بعد أن قلصت الإنفاق بمقدار 180 مليار دولار لمواجهة ركود من أسوأ ما عرفه القطاع في عشرات السنين، ما زالت شركات النفط تعاني نزيف السيولة وتنزلق أكثر في هوة الديون كي لا تمس توزيعات الأرباح النقدية التي تصرفها للمساهمين. ووفقاً لـ "رويترز"، فإن انخفاض أسعار الخام التي أصبحت بنزولها عن 50 دولارا للبرميل من خام برنت عند نصف ما كانت عليه قبل عام ينبئ بضرورة إجراء مزيد من التخفيضات في المشاريع الجديدة والعمليات القائمة. وقد تجد الشركات التي تحاول بيع الحقول النفطية لتدبير السيولة نفسها مضطرة إلى البيع سريعا وبسعر أقل مما كانت تأمله. وما من مؤشر يذكر على أن سعر النفط سينقذ الشركات، حيث تواصل منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" الضخ بقوة في سوق متخمة بالمعروض وذلك ردا على النمو الفلكي للنفط الصخري الأمريكي. ومن المتوقع بحسب ما أظهره استطلاع لآراء المحللين أن يبلغ متوسط سعر "برنت" 60.60 دولار للبرميل في عام 2015 و69 دولارا في عام 2017. وتوقعت وكالة الطاقة الدولية في شباط (فبراير) أن يتعافى السعر إلى 73 دولارا في عام 2020 مع انحسار تخمة المعروض، لكن ببطء. ويقول المحللون في بنك الاستثمار جيفريز "إن شركات النفط العالمية خفضت نقاط تعادل الإيرادات والتكاليف لديها عشرة دولارات للبرميل بعد الجولة الأخيرة من تخفيضات الإنفاق، لكنها مع ذلك بحاجة إلى سعر يبلغ 82 دولارا للبرميل في 2016 لتغطية الإنفاق والتوزيعات التي كانت نقطة الجذب الرئيسية للاستثمار في القطاع لعقود". وذكر جيفريز في مذكرة أنه لتغطية النقص سيعمد القطاع إلى زيادة الاقتراض، ومع أن الاستدانة في القطاع ما زالت تحت السيطرة فإنها ممارسة لا ينبغي المضي فيها إلى ما لا نهاية. وتستفيد شركات النفط الكبرى مثل رويال داتش شل وشيفرون وتوتال من أرباح عمليات التكرير، ويقوم معظمها بزيادة إنتاج النفط والغاز لاعتصار أكبر قدر ممكن من الإيرادات من استثماراتها السابقة، لكن ذلك يؤدي إلى تفاقم تخمة المعروض. ومن المتوقع بحسب ريستاد إنرجي الاستشارية التي مقرها أوسلو تراجع الإنفاق في العام المقبل بين 5 و15 في المائة بناء على سعر النفط. واستغلت شركات النفط الكبرى في العالم نتائج الربع الثاني من العام لإظهار استعدادها لإجراءات أعمق وأشد إيلاما. وفيما قال بن فان بوردن الرئيس التنفيذي لـ "شل"، "إن النبرة تغيرت، وربما لم نترك الانطباع الصحيح المعبر عن مدى إلحاح الوضع في كانون الثاني (يناير)"، رأى بوب دادلي الرئيس التنفيذي لشركة بي.بي أن أسعار النفط ستكون منخفضة لفترة طويلة. ويتمثل جزء من المشكلة بالنسبة لشركات النفط الكبرى في أن شركات النفط الوطنية الكبيرة ومنتجي النفط الصخري زادوا حصتهم من الإنتاج العالمي تدريجيا لسنوات، ما جعل الشركات تحت رحمة عوامل خارج نطاق سيطرتها. ومن المتوقع أن تؤدي تخفيضاتها الاستثمارية الكثيفة إلى تقليص الطاقة الإنتاجية العالمية مليوني برميل يوميا بحلول 2020 وفقا لريستاد إنرجي، لكن منتجي "أوبك" سيتدخلون لتعويض النقص. وقال دادلي الأسبوع الماضي بعد إعلان "بي.