دعوة المبعوث الأممي إلى اليمن إلى وقف القتال بين الحوثيين والقوات الحكومية تذكّر في توقيتها بالجهود الاستثنائية التي كان مارتن غريفيث قد بذلها سنة 2018 وأفضت إلى أكبر إنجاز له خلال عمله على الملف اليمني، وهو اتفاق ستوكهولم الذي أوقف معركة في الحديدة كانت على وشك أن تفضي إلى طرد المتمرّدين من الساحل الغربي.. فهل تنقذ دعوته الجديدة الحوثيين من تورّطهم في قتال متزامن على ثلاث جبهات؟ الحديدة (اليمن) - التقطت جماعة الحوثي المتمرّدة في اليمن دعوة مبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث إلى وقف القتال المتصاعد في محافظة الحديدة الساحلية غربي البلاد والالتزام بتنفيذ اتفاق ستوكهولم، معلنة الاستجابة للدعوة التي وصفتها أطراف سياسية يمنية بأنّها بمثابة طوق نجاة للحوثيين في وقت تواجه فيه قواتهم الموزّعة على عدّة جبهات في محافظات الجوف ومأرب والحديدة صعوبات كبيرة تنذر بتلقيهم هزيمة عسكرية مدوية من شأنها أن تفقدهم أهم مناطق سيطرتهم بشمال البلاد وغربها. وتذكّر هذه الدعوة من حيث توقيتها، بالتدخّل الأممي الحاسم سنة 2018 لوقف زحف القوات اليمنية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية على محافظة الحديدة الاستراتيجية التي كانت استعادتها من أيدي الحوثيين ستُحدث أكبر انقلاب في مسار الصراع في اليمن، وذلك عندما بذل غريفيث جهودا كبيرة بدعم من قوى دولية أفضت إلى توقيع اتفاق ستوكهولم في ديسمبر من السنة نفسها بين المتمرّدين وحكومة الرئيس المعترف به دوليا عبدربه منصور هادي، وكانت خلاصة الاتّفاق وقف الحرب في المحافظة وإبقاء الأوضاع على ما هي عليه. وكثيرا ما يثير أسلوب المبعوث الأممي إلى اليمن في التعاطي مع الصراع اليمني الأسئلة بشأن تدخّله في المنعطفات الحاسمة من الصراع الأمر الذي يجرّ عليه اتّهامات بأنّ الأجندة التي يطبّقها تقوم على الحفاظ على تكافؤ القوى بما يساعد على إطالة أمد الحرب بدل إنهائها. وخلال الأسابيع القليلة الماضية عادت الحرب لتشتعل بضراوة في عدّة مناطق باليمن لاسيما في محافظة مأرب شرقي صنعاء والتي حاول الحوثيون انتزاعها من يد القوات الحكومية نظرا لأهمية موقعها وغناها بالنفط، غير أن اشتعال جبهتي الجوف شمالا والحديدة غربا شتّت الجهد الحربي للمتمرّدين الذين لم يستطيعوا الصمود وبدأوا يتراجعون في كثير من المواقع. وتمثّل مناطق الساحل الغربي لليمن شريان حياة أساسيا للتمرّد الحوثي وخصوصا ميناء الحديدة الذي تدخل عبره مختلف المواد الأساسية لمناطق سيطرتهم. وتصاعدت منذ أيام حدة القتال بين قوات موالية للحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، لاسيما في منطقتي الدريهمي وحيس، بالساحل الغربي. وقال غريفيث في بيان، إنه يتابع “بقلق بالغ التصعيد العسكري الذي حدث مؤخرا في محافظة الحديدة، والتقارير الواردة عن وقوع ضحايا مدنيين، بينهم نساء وأطفال”. وشدد على أن هذا “التصعيد العسكري لا يمثّل انتهاكا لاتفاقية وقف إطلاق النار في الحديدة فحسب، بل يتعارض مع روح المفاوضات القائمة التي ترعاها الأمم المتحدة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في كافة أنحاء اليمن”. وأضاف أنه يعمل “مع جميع الأطراف ويدعوهم إلى وقف القتال فورا واحترام الاتزامات الواردة في اتفاق ستوكهولم”. وسارعت جماعة الحوثي إلى الترحيب بدعوة مبعوث الأمم المتحدة. وقال المتحدث باسمها محمد عبدالسلام في تغريدة على تويتر “نرحب ببيان المبعوث الأممي بخصوص التأكيد على الالتزام باتفاق ستوكهولم، والتعامل الإيجابي والفعال مع آليات التنفيذ المشتركة لبعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة”. وقالت مصادر يمنية إنّ سرعة ترحيب عبدالسلام بدعوة غريفيث تعكس الوضع الميداني الصعب لجماعته بعد أن تلقّت ضربات موجعة