تنامي المطالبات بإصلاحات في مصر وكسر المحرمات السياسية | | صحيفة العرب

  • 10/10/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة - بعث وزير التضامن المصري الأسبق جودة عبدالخالق برسالة قوية إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي عبر مقاله الأسبوعي الأربعاء بجريدة الأهالي، لسان حال حزب التجمع اليساري، تضمنت إشارات واضحة إلى معاناة شريحة كبيرة من المواطنين من الإجراءات الاقتصادية التي تنتهجها الدولة، وانخفاض سقف الحقوق والحريات، قائلا “الوضع الحالي مؤلم وقاس وغير قابل للاستمرار”. كسرت الرسالة بعض المحرمات الرائجة في الحياة السياسية بمصر في الآونة الأخيرة، فغالبية الانتقادات تأتي انتقامية ومن قبل فئة معروفة بمعارضتها للنظام، ولا يلتفت إليها كثيرون. لكن أن تأتي هذه المرة من وزير سابق، فلذلك قيمة سياسية مزدوجة، حيث تؤكد أن المشهد العام مزعج وغير مطمئن، وأن النظام يتقبل الانتقادات من أرضية وطنية، خاصة أن الرجل لم يتعرض إلى اتهامات من أي نوع تشكك في دوافعه. وأدت بعض التصرفات الأمنية إلى ترسيخ فكرة أن النظام المصري لا يتقبل تصويبا أو مطالبات بإصلاحات سياسية، ولا يتحمل وجود معارضة قوية، حيث تعرضت شخصيات كثيرة لمضايقات ومساءلات قانونية عندما رددت ما قاله جودة عبدالخالق، وربما أقل في مضمونها. هل تكمن المشكلة هنا في الطريقة أو في التوقيت، أو في الاثنين معا، حيث تستعد البلاد لإجراء انتخابات مجلس النواب بعد نحو أسبوعين، وتمثل أهمية كبيرة للمواطنين، ومناسبة ترتفع فيها حدة الانتقادات من جانب بعض المرشحين والمهتمين بالمشهد السياسي، وتبدو الحكومة أكثر تقبلا لها. كما أن عبدالخالق قدم لرسالته بعبارات ناعمة تؤكد تثمينه للدور الوطني للجيش في ذكرى انتصار حرب 6 أكتوبر، بمعنى أن الرجل ينطلق من أرضية مصرية خالصة، وفي مناسبة خالدة، وتوجه مباشرة لرئيس الجمهورية، لأنه يعرف أن مفتاح الحل في يده أولا وأخيرا، وهو الوحيد القادر على فك عقد المشهد السياسي. تكفي هذه الديباجة لتقبل ما يلي من انتقادات حادة، تنم عن وعي بطبيعة الأجواء العامة، والآليات التي يدار بها دولاب الدولة، سياسيا وأمنيا، ما جعل الكلمات القاسية لا تواجه بصرامة أو إجراءات أمنية، كما جرى قبل ذلك مع أسماء مختلفة. ويحتفظ الوزراء السابقون بمكانة معنوية لدى الجهات الرسمية، وفي حالة عبدالخالق، يحظى أيضا الرجل بمكانة شعبية، فقد كان نصيرا للفقراء، وتاريخه يشهد له، ما ينفي عنه شكوكا يمكن ترويجها ضده، حتى لو كانت رسالته تصب في صالح خصوم النظام الحاكم. وأوضح جودة عبدالخالق لـ”العرب” أنه “يرفض انتهازية الإخوان وتصوراتهم بأن المقال يتسق مع رؤيتهم وتوجهاتهم، ويرفض تماما أي توظيف لآرائه عبر وسائلهم”. وتلقى الوزير الأسبق اتصالا من قناة الجزيرة مباشرا للتعليق على المقال والحديث عنه، لكنه رفض تماما لإيمانه بأن “الجزيرة تعادي المشروع الوطني المصري بصورة واضحة، والرأي المطروح يعبر عن اختلاف محمود ومطالب تصب في الصالح العام”. وينطوي التوجه مباشرة إلى الرئيس السيسي على ذكاء سياسي، حيث أكد أكثر من مرة أنه يؤمن بحرية وسائل الإعلام ويتقبل الانتقادات، ما يعني أن أي جهة تفكر في