تقسيمُ بلادِ فارس ( إيران )

  • 8/6/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

مع التطورات المتلاحقة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط بعد الأوضاع الراهنة على الساحة العراقية، شعرت بلاد فارس ( إيران ) ، بشيء من الخوف لامتداد شبح التقسيم إلى داخل حدودها، خاصة وأن الثورات الداخلية ضدالنظام الفارسي ( الإيراني ) الفاشي المستبد قد بدأت مبكرًا - وإن كانت أقل حدَّة مما شهدته المنطقة العربية - في عام 2009م بعد تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية التي أعادت ترشيح الرئيس الفارسي السابق محمود أحمدي نجاد لولاية ثانية. إيران تبدو أكثر تفككاًوضعفاً بسبب تركيبتها المتنافرة والمتشتتة عرقيًّا ودينيًّا ومذهبيًّا وثقافيًّا وتحاول دائماً بلاد فارس ( إيران ) إخفاء الغليان الثوري للشعب الإيراني بمختلف شرائحه، وتسعى في الغالب، إلى منع تحول ذلك الغليان الشعبي إلى ثورة داخلية طاغية تُطيحُ بالنظام الفارسي الفاشي الإيراني المستبد واستبداله بنظامٍ ديمقراطي يحترم حريات وحقوق الإنسان . ويدور الحديث الآن عن تقسيم بلاد فارس ( إيران ) إلى خمس مناطق وبإلقاء نظرةٍ على المناطق الخمس المقترحة للتقسيم : - المنطقة الأولى: تشمل محافظات طهران، قزوين، مازندران، سمنان، كلستان، البرز، وقم. المنطقة الثانية: تشمل محافظات أصفهان، فارس، بوشهر، تشهار محل بختياري، هرمزجان، وكهكيلوية، وبوير أحمد. المنطقة الثالثة: تشمل محافظات أذربيجان الشرقية، أذربيجان الغربية، أردبيل، زنجان، جيلان، وكردستان. المنطقة الرابعة: تشمل محافظات كرمانشاه، إيلام، لرستان، همدان، مركزي وخوزستان (عربستان). المنطقة الخامسة: تشمل محافظات خراسان رضوي، خراسان جنوبي، خراسان شمالي، كرمان، يزد وسيستان، وبلوشستان. وربما يعتقد البعض أن هذا الإجراء مجرد تنظيم إداري وتنموي بحت، أو إعادة إحياء لتقسيم يعود تاريخه إلى أكثر من قرن من الزمان، من حقبة الدولة القاجارية وخلال الثورة الدستورية تحديدًا (1905-1911م) عندما كانت إيران تقسم إلى أربع ولايات هي: (أذربيجان، فارس، خراسان، وكرمان) وذلك قبل أن يتم احتلال الأحواز لاحقًا في العصر البهلوي، ولكن عند التدقيق في طريقة التقسيم هذه يظهر جليًّا أن الأمر أبعد من تبادل الخبرات والاجتماعات أو الحنين إلى التقسيم القديم، إلى محاولة طمس المحافظات التي تحمل أسماؤها دلالات عرقية، أو ذات الأغلبية العرقية، مثل عربستان، كردستان، أذربيجان وغيرها، والتي يساورها دائمًا هاجس الانفصال عن الحكومة المركزية في طهران. وكما هو المتوقع فقد قامت طهران بخطوات سريعة بعد إعلان هذا التقسيم، حيث أطلقت أسماء “طهران، أصفهان، كرمانشاه، خراسان الرضوي، وأذربيجان الشرقية “كمسميات جديدة لهذه المناطق، وبالتالي دمج المحافظات القائمة مع بعضها البعض، واختيار عواصم جديدة لهذه المناطق، ومن المؤكد أنَّ أسماء العواصم لن تكون من المحافظات والمدن ذات البُعد العرقي، وستجد الحكومة مبررات لذلك من أهمها ضرورة أن تكون العاصمة لهذه المدن في موقع يتوسط المنطقة، أي في قلب خارطة إيران، وبالتالي ينتفي تواجد المدن ذات البعد العرقي كون الأقليات العرقية – غير الفارسية طبعًا - تمتد في المناطق الحدودية. وما يثبت هذه الفرضية تحرك بعض أعضاء البرلمان ضد هذا التقسيم، فبعد يوم واحد من إعلانه، اعترض ستون من أعضاء البرلمان الإيراني على ذلك، واعتبروا ذلك أمرًا قد يثير الكثير من الخلافات، ويتسبَّب في احتقان في المجتمع الإيراني مما قد ينجم عنه مشكلات كثيرة، كما أن هذا القرار لم يأخذ في الحسبان الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، كما أنه إجراء غير قانوني أيضًا. فكيف سيكون هناك أحتقان في المجتمع وبروز لمشكلات ليست في الحسبان إذا كان الأمر ينحصر في تبادل الخبرات فقط؟ ومن الشواهد الأخرى التي تجعل هذه الفرضية أقرب إلى الحقيقة قيام النظام الفارسي الإيراني بمحاولة مماثلة تم إجهاضها. وهي خطة تقسيم جديد للمحافظات، واقتطاع أجزاء من بعض هذه المحافظات وضمها إلى أخرى خاصة في المناطق الجنوبية والجنوبية الغربية، وكان هناك خطة لمد إقليم فارس (في الوسط) ليصبح له منفذ بحري على الخليج العربي من خلال اقتطاع مدن وقرى من محافظتي هرمزجان وبوشهر. واجهت هذه الخطة اعتراضات واسعة من قبل أهالي الإقليمين الأخيرين، واللذين يقطنهما إما أقليات عرقية، خاصة العرب، أو أقلية مذهبية، كالسنَّة الذين يشكلون الأغلبية في محافظة هرمزجان. وبعد أن فشل هذا المخطط تم تقديم المخطط ذاته مجددًا ولكن بثوب جديد يتمثل في تقسيم كافة البلاد حتى يتم إبعاد الشبهة عن مخطط يستهدف الأقليات العرقية والمذهبية في إيران، ويطمس هويتها من خلال مشروع تغيير لتغيير التركيبة الديموغرافية في بعض المحافظات. هذا المخطط ليس مبتكرًا أو حصرًا على بلاد فارس ( إيران ) الحالية، بل إرث انتقل من النظام الشاهنشاهي القومي إلى النظام الحالي. في ثلاثينيات القرن الماضي اقترح القوميون الفرس على شاه إيران آنذاك، رضا بهلوي، القيام بترحيل بعض العائلات من المناطق الحدودية؛ حيث الأقليات العرقية، إلى المناطق الوسطى لكي يتعلموا اللغة الفارسية، وتصبح اللغة الأم للجيل الجديد، كما تم اقتراح نقل عائلات فارسية من مناطقهم إلى المناطق الحدودية لنشر اللغة والثقافة الفارسية، كما تم اقتراح بيع الصحف والمجلات الفارسية في تلك المناطق بأسعار أقل منها في طهران بهدف “فرسنة” تلك المجتمعات. ويبدو أن هذا المشروع لايزال قائمًا، والمحاولات مستمرة وإن ظهرت بأنماط مختلفة بين الفينة والأخرى، وجميعها يصب في هدف واحد، وهو الحيلولة دون مطالبات المناطق ذات الأقليات العرقية بالاستقلال وكان من الأجدر بالحكومة المركزية في طهران أن تغيِّر من طريقة تعاملها مع هذه الأقليات، فبدلاً من التهميش والحرمان الاقتصادي والثقافي واللغوي والمذهبي والتنموي والتعليمي، تتجه إلى إرساء العدالة الاجتماعية، والمساواة بين كافة مكونات المجتمع الإيراني بعرقياته وأديانه ومذاهبه المختلفة، والالتفات إلى مناطق الأقليات العرقية والمذهبية، ومعالجة الفقر والحرمان الذي تعاني منه تلك المناطق، وهو بالمناسبة الأعلى على مستوى البلاد خاصة في مناطق الأحواز وسيستان وبلوشستان، وفقًا لتقارير إيرانية رسمية، بدلاً من التفكير في مخططات تسعى إلى إذابة هذه الأقليات، وإجبارها على ثقافة عرق واحد -العرق الفارسي- والذي لا يشكِّل أكثر من 28% من مكونات المجتمع الإيراني بأطيافه العربية والكردية والآذرية التركية، والتركمانية والبلوشية واللورية ومذاهبه وأديانه الشيعية الاثناعشرية والإسماعيلية والسنية واليهودية والمسيحية والزرادشتية (المجوسية) والشيخية والبهائية. عبدالله الهدلق

مشاركة :