمالها الدرامية من تراجع المحتوى رغم تطور التقنيات. “العرب” كان لها هذا الحوار مع السيناريست التونسي عمادالدين الحكيم حول أهمية كتّاب السيناريو اليوم. قد ينزع البعض عن كتابة الدراما والسيناريو صفة الأدب، ويحددونها في خانة التقنية، لكن عمادالدين الحكيم يعتقد بأن كاتب الدراما أو السيناريست يجمع بين صفة الأديب الملم بقواعد الكتابة الأدبية والتقني المطلع على تقنيات التصوير السينمائي والتلفزيوني. وفي رأيه يتيح المزج بين الأساليب الأدبية والإمكانيات التقنية لكاتب السيناريو صياغة معالجة درامية قابلة للعرض على الشاشة، على أن الفروقات لا تعد شاسعة بين كتابة السيناريو وكتابة الرواية فكلاهما يعتمد بشكل كبير على تكوين شخصيات قادرة على شد القارئ أو المتفرج وصياغة أحداث تدفع بالمتتبع إلى الانخراط في متابعة العمل الفني سواء أكان رواية أم مسلسلا أم فيلما. أهمية المؤلف نسأل عمادالدين الحكيم عن شروط كتابة عمل درامي ناجح، فيشدد على أنه من الضروري أن يمتلك الكاتب أولا الموهبة التي تعتبر الركيزة الأساسية، في اعتقاده، ومن ثم يأتي التكوين الأكاديمي. لكنه يلفت إلى أن الكتاب العصاميين كثر، وهو واحد من هؤلاء، بينما يجب أن يحرص المؤلف دوما على تطوير كتابته وذلك بالمطالعة المستمرة في شتى المجالات وبمتابعة وافية وضافية للأعمال السينمائية والتلفزيونية من مختلف بلدان العالم، مما يتيح للكاتب الاطلاع على ثقافات أخرى ومعالجات درامية مختلفة. نجح الحكيم في مسلسله “المايسترو” الذي شد الجمهور بمعالجاته المبتكرة، والآن انتهت اللمسات الأخيرة من عمله الجديد حول الهجرة غير الشرعية، وحول سر صناعة مسلسل ناجح، يقول الحكيم “من أجل إنجاز مسلسل ناجح من الضروري توفر ثلاثة عناصر أساسية وهي: أولا، النص الجيد، الذي يعتبر الركيزة الأساسية. ثانيا، المخرج المتمكّن والقادر على تنفيذ العمل وهو المخرج الملمّ بشتى التقنيات، والذي يحمل تصورا فنيا ورؤية تتماشى مع النص الذي ينوي إخراجه. ثالثا، المنتج الذي يوفر كل المستلزمات لنجاح العمل وتنفيذه في أحسن الظروف. لذلك فإن فقدان عنصر من هذه العناصر لن يدفع حتما نحو النتيجة المرجوة”. نسأله عن دور شركات الإنتاج في تونس وهل ساهمت في تطور الدراما، فيجيبنا “في تونس أغلب الشركات هي منفذة للإنتاج لأن القنوات التلفزيونية هي المنتج للعمل، على أن البعض خاض هذه التجربة ولم ينجح في استرجاع تكلفة العمل، إما لأن القناة التلفزيوتية لم توفِ بالتزاماتها وقد حصل هذا في مناسبات عدة مع قنوات خاصة، وإما لأن مداخيل الإشهار لم تكن كافية لتغطية تكلفة الإنتاج، لذلك فمحاولة إنتاج عمل بمقاييس فنية عالية سيدفع ببعض شركات الإنتاج إلى تحمل الخسارة كما حصل مع شركة ديجيبرو التي أنتجت ‘المايسترو‘ و‘حرقة‘ حيث اضطر المنتج إلى إضافة أموال من ماله الخاص حتى يحافظ على جودة العملين”. نشهد مع منصات مثل نتفليكس أعمالا درامية ناجحة بكتابة جماعية. نتطرق مع الحكيم إلى رأيه في الكتابة الجماعية، فيلفت إلى أنه توجد أعمال ناجحة بكتابة جماعية وكتابة فردية. ويضيف “شخصيا لا أحبذ كثيرا الكتابة الجماعية لأنها تفقد العمل روحه الفنية ليتحول لمنتج تجاري بحت كما أن الكتابة الجماعية تعتمد غالبا على رؤية موحدة يضعها صانع العمل أو المؤلف المشرف على ورشة الكتابة، كما أننا لو تمعنا جيدا سنجد أن أغلب الكتابات الجماعية اعتمدت بالأساس على اقتباس روايات ناجحة خلافا لتجارب الكتابة الجماعية في مصر التي قامت بتعريب، إن صحت العبارة، أعمالا أجنبية على غرار مسلسلات مثل جراند أوتيل، قابيل، زي الشمس.. وغيرها من الأعمال، التي وإن نجحت فهي نقل حرفي لأعمال أجنبية لا مجال فيها للإبداع الفني”. تطورت الدراما التونسية من حيث التقنية، لكن المحتوى ما زال هزيلا، يتحدث الحكيم لـ”العرب” عن سبيل تدارك ذلك، فيقول “فعلا لقد شهدت الدراما التونسية تطورا على المستوى التقني نظرا إلى أن عددا من المخرجين