التغيير استراتيجية أميركية تفشل دائما في الشرق الأوسط | | صحيفة العرب

  • 10/17/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تلتقي انطباعات صناع القرار في الولايات المتحدة حول تاريخ سياسات الإدارات الأميركية المتعاقبة تجاه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا طيلة سبعة عقود عند نقطة واحدة، وهي الفشل في الوصول إلى الأهداف رغم الاستراتيجيات والتكتيكات والتدخلات العسكرية، حيث تركت تلك البلدان تعيش في “فوضى خلاقة” أدت إلى انقسامات سياسية داخلية وتدخلات إقليمية وظهور جماعات إرهابية، فضلا عن نتائج كارثية أخرى اقتصاديا واجتماعيا. واشنطن - خلصت التجارب حول كيفية تغيير الأنظمة في منطقة الشرق الأوسط إلى أنها مغرية للغاية لصانعي السياسة في الولايات المتحدة لعقود على الرغم من عدم تحقيق الأهداف بعيدة المدى، لكن من الواضح أن الوقت قد حان أخيرا لتشكيل مسار جديد إلى الأمام. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، شرعت الولايات المتحدة في الإطاحة بأنظمة عربية لم تقدم لها الولاء وذلك بمعدل مرة كل عقد في أماكن متنوعة مثل والعراق ومصر وليبيا وسوريا وإيران وأيضا أفغانستان، التي شهدت محاولتين للتغيير. ويرى فيليب إتش جوردن، منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط خلال إدارة باراك أوباما في كتاب حديث بعنوان “خسارة اللعبة الطويلة: الوعد الكاذب بتغيير النظام في الشرق الأوسط”، أن أسباب هذه التدخلات متنوعة للغاية، كما أن الأساليب التي سعت بها الإدارات الأميركية المتعاقبة لإحداث تغيير كانت مختلفة بشكل واضح، بدءا من الضغط الدبلوماسي وحده إلى الغزو العسكري الصريح. ومع ذلك، يؤكد جوردن أن القاسم المشترك بين جميع تلك التدخلات هو أنها فشلت في تحقيق أهدافها النهائية، وأنتجت مجموعة من العواقب غير المقصودة وحتى الكارثية، وحملت تكاليف مالية وبشرية باهظة، وفي كثير من الحالات تركت البلدان المعنية أسوأ حالا مما كانت عليه من قبل. ويطرح المسؤول الأميركي السابق عدة تساؤلات حول ذلك منها؛ ما هي السياسات والاستراتيجيات والأهداف الأوسع التي شكلت نهج الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الثانية؟ وما هي الديناميات التي أدت إلى تفاقم أو تخفيف التكاليف المرتبطة بالجهود المبذولة للإطاحة بالحكومات؟ وما هي الدروس التي يمكن تعلمها من هذه التجارب السابقة في صياغة استراتيجية إقليمية فعالة وإنسانية، خاصة في أعقاب الانتخابات المقررة الشهر المقبل؟ غير أن البعض يرى في الحجج المقدمة ضد السعي لتغيير النظام بأنها مدروسة وقائمة على الخبرة وتستند إلى مجموعة من آراء الخبراء بما في ذلك آراء المعارضة ربما كانت أقوى لو اتعظ صناع القرار الأميركي من الدروس التي يمكن تعلمها من تلك الأزمات، التي كانت فيها التدخلات الخارجية للحفاظ على الأنظمة العربية فعالة ومفيدة للأطراف الخارجية المعنية. لم تتمكن كل الاستراتيجيات التي اتبعتها الولايات المتحدة من إحداث تغيير في أنظمة الشرق الأوسط وثمة أمثلة كثيرة على ذلك، ومن الواضح أن حجة جوردن التي ساقها في كتابه تبدو للوهلة الأولى مقنعة لمتتبعي سياسات الإدارات الأميركية منذ سبعة عقود. وتُعد خسارة اللعبة الطويلة نظرة شاملة ومثيرة للاهتمام على تجربة الولايات المتحدة مع التغيير، ووجهة نظر من الداخل حول صنع السياسة الأميركية في المنطقة على أعلى المستويات. ويقول جوردن، الزميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية، إن قصة التدخلات الأميركية المتكررة في المنطقة والتي بدأت دائما بآمال كبيرة وغالبًا ما تكون أفضل النوايا، لم تسر على ما يرام. ويؤكد أنه لن تكتمل أي مناقشة مستقبلية لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط دون مراعاة دروس الماضي، لاسيما في وقت يشهد استقطابا داخليا شديدا والتعامل مع مكانة أول قوة في العالم. وتوضح مجموعة من الأمثلة التي سردها جوردن في كتابه مثل الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين والزعيم الليبي معمر القذافي والرئيس المصير الأسبق محمد حسني مبارك، مدى إشكالية فكرة التغيير المباشر أو غير المباشر للأنظمة في الشرق الأوسط، من منظور تاريخي، وحتى أمثلة أخرى سردها المسؤول الأميركي بدرجة أقل مثل مسيرة رئيس الوزراء البريطاني الراحل أنتوني إيدن ضد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر على السويس في عام 1956، كانت تؤكد نفس المشكلة. وتبدو روايات جوردن في كتابه للمناقشات داخل إدارة أوباما حول الإطاحة بنظام مبارك في مصر، ونهج المهمة الزاحفة في ليبيا، والعالم السفلي المتنازع عليه بشدة لسياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا، غنية بالمعلومات. وشكلت نتائج الإطاحة بالرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في