احتجاجات اجتماعية تُفرغ الحراك الجزائري من مطالبه السياسية | صابر بليدي | صحيفة العرب

  • 6/16/2020
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

الجزائر - انتقل مخطط الالتفاف على الحراك الشعبي في الجزائر إلى خطوة جديدة من أجل إجهاض مطالبه الأساسية، عبر إثارة احتجاجات اجتماعية متفرقة في البلاد تكتفي بالتنديد بتقصير السلط المختصة في توفير خدمات محلية، وتتغافل عن المطالب السياسية المرفوعة في البلاد من أجل رحيل النظام وتحقيق تغيير سياسي شامل. وتضاربت التصريحات في الاحتجاجات الاجتماعية المندلعة مطلع هذا الأسبوع في عدد من المحافظات والمدن الجزائرية، بين من يريد حصرها في مطالب اجتماعية وخدماتية محلية، وبين من يسعى لتوظيفها كتعبئة أولية لعودة الحراك الشعبي. وسادت شكوك سياسية حول عدد من الاحتجاجات التي اندلعت في العديد من المدن الجزائرية مطلع هذا الأسبوع، كما هو الشأن في ورقلة بالجنوب الشرقي للبلاد، وبومرداس شرقي العاصمة، خاصة وأن التعاطي الأمني والتغطية الإعلامية كانا مختلفين عمّا هو سائد في الاحتجاجات الأخرى. وعكس المظاهرات المنتظمة في كل من تيزي وزّو وبجاية، التي قوبلت بقبضة أمنية شديدة انتهت بتفريق المتظاهرين، والتي تغافل عن تغطيتها الإعلام المحلي، فإن احتجاجات ورقلة جرت في ظروف عادية ولم تسجل خلالها أي صدامات مع الأمن، كما حظيت بتغطية من مختلف وسائل الإعلام المحلية. وصرح أحد منظمي احتجاجات ورقلة، بأن “الاحتجاج المنظم من طرف سكان ضاحية المخادمة بمحافظة ورقلة، يحمل مطالب محددة تتعلق بالتنمية وبتوفير الخدمات، وليس له علاقة بما يجري في البلاد”، لكن ناشطي الحراك قد تغلغلوا في المظاهرة، وهو ما ظهر من خلال الشعارات التقليدية للحراك التي رددت هناك. وقال الناشط نذير بوخطة إن “الاحتجاج على التنمية وعلى الخدمات شيء مشروع، لكن لا يجب أن يحجب الأنظار عن المطالب الحقيقية والأساسية”، في إشارة إلى المطالب السياسية المرفوعة في الحراك الشعبي. وأضاف “نعم شيء مشروع، لكن لما أرى هؤلاء الذين كانوا بالأمس ينتقدون الحراك في الصفوف الأولى للاحتجاج، ينتابني الشك بأن الأمر ينطوي على مناورة يراد منها سرقة الثورة السلمية وتقزيمها في مطالب اجتماعية وفئوية ليسهل التحكم فيها من طرف السلطة”. وتأتي هذه المستجدات في سياق تضارب حول موعد العودة للاحتجاجات السياسية واستكمال مسار الحراك الشعبي وسط تحذيرات من الانجرار وراء دعوات مجهولة المصدر للعودة إلى الشارع، بغية إسقاط الحراك في فخ المغامرة بصحة الأشخاص وإعطاء ذريعة لقوات الأمن لقمع المظاهرات بدعوى الحفاظ على صحة الناس. المخطط الحكومي برفع الحجر الصحي تدريجيا يخلق حالة من الارتباك لدى نشطاء الحراك، لتحديد موعد عودة الاحتجاجات وخلق المخطط الحكومي برفع قواعد الحجر الصحي تدريجيا التي فرضت لكبح جماح وباء كورونا، حالة ارتباك لدى نشطاء الحراك لتحديد موعد محدد لعودة الاحتجاجات نتيجة السماح المتفاوت بين الأنشطة بالعودة للوضع العادي، حيث سمحت الحكومة بعودة البعض، وواصلت حظر البعض الآخر كالنقل بين المحافظات، إلى جانب الاستمرار في حظر صلاة الجمعة والجماعة في المساجد. وظلت المساجد وصلاة الجمعة تمثل نقطة انطلاق المسيرات الاحتجاجية المنتظمة طيلة الفترة السابقة، كما كانت وسائل النقل إلى العاصمة والمدن الكبرى، هي الشريان الأساسي المغذي للحراك بأعداد المتظاهرين القادمين من مختلف المدن والمحافظات. ويتهم معارضون السلطة باستغلال جائحة كورونا من أجل القضاء على الاحتجاجات السياسية، التي ظلت مصدر قلق حقيقي لها، خاصة بعد تطور المطالب إلى إقامة “دولة مدنية”، و”رحيل النظام”. وسبق للطرفين (السلطة والحراك) أن تبادلا التهم حول تفشي الوباء في البلاد، ففيما اتهمت السلطة الناشطين والمعارضين بعدم الامتثال للتحذيرات والتوصيات الحكومية خلال الأسابيع الأولى للجائحة (شهر مارس)، يتهم هؤلاء الحكومة بتعمد التراخي والتأخر في غلق حركة السفر الخارجي في تلك الفترة. وطبقت المصالح الأمنية إجراءات مشددة على محافظات منطقة القبائل خلال الأيام الأخيرة، للحيلولة دون تنظيم احتجاجات مخلدة للمظاهرة التاريخية لسكان المنطقة في الـ14 من يونيو عام 2001، في ما عرف آنذاك بحركة “العروش” البربرية، والتي تم بسببها حظر التظاهر في العاصمة إلى غاية كسر الحراك الشعبي للقرار في 22 فبراير 2019. ويتخوف ناشطو الحراك الشعبي من دخول عناصر أو دوائر تابعة أو موالية للسلطة، على خط تشتيت الجهود والآراء حول العودة المنتظرة للحراك، بإثارة الاحتجاجات الاجتماعية والفئوية المحلية والمعزولة، وخلق ارتباك في صفوفهم حول إطلاق دعوات عودة قريبة، تستهدف الدفع به إلى صدام مع السلطة بدعوى حماية صحة الأشخاص، إلى جانب تكثيف القبضة الأمنية والقضائية على الناشطين. وأعلنت تنسيقية الدفاع عن معتقلي الرأي في هذا الشأن، عن توقيف الأكاديمي والناشط السياسي فضيل بومالة من طرف قوات الأمن، في انتظار إحالته على القضاء، وهو الذي قضى عقوبة سابقة بالسجن في نفس الشأن، إلى جانب قيادي سابق في جمعية “راج” المعارضة حكيم عداد، كما تمت إحالة الناشط محاد قاسمي، من مدينة أدرار الجنوبية إلى السجن بتهم التحريض والمساس بالوحدة والسلامة الوطنية. ويأتي ذلك لينسف بوادر الانفراج التي أطلقها في وقت سابق رئيس حزب جيل جديد المعارض جيلالي سفيان، الذي أعلن عن قرب موعد تدخل رئيس الدولة لإطلاق سراح الناشطين المسجونين كريم طابو وسمير بلعربي، وهو ما أكده الناطق باسم الرئاسة محمد سعيد أوبلعيد، عن مسعى جيلالي سفيان خلال اجتماعه برئيس الجمهورية.

مشاركة :