عندما أقول اننا نعيش اليوم في قرية عالمية ربما يجب ان اعتذر لاستخدام كليشة مبالغ فيها، ومع ذلك، نحن غالبا ما نفشل في فهم الآثار الكاملة لهذا المصطلح، فليس هناك ما هو محلي في عصر وسائل الاعلام الاجتماعي، فأي حدث خاص في أي مكان حول العالم يمكن تصويره ونشره في مختلف أنحاء العالم بغضون ثوان معدودة. إنها لمن المفارقات أن يتمكن عشرات الملايين من مستخدمي تويتر من الترويج لأفكارهم وتصرفاتهم على نطاق واسع جدا، فيما يبذل اختصاصيو صناعة الإعلان المحترفون جهودا جبارة وينفقون أموالا طائلة من أجل أن تحظى منتجاتهم وخدماتهم بفرصة ظهور مناسبة على منصات الإعلام الاجتماعي والمنتديات. نحن نتعرض باستمرار لقصف بملايين المعلومات، ومن السهل نسبيا للعاملين في العلاقات العامة الوصول إلى شرائح واسعة من الجمهور المستهدف عبر رسائل تتحدث عن منتجات وخدمات مختفلة، ولكن ما الذي يجعل رسالة إعلانية ما تعلق في أذهان الجمهور طاردة جميع الرسائل المنافسة؟ لقد عفى الزمن على المهارات التقليدية في صناعة الإعلان، ولم تعد قادرة على الوصول إلى الناس بالصورة المطلوبة وإقناع الجمهور بالعلامة التجارية التي تروج لها وكسب ولائهم، ولكن مع الأرقام الهائلة من العلامات التجارية والمنتجات المتنافسة بتنا نجد أنفسنا أكثر اعتمادا على خيارات غير موثوق بها للتأثير على اختيارات الجمهور أكثر من أي وقت مضى. كيف يقرر الناس؟ قبل عشرين عاما، كان قرار شراء سلعة ما أو الدفع مقابل الحصول على خدمة ما يتم بناء على مشاهدة إعلان تلفزيوني، أو حتى مطبوع، لكن الآن نرى أن كثيرا من الناس يقومون بزيارة العديد من مواقع metacritic على شبكة الإنترنت، حيث يمكنهم مقارنة آراء العشرات من الذين سبق واشتروا السلعة أو حصلوا على الخدمة، كما يمكن معرفة آراء جمهور واسع على تويتر حول ذلك. في هذا السيناريو، هل يجب عليك كمُروِّج أن تحاول التأثير على الجمهور مباشرة؟ أو تحاول التأثير على أصحاب النفوذ والرأي الرسميين وغير الرسميين؟ تخصص أكبر العلامات التجارية ميزانيات ضخمة لحملات العلاقات العامة، لكنها ربما تستنزف هذه الميزانية في دوامة لا تنتهي من المناقشات على شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات والمدونات، ولكن يمكن لشركة متوسطة الحجم لا تريد أن ترمي ميزانيتها الإعلانية في حفرة لا قعر لها من الفضاء الإلكتروني أن تكون حملاتها الإعلانية أكثر ذكاء وأفضل استهدافا من أي وقت مضى. يجب على الشركات أن تحدد بالضبط من هو الجمهور الذي سيستهلك منتجاتها أو خدماتها، ثم إجراء تحليل دقيق إلى أماكن وجود هذا الجمهور على شبكة الانترنت أو خلف شاشات البرامج التلفزيونية المفضلة وحتى الصحف والمجلات الدورية. لكن من الطبعيي أن صعوبة الترويج للمنتجات والخدمات تتضاعف في حال كان جمهورك عالميا، وأنا حقيقة أشفق على المعلن الساذج الذي يطرح حملة ترويجية واحدة في 20 بلدا مختلفا، مع اختلاف الثقافات وسوء الفهم والترجمات الخاطئة، وهذا ربما يحقق نتائج عكسية تماما ويدفع الناس للسخرية من المنتج بدل شرائه. إن مفهوم العلامة التجارية لم يكن أبدا أكثر أهمية مما هو عليه اليوم، وبالتالي يجب على الشركات التفكير باستراتيجية طويلة الأمد لتحقيق أقصى قدر من الانتشار المتلازم مع مصداقية تلك العلامة التجارية، أما إذا خططتنا لحملة إعلانية كحدث مستقل مجتز مرتبط ببداية ونهاية محددة، فهذا يعني أننا نخطط للفشل. يجب أن نتبع منهجية في التسويق والحوار المستمر مع العملاء وأصحاب المصلحة، وعندما نتمكن بالفعل من بناء علاقة مثمرة مستمرة مع هذه الشبكة الافتراضية، نكون قد بدأنا طريق النجاح. وأشدد هنا على فكرة الحوار في اتجاهين، لأن سماع آراء وحتى انتقادات قاعدة العملاء الخاصة بك من شأنه التعرف عن كثب على احتياجاتهم وتوجهاتهم وتطلعاتهم، وإجراء عمليات تصويب دائم، وتصميم الحملة الإعلانية للمنتجات وتسويقها وفقا لذلك. أرى أن الكثير من الحملات الإعلانية تسير على غير ما يرام، لأن الشركة ليس لديها فكرة وافية عن الجمهور المستهدف وتستخدم اللغة الخاطئة لبيع المنتج الخاطئ. وإذا كنت قد تعلمت شيئا من السنوات الطويلة التي قضيتها في الإعلان، فهو أن تحترم جمهورك، لأن إرادة هذا الجمهور وثقته وولائه هو المقياس الأكثر أهمية لسمعة العلامة التجارية. يمكن لأي شخص أن يخرج إلى السوق بمنتج ما، يبيعه ويجني الأرباح، لكن سر الدعاية ليست مجرد بيع شيء واحد لمرة واحدة، وإنما بناء علاقة مستدامة مع العملاء وأصحاب المصلحة، حتى أننا نجد أن بعض الاشخاص لديهم ولاء لمنتج ما منذ عشرين عاما، يثقون به ويبحثون عنه ويدفعون لقاء الحصول عليه رغم ظهور عشرات المنتجات المنافسة. هذا هو السبيل الوحيد للقيام بأعمال تجارية ناجحة ومستدامة إذا كنت تريد حقا للعلامة التجارية الخاصة أن تقف أمام اختبار الزمن.
مشاركة :