الاقتراب من عبدالخالق تسيء لرئيس الجمهورية وتضعه في موقف حرج، أو كأنه يناقض نفسه سياسيا، وهو ما يفسر أن رسالة الوزير المصري مرت بهدوء (حتى الآن) ولم تكن لها أصداء سلبية. وأكد عبدالخالق أنه كتب مقاله انطلاقا من شعوره بضرورة المصارحة التي يحتمها عليه ضميره الوطني في ظل تزايد الأعباء المفروضة على المواطن البسيط، لأن الصالح العام يستلزم الحوار الموضوعي ولفت الانتباه لدى صناع القرار. الإصلاحات الاقتصادية بات من الصعب تحمل ثقلها اجتماعيا، وبدأت تحمل روافد قد تكون مكلفة سياسيا وأضاف أنه يؤمن بعدم وجود رغبة لدى القيادة السياسية لمصادرة الرأي الآخر بشكل تام، وتُفرق بين اختلافات واردة في إطار رغبة حقيقية لدى البعض في الإصلاح وتحقيق العدالة، وبين توجهات معادية للدولة الوطنية. لقي المقال – الرسالة تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، وبدا المحتوى كأنه يعبر عن رغبات وتطلعات فئة عريضة لتطبيقه، الأمر الذي يمنحه زخما مضاعفا، لأن أجهزة رسمية عديدة ترى أن مواقع التواصل أحد أهم قياسات الرأي العام. ويقول عارفون بدهاليز الدولة إنه عندما تضيق الحريات العامة، يمكن لكل معارض أو صحافي توصيل رسالته مهما كانت قتامة الأجواء السياسية، لكن من الضروري أن يكون صاحبها يملك سمعة طيبة لدى أجهزة الدولة، وينتقد من داخلها ولا يعرّض بها، ويختار العبارات المناسبة، فكل شيء يمكن أن يقال أو يكتب، لكنه يتوقف فقط على الطريقة التي يقال أو يكتب بها. ومثلت هذه المسألة وصفة دقيقة، واستخدمها بعض الكتاب الكبار في أزمنة مختلفة لحل معضلة التناقض بين المصلحة الوطنية والمعارضة السياسية. ويؤمن البعض بالنصيحة السابقة بدليل أن هناك انتقادات تتسرب إلى بعض وسائل الإعلام الرسمية من حين لآخر، ولا يتم التعامل مع أصحابها بخشونة، وتشير إلى أن هناك مساحة يمكن توظيفها، غير أن المشكلة في من يرفضون استغلالها جيدا. ويرى مراقبون أن النظام المصري ليس شيطانا ولا ملاكا، وهو مثل الكثير من الأنظمة في المنطقة التي تتملكها هواجس من إطلاق الحريات أو اتخاذ خطوات جريئة في حقل الإصلاح السياسي. ويخشى أن تؤدي تحركات من هذا النوع إلى عدم القدرة على تحمل تبعاتها السياسية، في ظل انخراطه في هموم أمنية واقتصادية واجتماعية جمة، يعتقد أن لها أولوية قصوى، وتمس أوجاع الناس بصورة كبيرة. ويقول المراقبون إن النظام المصري يتخذ من هذه الهموم تكئة لتأجيل الشروع في خطوة الإصلاحات السياسية، اعتمادا على تجارب دول مجاورة عانت من أزمات مضنية، ويصور الحريات على أنها مرادف للفوضى، ما يمكنه من الإمعان في التضييق على الأولى، والتخويف من الثانية. وتكمن أهمية رسالة جودة عبدالخالق في كسر جدار في حلقات الخوف لدى النخبة المصرية، التي رأى بعضها أن الأمور لا تحمل ضوءا في نهاية النفق فآثروا الانزواء والانسحاب من المشهد السياسي. ويحدو البعض أمل في أن يقرأ النظام المصري هذا النوع من الرسائل على الوجه الصحيح، ولا يتأخر في تخفيف الأعباء، لأن تداعيات بعض الإصلاحات الاقتصادية أصبحت صعبة اجتماعيا، وبدأت تحمل روافد قد تكون مكلفة سياسيا، وهي فحوى الرسالة التي أراد جودة عبدالخالق دق ناقوس الخطر حيالها.

مشاركة :