بي" تراجع الأرباح الفصلية بمقدار الثلثين تقريبا، "إنه وقت عصيب حقا للقطاع، وفي كل الأنحاء من أبردين إلى أنجولا وهيوستن، إنه يشبه عام 1986". وكان يشير إلى ما حدث أواخر 1985 عندما هوت أسعار النفط إلى عشرة دولارات من نحو 30 دولارا على مدى ثمانية أشهر مع قيام "أوبك" بزيادة الإنتاج لاستعادة حصتها من السوق إثر زيادة إنتاج الدول غير الأعضاء في المنظمة. وتجاوب القطاع عن طريق خفض الإنفاق بمقدار الربع تقريبا وتقليص العاملين بمقدار الثلث وفقا لمورجان ستانلي، وتعافت الأسعار تدريجيا على مدى السنوات العشر التالية مع نمو الطلب العالمي. لكن تخمة المعروض قد تستمر لفترة أطول هذه المرة، فقد قال مورجان ستانلي في مذكرة "إنه إذا اقتفت أسعار النفط أثر المسار الذي ينبئ به منحنى الأسعار الآجلة فسيكون هذا التباطؤ أشد من تباطؤ 1986". وبحسب ريستاد فإن التخفيضات البالغة 180 مليار دولار تعادل نحو 20 في المائة مقارنة بـ 2014. وأرجأت شركات النفط مشاريع تصل قيمتها إلى 200 مليار دولار منها مشاريع صعبة وعالية التكلفة تحوي احتياطيات ضخمة مثل رمال النفط الكندية ومشاريع في المياه العميقة في إفريقيا وجنوب شرق آسيا والمتجمد الشمالي. ويتأخر الإنتاج عن الاستثمار ما لا يقل عن ستة أشهر لعمليات الحفر البري لكن ما يصل إلى عشر سنوات للمشاريع الصعبة في حقول المياه العميقة ومشاريع الغاز الطبيعي المسال أو المشاريع الضخمة لرمال النفط الكندية. ويعتقد بعض المراقبين أن القطاع بحاجة إلى تحسين الكفاءة بصرف النظر عن انخفاض سعر النفط بعد أن ارتفعت تكاليف التشغيل إلى ثلاثة أمثالها على مدى الأعوام الخمسة الأخيرة. ووجدت "بي.بي" سهولة أكبر في التأقلم مع تقلص أسعار النفط بمقدار النصف لأنها باعت بالفعل أصولا قيمتها 45 مليار دولار وخفضت التكاليف لتغطية التعويضات والغرامات الضخمة الناجمة عن حادث التسرب في خليج المكسيك عام 2010. وأفاد جيسون جاميل المحلل لدى جيفريز الذي يعطي "بي.بي" و"شيفرون" توصية بالشراء أنه من المرجح أن "بي.بي" هي الأكثر تقدما بين تلك الشركات على صعيد وفورات التكلفة. وفي الوقت الحالي تستطيع شركات النفط الكبرى تغطية النقص عن طريق زيادة الاقتراض الذي يعادل حاليا نحو 15 في المائة من قيمتها السوقية في المتوسط وهي نسبة منخفضة نسبيا مقارنة بالقطاعات الأخرى. واضطرت شركات التنقيب والإنتاج الصغيرة التي تفتقر إلى أنشطة تكرير كبيرة مثل بريميير أويل وتالو أويل إلى عدم دفع توزيعات أرباح نقدية هذا العام. وذكر مسؤولون تنفيذيون في "تالو" أن الشركة أعادت ضبط النشاط كي تكون قادرة على المنافسة عند سعر للنفط يبلغ نحو 50 دولارا. وشأنها شأن نظيراتها قلصت الشركة التي تتركز أعمالها في إفريقيا الإنفاق على المشاريع الجديدة وتحولت عن الآبار الصعبة لتركز على العمليات البرية والبحرية السهلة. ويقول المحللون في "مورننج-ستار"، "إن "تالو" دبرت تمويلا قبل انخفاض سعر النفط وهو ما يعني أنه سيكون بوسعها تحمل تبعات التباطؤ لبعض الوقت". لكنهم ذكروا أن معدل استهلاك تدفقاتها النقدية سيدفعها في نهاية المطاف إلى بيع أصول لن تدر مقابلا جيدا في ظل المستوى الحالي لسعر النفط. وأوضحت "مورننج-ستار" أن استثمارات "تالو" في اكتشافات نفطية كبيرة قيد التطوير ستتطلب تمويلا رأسماليا أعلى من أن تستطيع شركة بحجمها توليده من عملياتها.
مشاركة :