الميليشيات الشيعية تخشى انقطاع طريق الموصل – دمشق بعد اتّفاق سنجار | | صحيفة العرب

  • 10/12/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

اعتراض الميليشيات الشيعية في العراق على اتفاق سنجار بين حكومتي بغداد وأربيل والذي ينصّ على إخلاء القضاء من الجماعات المسلّحة، يعكس مخاوف تلك التشكيلات المسلّحة من خسارة مواقعها التي احتلتها خلال مشاركتها في الحرب على تنظيم داعش، والتي أتاحت لها وجودا لم تكن تتوقّعه من قبل في مناطق شمال وغرب العراق حيث التنافس على أشدّه لأجل التموقع فيها بين الولايات المتّحدة وإيران التي تدين لها الميليشيات بالولاء وتعمل على تأمين ممرّ آمن لها بين العراق وسوريا وصولا إلى لبنان. الموصل (العراق) - تخشى الميليشيات الشيعية في العراق أن يُحدث الاتّفاق الذي تمّ التوصّل إليه مؤخّرا بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان بشأن الوضع الأمني والإداري في قضاء سنجار معقل الإيزيديين غربي الموصل مركز محافظة نينوى، سابقة في مجال بسط سيطرة القوات النظامية على مختلف مناطق العراق، لاسيما تلك الواقعة بشمال وغرب البلاد والتي خضع بعضها لسيطرة ميليشيات الحشد الشعبي بعد استعادته من تنظيم داعش في الحرب التي دارت ضدّه بمشاركة الحشد بين سنتي 2014 و2017. ويُفقد الاتفاق الذي نصّ ضمن بنوده على أنّ يدخل كل ما هو أمني في سنجار ضمن نطاق وصلاحيات الحكومة الاتحادية بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان، الميليشيات الشيعية العراقية الموالية لإيران ميزة السيطرة على نقطة مهمّة من المحور الواصل بين الأراضي العراقية والسورية كجزء من طريق أطول يمتد من طهران إلى بيروت عملت إيران طيلة الحرب ضد داعش على فتحه وجعلت من ميليشيات الحشد حارسة له. وفي حال نجاح تجربة إخلاء سنجار من الجماعات المسلّحة، فإنّ أصوات المطالبة بإخراج قوات الحشد الشعبي من الأقضية والبلدات والمدن التي دخلتها أثناء الحرب على داعش سترتفع مجدّدا مدعومة بامتعاض الأهالي من سوء سلوك ميليشيات الحشد والعراقيل التي تضعها في طريق عودة النازحين إلى مواطنهم الأصلية. ويمثّل السحب التدريجي للملف الأمني من أيدي الميليشيات جزءا من المعركة الأساسية لرئيس الوزراء العراقي الحالي مصطفى الكاظمي والمتمثّلة في ضبط فوضى السلاح، في إطار مساعيه لاستعادة هيبة الدولة العراقية كما وعد بذلك في العديد من المناسبات. غير أنّه لم يجد المدخل المناسب لتنفيذ وعده بالنظر إلى قوّة الميليشيات الشيعية ذات الارتباط بأحزاب مشاركة في حكم البلاد وتحظى بدعم كبير وغطاء سياسي قوي من قبل إيران. وعلى هذه الخلفية اصطدم الاتّفاق بشأن سنجار باعتراضات قوية من قبل الميليشيات الشيعية والقوى السياسية المرتبطة بها. وانصبّت الاعتراضات أساسا على دور سلطات إقليم كردستان في الاتّفاق، على أساس أنّه يفتح الطريق لإعادة قوات البيشمركة الكردية إلى مناطق بشمال العراق كانت قد طردت منها في إطار الإجراءات العقابية التي اتّخذتها حكومة بغداد ضدّ الإقليم بعد أن أقدمت قيادته السياسية على تنظيم استفتاء على استقلاله عن الدولة العراقية سنة 2017. وحذّر النائب في البرلمان العراقي عن تحالف الفتح الممثل لميليشيات الحشد الشعبي عدي شعلان أبوالجون الأحد من عودة قوات البيشمركة الكردية إلى قضاء سنجار وسهل نينوى، لافتا إلى أن ذلك قد يؤدي إلى فتنة بين المكونات. وقال أبوالجون في بيان إن “اتفاق سنجار الذي يتضمن عودة البيشمركة إلى القضاء قرار غير مدروس وقد يؤدي إلى نتائج يصعب السيطرة عليها“. وأضاف “هذا الاتفاق لربما يكون بادرة لجس النبض تمهيدا لإعادة البيشمركة إلى كركوك في الأيام المقبلة ما نعتبره خطوة خطرة. وعلى الحكومة أن تعلم موقفنا الرافض لتقديم تنازلات لمكون على حساب آخر”. وكان زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي أوّل المعترضين على اتّفاق سنجار وقد اعتبر في بيان أن “الاتفاق الأخير الذي حصل بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان بخصوص سنجار والذي تضمن إخراج الحشد الشعبي الذي حرّر القضاء هو مُجاملة سياسية ومكافأة انتخابية على حساب الإيزيديين الذين عانوا ما عانوا من الوضع السابق ويُراد أن تستمر مُعاناتهم بهذا الاتفاق الجديد”. ودعا الخزعلي المعروف بقربه الشديد من إيران “كل القوى الوطنية لإبداء رأيها في هذا الموضوع وعدم المجاملة فيه”، مشددا على “ضرورة أن يكون هناك موقف يتناسب مع أهمية وخطورة هذا الاتفاق”. ورعى رئيس الحكومة العراقية شخصيا عملية التوصّل إلى الاتّفاق حيث حضر الاجتماع بين المسؤولين في الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان للاتفاق على إعادة الاستقرار وتطبيع الأوضاع في القضاء بحضور ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت. وتضمن الاتفاق نقاطا إدارية وأمنية وخدمية عديدة. ونصّ على أن يتمّ إدخال كل ما هو أمني ضمن نطاق وصلاحيات الحكومة الاتحادية بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان. أما الجانب الخدمي فسيكون من مسؤولية لجنة مشتركة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم ومحافظة نينوى. وقال الكاظمي إن “إتمام الاتفاق على الملفات الإدارية والأمنية في قضاء سنجار من شأنه أن يسرّع ويسهل من عودة النازحين إلى القضاء”. وأضاف “إن الاتفاق جرى في أجواء من التفاهم الأخوي في إطار الدولة الاتحادية. وسيكون بداية لحل مشاكل جميع المناطق المتنوّعة إثنيا ودينيا في العراق”. وذكر أن “سيادة القانون كفيلة ببناء أساس لدولة قوية تسودها المواطنة وترعى التنوع الديني والإثني وهو مبدأ لن نتخلى عنه لأنه يرتبط بمستقبل العراق ووحدته”. وأشار الكاظمي إلى “أن التأخر في إعادة الاستقرار إلى سنجار كان على حساب الأهالي الذين عانوا بالأمس من عصابات داعش الإرهابية، ويعانون اليوم من نقص الخدمات”. وتعهّد الكاظمي بأن “تبذل الأجهزة الحكومية قصارى جهدها لأجل المضي قدما في البحث عن المختطفات والمختطفين الإيزيديين”، موضّحا “أن الحكومة الاتحادية وبالتنسيق مع حكومة الإقليم ستؤدي دورها الأساسي في سبيل تطبيق الاتفاق بشكله الصحيح، لضمان نجاحه بالتعاون مع أهالي سنجار أولا”. وشدّد الكاظمي على رفض بلاده “استخدام أراضيها من قبل جماعات مسلحة للاعتداء على جيرانه سواء الجار التركي أو الجار الإيراني وباقي الجيران”. وبعد استعادة داعش من سنجار تسرّب مسلّحو حزب العمال الكردستاني إلى القضاء وأقاموا معسكرات لهم داخله، ما جعل تركيا التي تصنّف الحزب تنظيما إرهابيا تشن عمليات عسكرية خاطفة في سنجار بدعوى ملاحقة تلك العناصر. ومع سياسة التمدّد خارج الحدود التي تنتهجها تركيا بقيادة زعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان، أصبح عدم قدرة العراق على ضبط الجماعات المسلّحة على أراضيه ذريعة مناسبة لتركيا للتدخل عسكريا داخل الأراضي العراقية، على غرار ما تقوم به في سنجار وعدد من مناطق إقليم كردستان حيث أطلقت قبل أشهر عملية عسكرية واسعة النطاق تحت مسمى مخلب النمر دون تنسيق مسبق من السلطات العراقية. وعبرت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة عن “سعادتها بالتوصل إلى الاتفاق بشأن سنجار”، قائلة إنّه “يوم تاريخي للقضاء بعد المجازر التي عاشها أبناؤه على يد عصابات داعش، والمصاعب التي عانوا منها بعد طرد التنظيم”. وأضافت “إنها بداية حقيقية لعودة النازحين إلى مناطقهم، وإن الأمم المتحدة مستعدة لدعم الاستقرار في هذه المنطقة”. ومن جهته قال محافظ نينوى نجم الجبوري إن الاتفاق الذي تم بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق بشأن سنجار تضمن إخلاء القضاء عن كل المظاهر المسلحة. وذكّر الجبوري الذي شارك قبل تولّيه منصب محافظ نينوى في الحرب على داعش كأحد كبار ضبّاط الجيش العراقي بأن “قضاء سنجار تضرر كثيرا من العمليات الإرهابية”، مشيرا إلى أنّ “الاتفاق تضمن تعيين وانتخاب إدارة جديدة للقضاء تكون مقبولة من جميع أهاليه”، ومعلنا “تشكيل لجنة عالية المستوى من قبل رئاسة الوزراء والحكومة المحلية لإعادة إعمار للقضاء وعودة النازحين إليه”. وخلال الحرب على تنظيم داعش اكتسبت الميليشيات الشيعية العراقية الموالية لإيران المزيد من القوة والتنظيم، وأصبحت بفعل مشاركتها في تلك الحرب قوّة سيطرة فعلية على الأرض تؤمّن لإيران خطّا بريا واصلا بين طهران وبيروت على ضفة البحر المتوسّط مرورا بالأراضي السورية والعراقية. وتبذل الولايات المتحدة جهودا كبيرة لقطع ذلك الخطّ، بينما تنظر إيران والفصائل الشيعية الموالية لها في العراق بارتياب إلى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وكذلك إلى القيادة السياسية لإقليم كردستان، حيث تتّهم الميليشيات الشيعية الكاظمي بالتلكؤ والمماطلة في تنفيذ قرار البرلمان العراقي بإخراج القوات الأميركية من البلاد. وبالنظر إلى موقع قضاء سنجار على المحور الواصل بين الموصل والحدود السورية، فإنّ إخلاء القضاء من الميليشيات سينظر إليه من قبل إيران وحلفائها في العراق باعتباره إخلاء للمنطقة التي تريد الولايات المتّحدة أن تركّز فيها وجودها العسكري بعد أن شرعت في سحب تلك القوات من عدة مناطق في البلاد وأخلت المعسكرات الأقل تحصينا ومناعة ضدّ هجمات الميليشيات.

مشاركة :