السينمائيين دخلوا مجال إخراج المسلسلات الدرامية على غرار الأسعد الوسلاتي، عبدالحميد بوشناق، مجدي السميري، مراد بالشيخ… في حين حافظ المحتوى والمقصود به النص على نفس المستوى”. ويتابع “هذا يعود حسب تقديري إلى عدة أسباب لعل من أهمها عدم حرص بعض المؤلفين على تطوير كتاباتهم التي لم تراوح مكانها، كما أن بعض نصوص المسلسلات تعود إلى فترة زمنية قديمة ويحاول أصحابها إنجازها في الوقت الراهن، زد على ذلك فهي كلاسيكية تعتمد بشكل كبير على الحوار في مقابل إهمال الصورة، بالإضافة إلى مواضيع مستهلكة وشخصيات نمطية تعوّد عليها المشاهد، كما أن بعض القنوات تعجز عن اختيار النصوص المتميزة لعدم وجود مختصين في قراءة السيناريوهات بالإضافة إلى بحث القنوات الخاصة عن الأعمال الأقل تكلفة والتي هي في أغلبها أعمال ضحلة، لذلك صار من الضروري فسح المجال للمؤلفين الشبان والذين يمتلكون طاقات رهيبة وجب استغلالها”. يرى الكثيرون أن سينما المؤلف أضرت بالفن السابع في تونس، وهو ما يؤكده الحكيم معتبرا أن “سينما المؤلف في تونس كانت سببا في احتكار هذا القطاع من قبل سينمائيين بدوا عاجزين الآن عن تقديم أي إضافة، لكن ومع هذا تصر وزارة الثقافة على دعم هؤلاء في مقابل تهميش مخرجين شبان نجحوا لاحقا في نيل جوائز عالمية، كما أن العديد من المخرجين يصرون على كتابة النصوص لأعمالهم، على الرغم من افتقارهم لهذه الموهبة، فيما يعمد البعض الآخر إلى إشراك كتاب سيناريو يتم تهميشهم لاحقا، لذلك صار من الضروري أن يأخذ كتاب السيناريو المكانة التي يستحقونها في المجال السينمائي”. ويؤكد الحكيم على دور الكاتب الكبير في تطوير السينما والدراما التلفزيونية، ولكن لتحقيق ذلك يجب على الكاتب أن يكون مواكبا للتطور الذي شهده هذا الميدان من جميع الجوانب وأن يحاول أن يكون ملمّا بالتفاصيل التقنية التي تعتمدها الصورة، فالدراما التلفزيونية اليوم تشهد تطورا كبيرا وصارت منافسة للأعمال السينمائية وازداد الإقبال على هذه الأعمال بظهور المنصات الرقمية. كثيرا ما تلصق بالدراما التونسية حجة أنها تعاني من حاجز اللهجة، الذي يمنعها من الانتشار عربيا، ويعلق الكاتب بأن الدراما التونسية تعاني من معضلتين تحولان دون انتشارها عربيا؛ المعضلة الأولى هي اللهجة فلا يمكن أن نقنع المشاهد العربي اليوم ببذل مجهود لفهم لهجتنا في ظل هذا التنافس الشديد بين الدراما المصرية، السورية، التركية، والخليجية. ويضيف “لذلك قمنا بأول تجربة لدبلجة مسلسل تونسي باللهجة الشامية وهو مسلسل ‘المايسترو‘، الذي سيعرض قريبا في عدد من القنوات العربية كما سنواصل في هذا التمشي مع مسلسل ‘حرقة‘، والذي ستتم دبلجته باللهجة الشامية، والمعضلة الثانية التي تواجه الدراما التلفزيونية التونسية هي الإغراق في المحلية، حيث لا يتمكن المشاهد العربي الذي لا يعرف الكثير عن ثقافتنا من متابعة العمل، لذلك وجب التدرج في تمرير الخصوصية التي تميز مجتمعنا من خلال الأعمال الدرامية حتى نكوّن لأنفسنا قاعدة جماهيرية”. الدراما التونسية محتجزة تقريبا في حدود شهر رمضان، فحول السبل لتحريرها من المناسبتية وجعلها فنا مستمرا، يقول عمادالدين الحكيم “لا أعتقد بأن القنوات الفضائية الخاصة ستراهن على الدراما التلفزيونية خارج رمضان، لأن همها هو الربح المادي لا غير، الشيء الذي تجده متاحا من خلال إنتاج برامج تلفزيونية، وإن كانت هابطة، لكنها كفيلة بجلب المستشهرين على عكس الدراما التي تتطلب إمكانيات أكبر”. ووفق ما سبق يشدد الحكيم على أنه صار من الضروري أن تضطلع القناة الوطنية بهذا الدور باعتبارها المرفق العمومي ومن دورها المحافظة على المنتوج الثقافي للبلاد خاصة في ظل غزو الأعمال التركية، حيث تحرص القنوات الخاصة على عرض هذه الأعمال والتي من بين أهدافها ضرب الهوية التونسية، لذلك صار لزاما أن تتكاتف الجهود حتى تسترجع الدراما التونسية مكانتها في البرمجة على امتداد السنة.
مشاركة :