في حيس والدريهمي، إلى جانب اشتداد الضغوط العسكرية عليها في مأرب والجوف. وأعلن الجيش اليمني مقتل 240 مسلحا حوثيا على الأقل وإصابة نحو 300 آخرين في جبهات القتال خلال آخر أسبوع. وقال موقع 26 سبتمبر نت التابع للجيش إنه رصد ما لا يقل عن 540 قتيلا وجريحا من عناصر الحوثي خلال الفترة بين 1 و7 أكتوبر الجاري. وأشار الموقع إلى وجود 10 قياديين ميدانيين ضمن قتلى الحوثيين، ممن سقطوا بالمعارك ضد القوات الحكومية، خلال الأسبوع الماضي. وأوضح أن ما لا يقل عن 120 حوثيا بينهم القياديون العشرة سقطوا بجبهات القتال في مأرب شرقا فيما أصيب نحو 150 عنصرا آخر بذات المحافظة. وخلال المعارك بمحافظة الجوف شمالا، قتل نحو 120 مسلحا حوثيا وأُصيب نحو 150 آخرون، كما أُلقي القبض على عشرات العناصر الحوثية حسب ذات المصدر. ورصد الجيش اليمني تدمير 30 آلية عسكرية للحوثيين بذات المحافظة، جراء القصف المدفعي والضربات الجوية للتحالف العربي. وكان الحوثيون قد حقّقوا قبل عدّة أشهر تقدّما ميدانيا هاما في محافظة الجوف شمالي صنعاء حيث تمكّنوا في مارس الماضي من السيطرة على مركزها مدينة الجوف. غير أنّهم بدأوا مؤخّرا يخسرون مكاسبهم الميدانية في المحافظة المحاذية للأراضي السعودية. وأعلن الجيش اليمني السيطرة على مساحات واسعة من محافظة الجوف إثر معارك ضد الحوثيين. ونقلت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية سبأ عن مصدر عسكري قوله إنّ “أفراد الجيش الوطني مسنودين بالمقاومة الشعبية، تمكنوا من استعادة مساحات واسعة باتجاه جبل صبرين، ومنطقة بير المرازيق بمحافظة الجوف”. وأوضح المصدر أنه “تم التقدم غرب معسكر الخنجر وتحرير عدة مواقع أهمها خليل الزور والتلال الجنوبية”. ولفت إلى استمرار العملية العسكرية وسط تقدم ثابت لأفراد الجيش، وانهيار كبير في صفوف ميليشيا الحوثي. ومطلع الأسبوع الجاري سيطر الجيش اليمني على معسكر الخنجر الاستراتيجي في الجوف. وتكمن أهمية المعسكر كونه يتحكم بطرق رئيسية في مديرية خب والشعف التي تشكل حوالي ثلثي مساحة محافظة الجوف. ويأتي التصعيد العسكري في اليمن في ظلّ أوضاع إنسانية بالغة السوء جرّاء تردّي الحالة الاقتصادية وانتشار الأوبئة وأحدثها وباء كورونا الذي لا يُعرف على وجه الدقّة مدى تفشيه في البلد الذي لا يمتلك وسائل مقاومته ولا حتى وسائل اكتشاف الإصابة به. لكن الوضع الإنساني الصعب كثيرا ما يستخدم ورقة للمساومة والابتزاز من قبل الأطراف المتحاربة في اليمن. وقالت جماعة الحوثي الجمعة، إنّ عدد النازحين في المناطق الخاضعة لسيطرتها بلغ أكثر من 4 ملايين نازح يعيشون أوضاعا إنسانية كارثية. وجاء ذلك وفق تقرير مجلس إدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية التابع لحكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليا أورده موقع “أنصارالله” الإلكتروني الناطق باسم الجماعة. وأفاد التقرير بأنّ عدد الأسر النازحة بلغ 606 الآف أسرة بواقع 4 ملايين و168 ألفا في 15 محافظة يمنية حتى أواخر أغسطس الماضي. وأوضح أنّ “مئات الآلاف من النازحين يعيشون وضعا إنسانيا كارثيا جراء النزاع الدائر في البلاد”. وتابع أنّ “الأزمة الإنسانية زادت سوءا في ظل إعلان المنظمات الأممية تقليص المساعدات وإغلاق المشاريع في الوقت الذي تفتقد فيه المخيمات أبسط المقومات مع توقف المساعدات من الغذاء والدواء وانتشار الأمراض”. ويقول خصوم جماعة الحوثي إنّها تسيء استخدام المساعدات الإنسانية وتصرفها وفق معيار الولاء لها كما تستخدم قسما منها في دعم مجهودها الحربي. وخلال السنة الأخيرة تعثّرت جهود الأمم المتّحدة في الحفاظ على مستوى ثابت من المساعدات الإنسانية لليمن جرّاء شحّ التمويل وتناقصه المستمرّ، وأيضا بفعل صعوبة إيصال المساعدات إلى مستحقيها الحقيقيين.
مشاركة :