مدرسة للإنشاد الديني في مصر تمزج بين موسيقى الشرق والغرب | | صحيفة العرب

  • 10/16/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يسعى المنشد المصري محمود التهامي إلى تجديد فن الإنشاد الصوفي وربطه بموسيقات العالم، كي يقرّبه أكثر إلى الأجيال الشابة، وهو الذي أسّس في عام 2014 “مدرسة الإنشاد” التي تمزج بين موسيقى الشرق والغرب، الأمر الذي مكّن طلاّبه من تدعيم الموهبة بالعلم. لقاهرة - أمام جمع من الأطفال والشباب والكبار جلس نقيب المنشدين الدينيين في مصر الشيخ محمود التهامي على أريكة خشبية يختبر الحاضرين في فن المقامات الموسيقية وما يحفظون من أناشيد؛ إنها مدرسة الإنشاد الديني التي تأسّست للحفاظ على تراث الآباء والأجداد وتحويله فنا معاصرا. كان الحاضرون يجلسون في فناء واسع داخل قصر الأمير طاز وسط القاهرة، حيث نفحات التاريخ الإسلامي تفوح من الجدران والأعمدة والأبواب. ولم يكن التهامي يعتمر عمامته الشهيرة وجلبابه الصعيدي الفضفاض، بل كان ممسكا بعوده الخشبي يداعب أوتاره ويؤدّي الأناشيد الدينية مرتديا قميصا صيفيا وسروالا قصيرا من الجينز وقبعة ونظارة شمسية. وقال الشيخ محمود التهامي في إشارة إلى ملابسه “لا أستطيع الذهاب إلى الصعيد (جنوب مصر) بهذا الزي، لا بد من أن أرتدي العمة والجلباب”. وأضاف “لكن هنا أنا وسط أولادي وشباب المنشدين، ومن الممكن أن يرهبوا العمة والجلباب بعض الشيء ما قد يؤثر على التجاوب والتفاعل”. تربى محمود، المنشد الصعيدي البالغ من العمر 41 عاما، في محافظة أسيوط جنوب البلاد ونشأ في بيت والده ياسين التهامي شيخ الإنشاد والمديح الشهير، وأسّس مدرسة الإنشاد في عام 2014 بعد تأسيس نقابة الإنشاد الديني. وقال التهامي “تبيّن لنا أن أغلب المنشدين المحترفين يعملون بالخبرة والموهبة فقط دون العلم، من هنا وجب علينا أن نؤسّس مدرسة الإنشاد حتى تصقل المواهب بالدراسة والعلم”. وأشار إلى أن طلاب المدرسة يدرسون التواشيح وعلم النغم والمقامات الموسيقية واللغة ومخارج الألفاظ، وتتراوح فترة الدراسة بين أربعة وستة أشهر. وتستقبل المدرسة التي تخرّجت فيها حتى الآن تسع دفعات، كما يؤكّد التهامي، “كل الأعمار والأديان والأجناس ومن جميع دول العالم، طالما تتوافر الموهبة”. فن إنساني اهتمام من أجيال متنوعة تقريب الإنشاد إلى الأجيال الشابة يقول التهامي إنه من محبي الصوفية، وأنه نشأ بالفعل في بيت صوفي، ولكن لا يدّعي أنه صوفي لأن ذلك بالنسبة إليه “مسؤولية”. وأضاف أن التصوف الآن يلعب “دورا كبيرا في تصحيح العقائد والأفكار في زمن التطرف والعنف والإرهاب”. وأثناء تدريب طلاب المدرسة وتوجيه النصائح من قبل الشيخ، قرّر التهامي تشغيل موسيقى الدراما الغربية الشهيرة “صراع العروش” والإنشاد الديني عليها في مشهد غير اعتيادي. وفي السنوات الأخيرة سعى التهامي من الإنشاد والمدرسة إلى أن يطبّق فكرا جديدا يقوم على الحفاظ على التراث والأصالة وتقديمهما بطريقة حديثة من خلال المزج بين ألوان فنية وثقافية متنوعة. وقال “مزجت