سوزان باشلار.. سيرة غير ذاتية

  • 10/14/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

إذا كانت سوزان باشلار بهذه المكانة التي هي عليها اليوم، كإحدى أهم عتبات الفكر الفلسفي المعاصر، فإنما يرجع ذلك إلى أمرين لا ثالث لهما: الأول كونها ابنة الفيلسوف وعالم الفيزياء والمؤلف الشهير غاستون باشلار؛ والذين عرفوا هذا الرجل أو قرأوا بعض كتبه، مثل: «جمالية المكان» أو «الماء والأحلام» أو «حدس اللحظة»، فلن يستغربوا أن ينجب فتاة مثل سوزان باشلار التي أمست واحدة من أهم شرّاح إدموند هوسرل؛ رائد فلسفة الظاهريات، وأحد الكتاب الألمان الأكثر تعقيدًا وإرباكًا. ويرجع الأمر الثاني في كون سوزان باشلار أمست ما هي عليه إلى المعاناة التي عانتها؛ حيث تُوفيت أمها _”جين روسي”_ بعد ميلادها بوقت قريب؛ نظرًا لإصابتها بالسل الرئوي. ووضعها والدها، منذ نعومة أظافرها، في بيئة العلم والعلماء، فكان يصطحبها معه إلى المؤتمرات والمحافل العلمية، ولما لاحظ توقد ذكائها قرر أن يصنع منها عالمة، وقد كان بالفعل. اقرأ أيضًا: هينينغ مانكل.. المثقف الملتزمفضيلة المعاناة صحيح أن سوزان باشلار لم تكن العالمة أو الفيلسوفة الوحيدة التي تجرعت كأس الألم والمعاناة، لكنها واحدة من الذين صنعتهم المعاناة عن حق، واللافت في الأمر أن هذه المعاناة (موت الأم) التي وقع تحت نيّرها الأب وابنته دفعت كل واحد منهما لكي يكمل مساره، ولم تكن عائقًا أو معطلًا، إنه نوع من تحدي الذات إن جاز لنا القول. غير أن وجود الطفلة _آنذاك_ سوزان باشلار إلى جوار أبيها مكنّه من اجتياز محنته، وقال هو نفسه: «لحظة مآسي الحياة الكبرى، فإننا نستمد الشجاعة من دعامة طفل». إذًا، كان وجود الطفلة سوزان باشلار عونًا لأبيها على احتمال مآسيه، أما هو فكان عونها ومرشدها؛ عبر إحاطتها بمناخ مفعم بالعلم والعلماء. كلاهما قدّم للآخر ما يفتقد إليه. واحتفاءً بذكرى ميلادها في الثامن عشر من أكتوبر عام 1919م، يرصد «رواد الأعمال» أهم المحطات في حياة سوزان باشلار؛ وذلك على النحو التالي. اقرأ أيضًا: جان أنويه.. صراع المثالية والواقعيةسيرة غير ذاتية درست سوزان باشلار سنواتها الأولى في ديجون، ثم واصلت تعليمها في باريس على مستوى الفلسفة والرياضيات، وتتلمذت أيضًا (بخلاف أبيها بطبيعة الحال) على يد كل من: جورج كانغيلام الذي وجهها نحو السوربون، وكذا معهد تاريخ العلوم والتقنيات، وأيضا جان كافيي J.Cavaillé. وثمة أمر غريب في رحلة هذه الفيلسوفة وهو أنها لم تختر اختصاصًا سهلًا، ولا قررت التخصص في فيلسوف سهل المنال، ولكنها اختارت فلسفة العلم (ومعروف كم هو صعب القراءة في هذا المجال فما بالك بالتخصص فيه)، كما اختارت هوسرل الذي يبدو، كما هيجل وهايدجر، ينحت لغته من صخر ثقيل؛ أي أنه يفلسف اللغة نفسها، أو بالأحرى يصنع لغة للغة. أو قد تكون سوزان باشلار أرادت أن تتحدى ذاتها من جديد في سياق العلم كما في الحياة الشخصية، أو لعلها أرادت أن تحذو حذو أبيها، لا مجال للقطع هنا، غير أن أبيها كان له باع طويل في الأدب وفلسفة الخيال. سنة 1957م ترجمت سوزان من الألمانية إلى الفرنسية كتاب هوسرل: «المنطق الصوري والمنطق المتعالي»، وأفصحت هذه الترجمة عن مدى تمكنها من ناصية فلسفة هوسرل، وإحاطتها بجميع جوانبها. درست عام 1958، في كتابها “وعي العقلانية”، بالاستناد دائمًا إلى فلسفة هوسرل، العلاقات بين العقل والتجربة، وأقرت بأن كل علم عقلاني يتفرع ويتشعب. سنة 1969، أصدرت عملها المعنون بـ “المنطق والدلالة عند هوسرل”، وظهرت هنا ليس كشارحة لهوسرل ولا عائشة على هامشه، وإنما كناقدة ومقيمة لظاهرياته وفلسفته ومنطقه الدلالي من الأساس. وأشرفت على نشر عمل والدها «شعرية النار»، آخر مؤلفات غاستون باشلار، قبل وفاته سنة 1962م. ومنحتها الدولة الفرنسية وسام جوقة الشرف برتبة ضابط؛ تثمينًا لعطائها العلمي الفريد. توفيت سوزان باشلار في الثالث من نوفمبر عام 2007م في باريس، عن عمر يناهز الثامنة والثمانين عامًا، ودُفنت مع أبيها، في قريتهما الأصلية “بار-سور-أوب”. اقرأ أيضًا: ويليام موريس وتطوير نظرية الصنعة اليدوية آلفين توفلر.. لا نهاية للتاريخ لويس أراغون.. المثقف الذي لم يتخل يومًا عن الإنسان

مشاركة :