تدخل الأسواق المالية الربع الأخير من 2020 وسط تعافٍ مؤقت للاقتصاد العالمي وحالات عدم اليقين السياسي، إضافة إلى الافتقار لاستجابة السياسة المالية والهيكلية، بعد أن كانت مدعومة بالسيولة الوفيرة فترة طويلة. وتأتي هذه الرياح العكسية على رأس أزمة «كوفيد-19»، التي جعلت أغلب الدول تعاني من أجل تحقيق التوازن بين حماية الصحة العامة والعودة لمستويات النشاط الاقتصادي شبه الطبيعية، وفقاً لرؤية المستشار الاقتصادي في شركة «أليانز» العالمية محمد العريان. ويكمن الأمل في استمرار ظروف السيولة السخية الحالية، التي توفرها البنوك المركزية وتدعمها، في كونها تهيئ الوضع كي يكون 2021 عاماً أفضل ليس من خلال عكس اتجاه الضرر الاقتصادي والاجتماعي فقط، بل كذلك عبر تقديم المزيد من المكاسب للمستثمرين. لكن، هل هذه السيولة - الهادفة لتعويض تأثيرات الأزمة - ستكون كافية للتغلب على المزيج المعقد الناتج عن الوباء؟ وتشير البيانات الاقتصادية الأخيرة إلى أن التعافي الاقتصادي، باستثناء الصين وعدد قليل من الدول الأخرى، لا يزال غير متكافئ وغير مؤكد، كما يفشل في تحقيق كل مطلوب وممكن. وتستمر قطاعات السفر والضيافة وغيرها من أنشطة القطاعات الخدمية في مواجهة صعوبات كبرى، ما يؤدي لتعقيد الصورة العامة الخاصة بالتوظيف. وعلاوة على ذلك، يلجأ عدد متزايد من الشركات في قطاعات أخرى إلى مبادرات من شأنها خفض عمليات التعيين أو تتسبب في موجة من عمليات تسريح العمال. وإضافة إلى هذه الصعوبات الاقتصادية، توجد شكوك سياسية عميقة وخاصة في الولايات المتحدة، بالنظر إلى عدم اليقين الذي يخيّم على الانتخابات الرئاسية، الذي تفاقم أكثر مع إصابة الرئيس دونالد ترامب بالفيروس. والأسبوع الماضي، أعلن ترامب إصابته وزوجته ميلانيا بـ«كوفيد-19» لينتقل إلى المستشفى، قبل أن يغادرها الاثنين الماضي لاستكمال علاجه داخل البيت الأبيض. ومع انتقال عدوى الإصابة لعدد من المشرعين، فإن مناقشات الكونغرس بشأن العديد من الأمور المهمة تم تأجيلها، مما يجعل الأمل محدوداً لتمرير حزمة مساعدات مالية جديدة أو إقرار إصلاحات داعمة للنمو الاقتصادي في الأسابيع القليلة المقبلة. وتظل مشاركة الولايات المتحدة في مناقشات السياسة متعددة الأطراف محدودة، ومما يجعل الأمور أكثر تعقيداً أن الاستجابات الاقتصادية والمالية في دول أخرى وصلت إلى حدها الأقصى، وخصوصاً في دول العالم النامي، حيث تنفد من الحكومات المساحة المتاحة بسبب العجز المرتفع والديون الآخذة في الزيادة وديناميكيات العملات الأكثر تقلباً. وتتفاقم حالة عدم اليقين بفعل المعاناة الأكبر لتلبية الأهداف الرئيسية الثلاثة في عصر الوباء: الحفاظ على الصحة العامة، وحماية المواطنين، وتفادي إلحاق المزيد من الضرر بالمجتمع والرفاهية الاقتصادية والقدرة المالية. ورغم هذا الخليط الذي يتسم بعدم اليقين وعدم الاستقرار والتقلبات، أظهرت الأسهم وغيرها من الأصول الخطرة مرونة كبيرة، وهو ما يتضح في رغبة عدد كبير من المستثمرين في الاستمرار في سياسة «الشراء عند الانخفاض» إما بسبب اعتقادهم أنه لا يوجد بديل للأسهم أو بسبب أن ارتداد السوق على مدى السنوات القليلة الماضية قد أثار شعور «الخوف من فقدان الفرصة». ويتوقف تكييف سياسات «شراء الانخفاضات، والاعتقاد بأنه لا يوجد بديل، والخوف من فقدان الفرصة»، على عاملين. الأول والأكثر أهمية: الثقة القوية لدى المستثمرين بشأن استعداد البنوك المركزية - بنك الاحتياطي الفدرالي والبنك المركزي الأوروبي على وجه التحديد - لضخ السيولة مع أول إشارة حول وجود ضغوط قوية في الأسواق. ورغم ذلك، مع التفاوت على نحو متزايد بين تقييمات السوق وأساسيات الاقتصاد، ربما تتعرض مصداقية البنوك المركزية للخطر وتتفاقم حالات عدم المساواة في الثروة، كما تزيد المخاطر أمام الاستقرار المالي في المستقبل. الثاني: يميل المستثمرون للاعتقاد أن معظم أو ربما كل الصعوبات الحالية أمام السوق ليست مؤقتة فحسب بل يمكن عكسها. ويتمثل الافتراض في أن حالة عدم اليقين المحيطة بالانتخابات الأميركية سيتم حلها بشكل سريع، إضافة إلى استكمال جهود الإصلاح المالي والهيكلي بما يعوض الوقت المفقود، فضلاً عن استمرار تسارع إحراز تقدم في تطوير علاجات أو لقاحات «كوفيد-19» أو اكتساب مناعة القطيع. وفي غضون ذلك، باتت الأسواق تتوقع ما هو غير متوقع. ولكن الواقع يشير إلى أنه مقابل كل يوم يتأخر فيه المشرعون، سيكون هناك عدد أقل من الوظائف والمزيد من عمليات تسريح العمال ومخاطر أكبر لإفلاس الشركات وخاصةً بين عدد متزايد من المؤسسات التي تتآكل مرونتها المالية كونها تواجه شروطاً أكثر صرامة للاقتراض مع استمرار استنزاف السيولة المالية. وبناءً على ذلك، كلما طال تأخير تمرير حزمة التحفيز، تفاقمت المشاكل التي سيتعين على أيّ حزمة مستقبلية معالجتها، وزادت صعوبة تصميم هذه الحزمة وتنفيذها.
مشاركة :