كان الأوائل يعيشون على البساطة دون أن يفكروا بشيء يقلق حياتهم فالشعوب والمجتمعات تستقي حاجتها الأساسية والضرورية من الطبيعة.. لكنها في نفس الوقت تجد البدائل والوسائل لتحسينها وتطويرها والانتفاع منها بشكل أفضل.. فمثلاً كان الناس يشربون الماء من العين فابتكروا الأواني الفخارية لحفظ الماء وتصفيته وتبريده ، وتعتبر مهنة “السقا” مهنة ممزوج بنكهة عبقة تذكرنا بتاريخ المياه في جدة . و يبدأ دور “السقا” بنقل الماء في أواني مصنوعة الحديد ويحملها على ظهره أو على ظهر دابة ويتجول في الحارات ليزود الأهالي بالماء وبقوم بتفريغ في الأواني الفخارية الكبيرة الذي تدعى بـ”الحب” على غرار الخزان المعدني إلا أن الأول يختلف عنه لاكتساب الماء الذي يحفظ فيه شيئاً من البرودة لتخلل الماء بين مساماته فيلامس الهواء فيترطب.. وحالما ينتهي (السقا) من ذلك يرسم خطاً على الجدار الذي يقع خلف باب الدار ليحاسب الزبون عن مجموع الخطوط التي ترمز الى عدد “تنك” المياه التي أفرغها في نهاية كل أسبوع أو شهر حسب الاتفاق مع صاحب البيت ، ويقوم أهل الدار بوضع مادة الشب أو الفحم في ماء الحب ليشكل طبقة ثقيلة تعمل على تنقيته من الرواسب الطينية العالقة فيه التي تتركز في القاع ليكون صافياً زلالاً يشربون منه.. ولمنع دخول الأتربة يوضع فوقه غطاء مصنوع من خوص سعف النخيل أو القش.. أما الحب فيوضع فوق حامل من الخشب يشبه القفص وتحته إناء من الفخار للاحتفاظ بقطرات المياه التي تسقط فيه لاستعماله في صنع الشاي. وكما كــــــانوا يستعملون المياه في غسل الأواني والحاجات الأخرى ، فكانت السقــــــا يأتي الــــى كل البيوت ليزودها بالماء ، وهو يجلب الماء من البازان . السقا .. يقوم بعملية رش الأسواق والأزقة الترابية بغية تبريدها في فصل الصيف. وكان “السقا” يقوم بعملية رش الأسواق والأزقة الترابية بغية تبريدها في فصل الصيف كما يعمل على توزيع الماء للعطشى من المارة مجاناً.. وتدر حرفته عليه ربحاً وفيراً، وكان “السقا” معروف بأنه على صلة بجميع أهالي الحارة ويعرفهم فرداً فرداً . وبعد عقد الأربعينيات بدأت مهنة “السقا” بالزوال عندما بدأت الدولة بإقامة محطات تصفية المياه ومد شبكات الانابيب الى البيوت ، إذ تم الاستغناء عن الأواني الفخارية تقريباً بعد ظهور “صندوق الثلج” وهو عبارة عن صندوق من الخشب ذو غطاء من الأعلى في داخله وعاء مستطيل معمول من رقائق الألمنيوم لخزن الماء ويوضع ربع أو نصف قالب “لوح” من الثلج بجانبه ليكتسب البرودة.. ويكون موصولاً بحنفية لأخذ الماء البارد منها عند الحاجة.. وكذلك وضع الخضار أو الفاكهة في داخل الصندوق لكي تبقى طرية كما هو في الثلاجة الكهربائية التي نستعملها حالياً زمريق .. أشهر من نقل المياه في جدة قديماً . وكان هناك نوعان من السقائين، النوع الأول الذي كان يحمل الماء من البازان بواسطة دلوين تشدهما قطعة قوية من الخشب تستقر على الكتفين، وكانت مهمة هؤلاء السقائين ملء أواني المنازل وكان لكل سقاء من هؤلاء السقائين عدد من البيوت مقابل أجور شهرية أو أسبوعية ولكل سقاء أيضاً منهم شاطئه حيث يقوم بإعداد موقع له لكي يغرف الماء بسهولة من النهر ويجلبه إلى البيوت، وأغلب هؤلاء يعملون في المساء عادة لأن عملهم يتكرر باستمرار ويعانون كثيراً من الجهد المبذول حيث يتحاشون حرارة النهار في نقل المياه ومن أشهرهم العم زمريق . والنوع الثاني هم السقائون الذين يجوبون الأسواق والشوارع حاملين قربهم المزينة بالكثير من الوسائل الجمالية والمنادين على بضاعتهم من الماء أو العصائر أو عرق السوس، وعادة مايكون الماء مهيلاً وفيه حلاوة قليلة جداً، وكان بعض السقائين يبيعون الماء الحلو المهيل ولا يعرف سر حلاوة الماء الذي يبيعونه وكيف أنهم يستخدمون وصفة معينة في إضفاء الحلاوة على الماء لا يعرفها غيرهم.
مشاركة :