بين فن الإنشاد الديني بالأسلوب التقليدي وألوان الموسيقى الأخرى الغربية والشرقية”. وكان عام 2017 بداية تجربة التهامي المعاصرة عندما قدّم ثلاثة أناشيد في الألبوم الغنائي الأميركي “أوريغن” الذي حصد إحدى جوائز “غلوبال ميوزيك أوورد”. ويقول التهامي “بعد 2017 بدأت أنطلق إلى المهرجانات الفنية الدولية، ليس الدينية فحسب، حتى يصبح الإنشاد فنا إنسانيا مرة أخرى”. ومن بين مظاهر تجديد التهامي في فن الإنشاد، مشروع تعاون ما زال مستمرا بينه وبين الموسيقي المصري الحائز على جائزة “غرامي أوورد” فتحي سلامة تحت اسم “الصوفية مقابل الحداثة”. ويقول التهامي إن ذلك التعاون “لقي اهتماما عالميا وكان من المفترض أن نقدّم عرضا في النرويج وإيطاليا، قبل أن تتوقف الرحلات بسبب كورونا”. وكشف التهامي عن أحدث مشروع له في هذا الصدد وهو “اللغة العربية الفصحى بموسيقى الشعوب”، مشيرا إلى أن الهدف من المشروع هو “أن يتم طرح الفصحى بموسيقى مختلفة مثل الروك والبوب والهاوس والراي، وأن أستطيع من خلالها توصيل اللغة العربية لأغلب الفئات ليس فقط الغرب وإنما الشباب المحلي أيضا”. بمجرد أن يتخرّج الطلاب في مدرسة الإنشاد التي يديرها محمود التهامي، تصبح لديهم فرصة الالتحاق بمنتخب الإنشاد، وهو الفريق الذي يضم أعضاء جميع الدفعات. أوركسترا الإنشاد قائد أوركسترا "دينية" قائد أوركسترا "دينية" يقول التهامي “ثمة في المنتخب من يلتحق بمسابقات لا تتعلق بالإنشاد، على سبيل المثال هناك أربعة من تلاميذي شرفونا في البرنامج الغنائي ذا فويس كيدز”. وأضاف “من هنا جاءت فكرة تأسيس أول وأكبر أوركسترا للإنشاد الديني في مصر” بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة المصرية، وتم تأسيس الأوركسترا في يناير الماضي بالتزامن مع حصول مصر على لقب مسابقة “منشد الشارقة”. وتضم الأوركسترا حتى الآن 40 منشدا و25 موسيقيا، ولكن لم تعمل بطاقتها الكاملة بعد بسبب جائحة كوفيد – 19 التي أوقفت الكثير من الحفلات والعروض. وعلّق المنشد المصري “الجمهور الغربي والأجنبي يستقبل الإنشاد بشكل أقوى من الجمهور المصري والعربي.. قد لا يفهمون الكلام، ولكن يصلهم الإحساس بالتأكيد”. وحول مدرسته التي دعّمت الكثير من الفرق، ومنها فرق فتيات، وسط آراء متشدّدة تحرّم ذلك التوجّه، يقول التهامي “لا يعقل والمرأة تحكم دولا، وتتولى أعلى المناصب في دول إسلامية وليس في الغرب فقط، أن أتمسك بمقولات تراثية تقرّ بأن صوت المرأة عورة، ويكفيني أن هناك أمهات يتعلمن الإنشاد ليقمن بتعليم أبنائهنّ الإنشاد، حيث تأت إلى المدرسة أمهات أصواتهنّ جميلة وأصوات أبنائهنّ أيضا ويتعلمن من أجل دعم أبنائهنّ ومساعدتهم، ولا أعرف ما الذي يضرّ في أن تتجمّع فتيات في الصلاة على النبي، ما المشكلة في ذلك؟”. ولا يرى محمود التهامي أي مشكلة في أن ينشد المسيحي أو يرنّم المسلم، “فنحن شركاء في الوطن والإنسانية، والإنشاد والترانيم فن مثل كل الفنون الجميلة الراقية، وأتشرّف بالإنشاد في كنيسة، فهي بيت من بيوت الله”.

مشاركة :