عام 2003 أحد الأمثلة لخسارة واشنطن، فالبلد يعيش في فوضى خلاقة منذ احتلاله، وقد حذر ماكس بوت الخبير بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي من أن إيران تحاول “لبننة” العراق، حيث تسعى للسماح لحكومة موالية للغرب بالحكم نظريا في حين تكون السلطة الحقيقية في أيدي ميليشيات مدعومة منها. واستغلت إيران تداعيات الغزو لتعزز نفوذها في العراق، فلديها أذرع سياسية وعسكرية ومعظم السياسيين الذين جاؤوا بعد الغزو الأميركي للعراق كان موالين لطهران، وهذا ما جعل العراق يدخل في دوامة من الفوضى انتهت بظهور تنظيم داعش المتطرف. وكان أهم عمل للكشف عن نفوذ الميليشيات الإيرانية مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وغيرها، هو ما قام به هشام الهاشمي، الباحث العراقي الذي عمل مستشارا للحكومة العراقية وقاتل في وقت من الأوقات كمتمرد ضد القوات الأميركية لكنه قتل على يد عناصر موالين لطهران في يوليو الماضي. وفي ليبيا، لم يكن الأمر مختلفا كثيرا، حيث لم يخف جوردن الانقسام الأميركي حيال الإطاحة بالقذافي، وكيفية طرح مسألة التدخل العسكري من عدمه، رغم أن الولايات المتحدة شنت مئات الضربات الجوية وأطلقت أكثر من مئة صاروخ توماهوك كروز من الغواصات والمدمرات المتمركزة قبالة الساحل الليبي، ما أدى إلى ضرب الدفاعات الجوية في ليبيا، الأمر الذي أعطى الناتو سيطرة كاملة على البلاد. ويقول جوردن إنه لاحظ في البداية القليل من الشهية بين كبار مسؤولي الإدارة للقيام بعمل عسكري في ليبيا، رغم أن بعض السياسيين والمعلقين طالبوا بذلك، ما يعني أن إدارة أوباما عاشت على وقع ضغط متزايد. وكانت الإدارة الأميركية في ذلك الوقت منقسمة، إذ كان المستشارون الأصغر والأكثر مثالية يطالبون بـ”عمل حازم”، في حين ظل بعض كبار المسؤولين حذرين ويعتقد المدافعون عن ذلك، مثل مستشاري أوباما المقربين بن رودس، وسامانثا باور، وسوزان رايس، أنه على بلدهم العمل لحماية الليبيين، ومنع الفظائع المحتملة، وردع الطغاة الآخرين عن قمع شعوبهم بالعنف. وقبل ذلك كانت مصر تعيش على وقع انتفاضة شعبية بعد أيام من انتفاضة في تونس أدت إلى الإطاحة بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي. وقد كانت إدارة أوباما تعلم جيدا أن الجيش المصري قوي وأنها ستعمل على دعم المظاهرات “السلمية” حتى إسقاط مبارك وهو ما حصل بالفعل. وعولت الولايات المتحدة في ذلك الوقت على تيار الإسلام السياسي ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين، لتقلد الحكم وحتى تكون طيعة في يديها، ولكن باغتتها ثورة 30 يونيو 2013 حيث قام الرئيس عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع آنذاك بالسيطرة على الوضع وإزاحة الإسلاميين من السلطة لتخسر معها إدارة أوباما رهانها. من بين العديد من الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها بشأن عمليات صنع السياسة الأميركية في الشرق الأوسط التي وصفها، تبرز ثلاثة منها؛ أولا، من المستبعد أن تحدد مدخلات الخبراء من الدبلوماسيين والمسؤولين والمحللين بما في ذلك جوردن نتائج السياسة الأميركية، إلا إذا صادف أنها تتوافق، وغالبا ما تكون مصادفة، مع الغرائز الرئاسية. ويقدم جوردن وصفا مؤثرا لكيفية مناقشة قضايا الحرب والسلام في الإدارات ومراكز الفكر الأميركية، التي تقدم أسسا لتدخلات الولايات المتحدة وفي كثير من الأحيان، توحي جداول الأعمال ووجهات النظر العالمية بين الممثلين والمعلقين الأوهام والقدرات التخيلية والأخلاقية المحدودة. وفي الحالات التي تمت مناقشتها، أظهرت نتائج السياسة الأميركية القليل من الاهتمام بالحفاظ على الاتساق بين خطاب الولايات المتحدة حول الحرية من ناحية والممارسات الأميركية من ناحية أخرى. ويمكن القول إن نهج أوباما الشخصي كان استثناءً جزئيا، ولكن في الغالب لأن الخطاب المتصاعد المحيط بمثاليته قد خفف من خلال اعترافه العلني الرصين بالحدود المفروضة على قوة الولايات المتحدة وجعل الأمور تخرج عن السيطرة بعد أن شرع في تنفيذ خطته حول مشروع الشرق الأوسط الكبير في 2011، حيث سقطت أنظمة معينة الواحد تلو الآخر، بينما حافظت البقية على استقرارها. وعلاوة على ذلك، عندما تم اتخاذ قرارات السياسة، كان التنسيق بين الوكالات المختلفة وأدوات القوة العسكرية الأميركية في تخطيط وتنفيذ تلك القرارات غالبًا غير كامل، والالتزام بالموارد الكافية والتخطيط والاهتمام بالسياسة لتأمين ثمار النجاحات قصيرة المدى لتلافي الفراغ الأمني والسياسي وإعادة بناء المجتمعات ودعم نظام جديد نادرا ما يحدث. وكان نفوذ الولايات المتحدة على أولئك الذين استثمرت فيهم عادة أقل قوة من تصميم الحلفاء والإسلاميين وغيرهم على متابعة أجنداتهم الخاصة، مثل رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي.

مشاركة :