الجزائر - تسعى الجزائر للحفاظ على دور متقدم في أزمة الجار الجنوبي مالي الذي تعتبره عمقها الاستراتيجي، في ظل كثرة المتدخلين الإقليميين والدوليين. ويرى خبراء أن مهمة الجزائر للإنفراد بمفاتيح ضبط ملف مالي وإدارته ليست بالسهلة في خضم دخول قوى كبرى على خط الأزمة.. وشهدت منطقة الساحل الإفريقي عموما دخول لاعبين جدد إلى الساحة لم تعهدهم المنطقة المحتكرة فرنسيًا بالدرجة الأولى لحسابات تاريخية وسياسية واقتصادية، وأميركيًا بدرجة ثانية. ولطالما شكلت القارة السمراء إحدى أهم دوائر السياسة الخارجية الفرنسية وهذا ما يبرر التدخلات العسكرية المكثفة التي تقوم بها في أفريقيا. وتعمل فرنسا التي تحتفظ بقواتها في مالي ضمن عملية برخان لمكافحة الجهاديين في الساحل الأفريقي إلى توظيف الدور الجزائري بما يخدم مصالحها. و حذر الخبير الأمني أحمد كروش من ان "خطر طول المرحلة الانتقالية بسبب كثرة التدخلات الأجنبية وعدم القبول من بعض الفئات في الداخل ينتج الفوضى والصراعات الداخلية ". الجزائر تسعى لإثبات إنها ما تزال الرقم الصعب في رسم معادلة فرض الأمن في مالي أما الاهتمام الأميركي بمنطقة الساحل فقد اتخذ شرعيته من بوابه مكافحة الإرهاب والرغبة في بسط النفوذ على حساب فرنسا الحليف ذو الوزن الثقيل جدًا وخاصة في مالي. وفي خضم ذلك تسعى الجزائر لإثبات إنها ما تزال الرقم الصعب في رسم معادلة فرض الأمن في مالي. ومنذ الإطاحة برئيس مالي إبراهيم بوبكر كايتا منتصف أغسطس، لم تتوقف الدبلوماسية الجزائرية عن التحرك من خلال زيارتين قام بهما وزير الخارجية صبري بوقدوم لباماكو. ففي زيارته الأخيرة نهاية أغسطس، قال إن "مالي بلد في غاية الأهمية بالنسبة للجزائر وكل ما يعني هذا البلد الجار يعنينا أيضا". كما ان هذا الملف لا يغيب أبدا عن خطابات وتصريحات الرئيس عبد المجيد تبون الذي تطرق إلى "الوضع الحساس" في مالي بمناسبة خطابه الأخير أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وفي أعقاب انقلاب 18 اغسطس، دعت الجزائر التي تخشى مزيدا من زعزعة الاستقرار في جوارها الجنوبي، إلى انتخابات وإلى "احترام النظام الدستوري". ثم صعّد الرئيس تبون اللهجة بتأكيده أن "حل الأزمة المالية سيكون جزائرياً بنسبة 90 بالمائة"، أما في شمال مالي المجاور للجزائر "فلا حل خارج اتفاق الجزائر" الذي أبرم في 2015 بين حكومة مالي والمجموعات المسلحة الموالية للحكومة والمتمردين الطوارق ضمن تنسيقية الحركات الأزوادية. وانتقد تبون مجموعة دول غرب إفريقيا التي فرضت عقوبات على مالي بعد انقلاب 18أغسطس وبدأت وساطة في الأزمة المالية "دون استشارة الجزائر". وقال "لم يستشيرونا ولم يتحدثوا معنا ونحن بدورنا لم ولن نستشيرهم ولن نُكلّمهم ( لأن) الامتداد الجغرافي لمالي هو الجزائر وليس دول بعيدة". DDD ونقلت وسائل الإعلام الرسمية في الجزائر "بصفتها قائدا للوساطة الدولية في مالي" العديد من التصريحات عن مسؤولين وفاعلين في مالي تؤيد الموقف الجزائري أبرزها تصريح الإمام محمود ديكو الشخصية المركزية في الأزمة السياسية. ونقلت الإذاعة الجزائرية عن قائد الحركة الاحتجاجية التي أدت إلى الإطاحة بكيتا قوله "موقف الجزائر مشرف و محترم منذ بداية هذه الأزمة التي تمر بها مالي الى يومنا هذا ودور الجزائر أساسي في تطبيق بنود اتفاق الجزائر للسلم و المصالحة الوطنية ". وكانت الجزائر قادت وساطة دولية في مالي أدت إلى توقيع اتفاق سلام في 2015 بين باماكو والحركات المتمردة في شمال البلاد. وتنظر الجزائر بأهمية لترسيخ أسس الاستقرار مالي والذي يرتبط بالجزائر، نظرا لان النزاعات المتكررة والهشاشة الأمنية وضعف الدولة في مالي يؤثر على الجزائر بشكل مباشر وهو ما أكده الخبير الأمني أحمد كروش الذي اعتبر أنه من الطبيعي أن تولي الجزائر أهمية خاصة لملف مالي "باعتبار أن دولة مالي تدخل في المجال الحيوي والاستراتيجي للجزائر". من جانبها اعتبرت أستاذة العلوم السياسية بجامعة الجزائر، لويزة آيت حمادوش، أن دور الجزائر في مالي يجد مبرراته "بالنظر إلى المعطيات التاريخية والاقتصادية والجغرافية والديمغرافية" بل "إن الجزائر في حاجة إلى لعب هذا الدور ولديها القدرة على ذلك". "لكن عندما نأتي إلى التحليل من الناحية الواقعية، من الصعب جدا لعب هذا الدور بسبب النقائص الداخلية" كما قالت المحلّلة السياسية. وأوضحت ان الجزائر نفسها تعاني "من اقتصاد غير منتج ووضع سياسي غير مستقر وجيش قوي لكنه غير مؤهل لإرسال قواته إلى الخارج". وبدأت مالي مرحلة انتقالية مدتها 18 شهرا لطي فترة حكم ابراهيم كيتا، بقيادة الرئيس الانتقالي باه نداو الذي عيّن بدوره وزير الخارجية السابق مختار عون رئيساً جديداً للوزراء.
مشاركة :