نرمين الشال تكتب: أنا لا أسرق .. ولكني أتجمل

  • 10/9/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أذكر أن نقاشا  دار بيني وبين أحد الأصدقاء الذي يعمل  بوظيفة مرموقة في واحدة من المؤسسات الثقافية العالمية، بدأ بسؤال وجهته له حين طالعت مقالا باسمه في مجلة ثقافية عربية شهيرة، سألته  : لماذا وأنت تمتلك كل هذا القدر من الثقافة  والمعلومات التاريخية الموثقة علاوة عن علاقتك الطيبة بمسئولي أغلب المؤسسات الصحفية في مصر والوطن العربي، لماذا لا يكون لك  مقالا  ثابت تسهم به في نشر الوعي والتنوير لدى القراء.فكانت إجابته : لقد تعبت من سرقة كتاباتي، فقد بلغ الأمر أن قام أحدهم بنشرها في  شكل سلسلة، ووضعها آخر في كتاب باسمه، بينما اكتفى غيرهم بكتابتها على صفحات الفيس بوك لتعويض نقص أو كسب تقدير ليس من حقه،  وأخبرني أن كتابة هذه السطور التي يتم اختطافها تتطلب منه قراءة اثنين من الكتب أو أكثر،  والمناظرة بينها، والحقيقة أني رغم تقديري لجهده  دُهشت من حديثه فقد كان تصوري أن من يتعرضون لسرقة كتاباتهم أو نتاجهم الأدبي هم المغمورون، والمبتدئون من الكتاب، وأن مجرد نشر مقالا في صحيفة أو موقع ذو صيت هو بمثابة وثيقة لا تخضع للتزوير، وانتهت المناقشة بيننا  دون أن أقتنع بوجهة نظره لإيماني أن الكتابة قدرا وعلى أهلها تحمل خيرها  وشرها  على حد  سواء. عبر " فيس بوك " وجدت أن بعض الصفحات  ترعى الموهوبين في مختلف ألوان الكتابة والأدب، ووجدتها مسلكا جيدا يؤهل هؤلاء الموهوبون  للنشر الورقي أو الالكتروني الذي أصبح قبلة أغلب الكتاب والناشرين، في إحدى المجموعات التي اعتدت على متابعتها ونشر بعض المساهمات فيها لاحظت نشاطا ملفتا لسيدة كان  لها  اسهامات متلاحقة، تكتب ببراعة وبلغة راقية مكتفية بجمع ما تكتب تحت هاشتاج باسمها دون أن تأخذ خطوة  بنشره  عبر المواقع أو المجلات الالكترونية  وكنت استغرب ذلك.قادتني الصدفة  إلى تصفح منصة إلكترونية للتدوين الحر، وهي معنية أيضا بتدريب  وتطوير المواهب، وكان من بين ما قرأته خاطرة لكاتبة شابة، لها تجربة أدبية مطبوعة وشعرت أني طالعت هذه السطور من قبل، فتذكرت سيدة الخواطر الراقية، وسارعت باستدعاء بعضا من عبارتها في ذهني ولقنتها لمحرك البحث  " جوجل "، فظهر لي على الفور اسم الكاتبة الشابة، وجربت خاطرة ثانية وثالثة، وإذ بي أكتشف أن جميع ما كتبت السيدة قامت بسرقته من مدوني هذه المنصة، وهم مجموعة من الكتاب الواعدين قاموا بنشر ابداعاتهم لتكون خطوتهم الأولى  في عالم الأدب.تأملت فلم أجد أن تلك السيدة كسبت شيئا من فعلتها سوى  تقدير زائف في دائرة محدودة، وجال في خاطري ما قاله صديقي عن  أولئك الذين يدفعهم  الشعور بالنقص والبحث عن تقدير  يفتقدونه في واقعهم إلي سرقة جهد غيرهم، وشردت بعيدا عن آلام الكتابة ومعاناة أهلها، وفكرت كيف أن شعور البعض بالدونية  قد يكون دافعا لما هو أبعد من السرقة ،  إلي الانتحار والأمثلة كثيرة فكم من أشخاص قادهم احتقار الذات والشعور بالدونية إلي قتل أنفسهم. من بين هؤلاء كان " إسماعيل أدهم "  وهو أحد الكتاب النابغين ولد  في بدايات  القرن الماضي، وحقق شهرة كبيرة، وله بعض الدراسات النقدية  عن عددا من  الأدباء،  إلا أن  تضاربا كبيرا جاء  بين  ما قيل  من معلومات عن مولده وتعليمه، فتاهت  الحقيقة  بين ما دون عنه وما ذكره أهل مدينة الاسكندرية التي عاش بها عن نشأته ومستوى أسرته المتواضع،  وقد ذكرت بعض الكتابات أن  الشعور بالدونية وازدراء الذات  دفعه  لأن يوهم  الناس أنه مستشرق من أصل تركي حاصل على الدكتوراه في علم الرياضيات وعلوم الطبيعة من روسيا، بينما هو لم يسافر خارج مصر على الاطلاق، وإن كانت المصادر قد اختلفت على تعليمه وحياته إلا أن جميع الروايات  اتفقت على أن " إسماعيل أدهم " بلغ درجة من المعاناة  عجز معها عن  مواجهة مجتمعه  فانهى حياته بالانتحار بطريقة تثير الشفقة حيث قام بتوزيع الحلوى على كل من قابله يومها إلي أن وصل إلي شاطئ البحر فقام بإلقاء نفسه ومات، فالإنسان قد يهرب من حقيقته ويتجمل أمام الآخرين بوسيلة أو أخرى  يكذب أو يسرق أو يبتدع شيئ غير حقيقي لكنه  يبقى  على شفا الانهيار طالما ظل عاجزا عن رؤية الجمال في داخله.

مشاركة :