حذر إمام وخطيب المسجد الحرام، الشيخ د. اسامة خياط، في خطبة الجمعة، التي ألقاها أمس في المسجد الحرام، من خُسران العمل، والنّفرة من ضلال السعيِ، نهجُ أولي الألباب، وسبيلُ عباد الرحمن، وطريقُ الرّاسخين في العِلم، يبتَغون به الوسيلة إلى ربهم، ويرجون به الحظوةَ عندَه، ونزولَ دار كرامته إلى جوارِ أوليائه والصفوةِ مِن خلقه؛ لأنهم يستيقِنون أن سعادةَ المرء هي في توفيقِ الله له إلى إصابةِ الحقِّ، ولزوم الجادّةِ، والاهتداء إلى الصراطِ المستقيم، والسلامةِ من العثار، والنجاةِ من الزّلَل، بعبادةِ الله على بصيرةٍ، والازدلاف إليه بما شرَعَه سبحانه. ما حدث من جرم لا يمكن لمؤمن صادقٍ يحذَر الآخرةَ ويرجو رحمةَ ربّه أن يقبلَ به وأضاف: ألا وإنَّ ضلالَ السعيِ ضروبٌ وألوانٌ لا يكاد يحدُّها حدّ، أو يستوعِبها بيان، غير أنَّ من أقبحها وأشدِّها نُكرًا، وأعظَمها ضررًا، شقَّ عصا الطاعة ومفارقةَ الجماعة، والتردِّي في حمأة التمرُّد والعِصيان، واستباحةِ الدِّماء المعصومةِ، وقتلِ النفس التي حرَّم الله قتلَها إلا بالحق، بالتأويلات الباطِلةِ، والآراءِ الفاسدة المدخولة، والفتاوَى المغرِضة التي لا تستنِد إلى دليلٍ صحيح ولا ترجِع إلى فقهٍ ولا نظرٍ سليم قويم، ومن ذلك ما حدَث في مدينةِ أبها مما جاء خبرُه، واتّصل بكم نبَؤه، فأحدَث شرًّا ونكراً وفساداً عريضاً، لا يمكن لمؤمن صادقٍ يحذَر الآخرةَ ويرجو رحمةَ ربّه أن يقبلَ به أو يدعوَ إليه أو يحضَّ عليه، كلاّ والله لا يمكن ذلك أبدًا؛ إذ متى كان القتلُ والترويع أمرًا مشروعًا في هذا الدين وفي كتابُه المنزَّل من حكيم حميد. وتساءل الشيخ د. أسامة خياط: ألم يتفكر هؤلاء في سوء منقلب من أصاب دماً حرامًا كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن عبدالله بن عمر-رضي الله عنهما- أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصِبْ دمًا حرامًا"؟، ثم ألم يطرُق سمعَ مَن فعل هذه الفعلةَ النكراء ما جاءَ من الوعيد الصارِخ على لسان نبيِّ الرحمة والهدى صلوات الله وسلامه عليه لكلِّ مَن قتل نَفسًا أو قتل رجلاً غدرًا، وذلك في الحديث الذي أخرجه الإمام في مسنده وابن ماجه في سننه واللّفظ لهما وابن حبان في صحيحه بإسنادٍ صحيح عن عمرو بن الحمِق أنه سمعَ رسول الله يقول: "من أمَّن رجلاً على دمِه فقتله فإنّه يحمل لواءَ غدرٍ يومَ القيامة"، ولفظ ابن حبان: "أيما رجل أمَّن رجلاً على دمه ثم قتَلَه فأنا من القاتل بريء وإن كان المقتولُ كافرًا". وتابع إمام وخطيب المسجد الحرام: ما زال هؤلاء البغاة الضالون سادرين في غيهم، يُخبون ويوضعون في الإثم والعدوان، الذي يتجلى في أبشع صوره وأشدها نكراً في قتل أهل الإسلام المصلين الراكعين الساجدين لرب العالمين، مزدلفين إليه بأداء فريضة من فرائضه، التي أخبر سبحانه عن رفعة مكانتها، وعظم منزلتها بقوله: ".. وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه.." الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-، والتي أخبر رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه عن شرفها وخيريتها بقوله: "استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولن يحافظ على وضوء إلا مؤمن" أخرجه الإمام أحمد في مسنده وابن ماجه في سننه، وابن ماجه والدارمي في سننهما وهو حديث صحيح بمجموع الطرق. وأضاف: إنّ هذه الأحداث الأليمةَ التي تقضّ لها مضاجعُ أولي النّهي، وتهتزّ لها أفئدة أولي الألباب، وإنَّ هذا العدوانَ الذي تعرَّضت له هذه البلاد هو أمرٌ مرفوضٌ ينكِره كلُّ العقلاء أشدَّ الإنكار، لأنّه محرَّم بنصوص الكتاب والسنة؛ ولأنّه تعَدٍّ لحدود الله وانتهاكٌ لحرماته وعدوانٌ على عباده، ولأنّه فسادٌ نهى الله عنه، وأخبر أنّه لا يحبّه وأنّه لا يُصلح عملَ المفسدين، وتوعَّدهم عليه بالعذاب الأليم، ولذا فإنّ من ولاّه الله أمرَ هذه البلاد قد قام بحمدِ الله وسوفَ يقوم بما وجب عليه من إطفاء نار الفتنةِ وحماية الحوزةِ والحفاظ على الوَحدة وصيانةِ كيان الأمّة، بالنزول على حكمِ الله وتحكيم شريعتِه، لقطع دابر الفساد والمفسدين وإعادة الحقِّ إلى نصابه. واختتم الشيخ د. أسامة خياط بالتأكيد على ضرورة أنَّ تضَافُر الجهود وتكاثُف المساعي، ووقوفَ الأمّة كلِّها صفًّا واحدًا في وجه هذا البغيِ والإجرام الذي لا يرقُب مقتَرِفُه في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذمّة، مشيراً إلى ضرورة تحصينَ الشباب من صولةِ هذا الباطل، وحراسَتَهم من هذا الانحراف، وذَودَ هذا الخطر عن ساحتِهم، وتطهيرَ كلِّ القنواتِ والرّوافد التي تغذِّي هذا الفكرَ الضالّ وتمدّه بأسباب البقاء والنّماء، وقطعَ الشرايين التي تضمَن له الحياةَ، فكلَّ أولئك حقٌّ واجب على كلِّ أهل الإسلام، ومن أظهر ذلك لزومُ الإنكارِ لهذا المنكر العظيمِ برفع الصوتِ عاليًا دون تَلجلُج أو توقّفٍ أو تردّد، فهو -والله- جديرٌ بالإنكار، حقيق على أن يُكشَف عَوارُه وتهتَكَ أستاره ويبيَّن للناس خطرُه وضررُه على المسلمين قاطبةً في كلِّ الديار وفي جميع الأمصار.
مشاركة :