وفّرت مساعي «ربع الساعة الأخير» مخرجاً تجاوزتْ معه حكومة الرئيس تمام سلام «قطوعاً» كان من شأنه نقْل لبنان الى مرحلة أكثر تعقيداً في مساره السياسي المأزوم، وتَمثّل في مشروع تسوية يرتبط بملف التعيينات الأمنيّة ويؤمّن منْفذاً لزعيم «التيار الوطني الحر» ميشال عون للانسحاب من الزاوية التي حشر نفسه فيها بفائض الاعتراض الذي أبداه على التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، وذلك بهدف تعيين صهره العميد شامل روكز على رأس المؤسسة العسكرية. وأسقطت وقائع جلسة مجلس الوزراء أمس، كل المخاوف التي سبقتها من مرحلة ساخنة سيدخلها الواقع السياسي اللبناني من بوابة التمديد لرئيس أركان الجيش اللواء وليد سلمان الذي تنتهي خدمته غداً، في ضوء ما كان لوّح به عون من ردّ موجع على مثل هذه الخطوة التي تُعتبر إشارة مرور الى تمديد مماثل لقائد الجيش الذي تنتهي خدمته في سبتمبر المقبل، وتالياً انتهاء حظوظ روكز بخلافته. فالجلسة التي كان يفترض ان تبحث في شكل أساسي مسألتيْ التعيينات ومقاربة آلية عمل الحكومة، غرقت في ملف النفايات والحلول الممكنة له، وذلك على مدى نحو ساعتين ونصف الساعة، من دون الخروج بأي مقترحات عملية ومع التعويل على ما أسماه سلام «حلولاً مرحلية ستتبلور في غضون يومين أو ثلاثة وستُعرض على اللجنة الوزارية بحيث تنتهي معها المشاكل الآنية المتأتية من هذا الملف»، ما يوحي بطغيان الاتجاه الى تصدير نفايات بيروت الى الخارج بالتوازي مع وضع الحل الجذري المتمثّل بإقامة محارق على سكة التطبيق. وبعدما تطرق سلام الى الوضع المالي الضاغط، مذكّراً بما عرضه في الجلسة السابقة لجهة الطابع الملحّ الذي يرتديه موضوع إصدار سندات خزينة وموضوع الرواتب، ووجوب عدم خسارة هبات وقروض بقيمة 743 مليون دولار باتت مهدَّدة بسبب عدم اتخاذ المراسيم والقرارات الخاصة بها، انتقل مجلس الوزراء الى الملف - اللغم المتمثل بالتعيينات العسكرية، حيث اشارت معلومات الى ان وزير الدفاع سمير مقبل عرض بت هذه القضية مرة واحدة، طارحاً 10 أسماء لكل من مناصب قائد الجيش ورئيس الاركان والامين العام لمجلس الدفاع الاعلى. وقابل صهر عون وزير الخارجية جبران باسيل خطوة مقبل باعتراض على طريقة عرض الملف، معتبراً وكأن المقصود بها عدم الوصول الى التعيين وتبرير التمديد لرئيس الاركان. وتَرافق رفْض باسيل مقاربة وزير الدفاع لملف التعيينات مع كلامه ووزيريْ «حزب الله» عن مساع تُبذل لتسوية تشمل التعيينات وعمل البرلمان والحكومة، طالبين إعطاء هذه المساعي الوقت الكافي لتنضج. وعلمت «الراي» ان المحور الرئيس لهذه التسوية التي يبدو «التيار الحر» موافقاً عليها «يقوم على رفْع سنّ التقاعد للعسكريين بما يُبقي القديم على قِدمه، اي يبقى قهوجي في منصبه ويحافظ عون على حظوظ صهره روكز بتولي قيادة الجيش بعد انتخاب رئيس للجمهورية، وهي التسوية التي تستدعي الإفراج عن العمل التشريعي للبرلمان وفتح دورة استثنائية، يكون رفع سن التقاعد على جدول أعمالها الى جانب بنود تندرج ضمن إطار تشريع الضرورة الذي كان غالبية الأفرقاء المسيحيين اشترطوا اعتماده في ظل الفراغ الرئاسي. وبُعيْد انفضاض جلسة مجلس الوزراء، بدا ترقّب ما ستحمله الساعات المقبلة وسط سيناريويْن تم تداولهما: * الاول ان يكتفي وزير الدفاع، الذي يتوجه مع رئيس الحكومة والرئيس نبيه بري الى مصر للمشاركة في احتفال توسيع قناة السويس اليوم، بإصدار قرار بالتمديد لرئيس الاركان في الجيش الذي تنتهي خدمته منتصف ليل الخميس - الجمعة، وتعليق اي قرار في خصوص قيادة الجيش والمجلس الأعلى للدفاع إفساحاً للمجال امام التسوية التي يجري العمل عليها. * والثاني، ان يبادر مقبل الى بتّ التمديد بهذه المواقع الثلاثة في سلّة واحدة، في إطار فرض أمر واقع على عون، يجعله مضطراً إلى تلقّف مخرج رفْع سن التقاعد، الذي يملي في الوقت نفسه إطلاق عجلة التشريع في البرلمان، من دون ان يتّضح اذا كان من شأن اعتماد هذا السيناريو ان يلحق الضرر بالمحاولات الجارية للتفاهم حول رفع سنّ التقاعد. وفي أي حال، قرأت اوساط سياسية مطلعة في بيروت مسار الاحداث في بيروت في الساعات الماضية على انه»هزيمة بالنقاط يتجرّعها عون الذي يسلك منحى تراجعياً سواء في ملف التعيينات او في خصوص تلويحه بالشارع رداً على اي تمديد، وصولاً الى تدارُكه «الاضطراري لما سبّبه كلامه عن عدم شرعية البرلمان من ردّ فعل قاس قام به رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي ذهب الى حدّ إعلان انه لن يصوّت لعون رئيساً ما لم يتراجع عن هذا الموقف، وهو ما قام به زعيم (التيار الحر) من خلال التوضيح بأن البرلمان (قانوني ولكنه غير شرعي)». وبحسب هذه الاوساط، فإن «عون وإنْ كان سيسجّل اعتراضاً صوتياً على التمديد، إلا انه سيسلّم بلا أفق معركته لقطع الطريق على التمديد لقهوجي، وتالياً لإسقاط ورقته كمرشّح تسوية رئاسي، بعدما قرأ جيداً في اندفاعة بري ضدّه، عدم ممانعة من (حزب الله) الذي ما زال يعتبر الحكومة خطاً أحمر، ولا سيما في ظل الحِراك الاقليمي الذي أعقب توقيع الاتفاق النووي بين ايران والمجتمع الدولي». وحضر مجمل المناخ السياسي في الاجتماع الشهري للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي والذي خلص الى «إبداء القلق الشديد من استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية والذي بلغ مرحلة تنذر بسقوط الجمهورية، كما تشير أزمة الحكم والتشنج السياسي»، داعياً «الكتل السياسية والنيابية لتقديم مرشحيهم النهائيين لرئاسة الجمهورية، والحضور إلى المجلس النيابي، وإجراء العملية الانتخابية بالطريقة الديموقراطية والدستورية»، ومثنياً على «المساعي التي يقوم بها مسؤولون إقليميون ودوليون للخروج من الشغور في رئاسة الدولة».
مشاركة :