الطلاق العاطفي.. عندما تذبل شجرة المودة

  • 8/8/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

رويدا رويدا.. تموت شجرة الحب والمودة بين الزوجين، إذا لم ترويها الكلمة الطيبة الحنونة، وترعاها المشاعر والأحساسيس الصادقة، فتتحول الحياة الزوجية إلى صحراء قاحلة تعاني جفاف العواطف والأشواق وتكابد التعاسة والشقاء، بدلا من أن تكون واحة وارفة بأشجار السعادة والهناء. وبالإهمال والحرمان العاطفي تتكسر شراع سفينة الأسرة، وتتلاطمها أمواج الحياة، وتتقاذفها رياح وأعاصير الأيام، فيجني الأبناء ثمار الهوة السحيقة بين الآباء والأمهات، وهكذا يكون الانفصال بين الزوجين في العواطف والمشاعر تعبيرا عن مأساة أسرية يسميها البعض بالطلاق العاطفي. الجفاف العاطفي «العاطفة موجودة لديه ولكنها مكبوتة».. هكذا تجسد السيدة «س.ن» معاناتها من الجفاف العاطفي من قبل زوجها، فالزوجة ذات الطبيعة العاطفية والرومانسية تفتقد مع شريك حياتها التعبير عن الحب وتستشعر الحرمان من العواطف والأحاسيس الطيبة، التي يعتبر الرجل الشرقي التعبير عنها يضعف من شخصيته ويخدش كبرياءه ويقلل من قيمته، لتظل المراة محرومة من أجمل المشاعر والعواطف الزوجية.فالكلمة الطيبة الحنونة بين الزوجين، بحسب ما تعبر عنه «س»، لها مفعول السحر على الطرفين، وتتسع الفجوة وتزداد الهوة بين شريكي الحياة، إذا تعامل الرجل مع زوجته تعاملا رسميا جافا وكأنها زميله في العمل. وتعبر المرأة التي تشكو الإهمال العاطفي عن الألم الذي يعتصر قلبها جراء افتقاد مشاعر الحب والألفة الزوجية، الذي يترك أثره على الحياة الخاصة الحسية ووالاستمتاع بالسعادة الزوجية التي يكمن سرها في شغف الحب والاشتياق. «اتخذت الصبر الجميل سبيلا من أجل أطفالي».. هكذا تستكمل السيدة «س» حديثها الحزين المفعم بالشجن، شاكية إحساسها المتشبع بالوحدة وشعورها بالحسرة التي تلازمها، ولهفتها إلى حياة تستشعر فيها قيمتها كامرأة. ألم وتضحية وتحمل السيدة «س» الزوج المسؤولية الكبرى في حدوث الطلاق العاطفي، فالرجل، في وجهة نظرها، هو المسيطر على الحياة الزوجية، كما لعبت التكنولوجيا دورا كبيرا في ابتعاد الزوج عن­ زوجته وتقربه من الآخرين، وأبناء الزوجة المحرومة عاطفيا، كثيرًا ما يخالجهم الإحساس بالألم، وطالما أبصرت في ملامح وجو­ههم ذلك الشوق للعاطفة الحنونة، التي تترجمها العبارات البريئة التي تطالب الأبوين بالكف عن الخلاف والشجار، ويقدمون لهما النصح ­أحيانًا برغم صغرهم. «إن أجمل ما في الوجود زوج مهتم محب يشعر بقيمة التضحية والوفاء لزوجته، ويشعر بأن ما في يديه ز­هرة تحتاج إلى الاهتمام والرعاية، لكي لا تذبل بين يديه، وزوجة محبة عطوفة تحتوي زوجها، تشعر به، وتسانده على متاعب الحياة، وتضحي من أجله».. بتلك النصائح تختتم السيدة وفاء حديثها لـ»المدينة» موجهة رسالتها لمن يهملون دور العاطفة في الحياة الزوجية. انفصال المشاعر «عندما تنفصل المشاعر والأحاسيس بين الزوجين، فيعيشا تحت سقف واحد، متناسين المودة والعاطفة التي تُثبت العلاقة وتقويها بينهما».. هكذا تعرف الأخصائية الاجتماعية سهيلة العبدالعال، الإهمال العاطفي أو ما يسمى «الطلاق العاطفي» الذي أصبح الظاهرة الأكثر شيوعًا في وقتنا الحالي. فعدم القدرة على التفاهم بين الزوجين والتوقف عن تبادل المشاعر واستمرار الزواج فقط من أجل الواجب والخوف من المجتمع أو وقوع الطلاق الفعلي يمثل، بحسب كلام سهيلة، أهم أسباب الطلاق العاطفي، الذي ينشأ خلال الأبناء مفتقرين للحب والعاطفة التي تساعدهم في تكوين العلاقات الإيجابية بينهم وبين أفراد المجتمع، مما يجعلهم يعانون العزلة وفقدان الثقة بالنفس وتقدير الذات ويعرضهم للإصابة بالأمراض النفسية. ومحاولة الزوجين التحدث مع بعضهما، ومحاولة التوصل للمشاعر الداخلية العميقة، ومراعاة تلبية هذا الاحتياج، تمثل أفضل علاج للتخلص من الطلاق العاطفي، ففي رأي سهيلة، ففي بعض الأحيان يكون الشعور موجودًا، ولكن كبته وعدم القدرة أو الرغبة في التعبير عنه يقف حاجزًا أمام المساعدة الفعلية للزوجين. وقدمت سهيلة نصيحتها للزوجين بالابتعاد عن الخجل، داعية في بعض الحالات المستعصية إلى التوجه إلى بعض مراكز الاستشارات الأسرية، وقالت: «فقد يكون هناك أمل في إنجاح المحاولات». مضاد التوافق وتحذر غادة المختار اختصاصية علم النفس من الطلاق العاطفي الذي ينعكس على جميع التفاعلات داخل الأسرة، مؤكدة أن العاطفة ارتياح نفسي متبادل بين الشريكين إذا لم تكن متواجدة، ستحدث فجوة بين الزوجين، ربما تتفاقم إذا لم تُعالج. والتجافي العاطفي سببه وجود تراكمات وتوتر العلاقة الزوجية ولا يخضع لطول العلاقة أو قصرها، وهذه التراكمات تؤدي إلى موت الحب تدريجيا، كما تقول غادة، فلا يحدث طلاق مباشر مراعاة للأبناء، أ­و الوضع الاجتماعي. ورغم أن تراخي الحالة العاطفية والفتور بين الزوجين ظاهرة طبيعية، إلا أن الزوجين مطالبين باستمرار الحياة بينهما بود مكلل بالعاطفة، كي يخرجون من هذا الأمر إلى بر الأمان، ليسود الأسرة أجواء حميمية، يكتنفها الدفء العاطفي الذي يعود بالنفع على كل أفراد الأسرة. والطلاق العاطفي، وفق ما توضحه غادة، يمر بعدة مراحل منها، الكبت المستمر في هجوم الطرف المقابل، والغيظ الذي لا يعبر عنه بشكل مباشر صريح، والمقاومة الانفعالية التي ينزعج منها الشريك من خلال تصرف معين أو ­تعليق ما، ليتم مقاومته بعدم المصارحة، والرفض كنتيجة للمقاومة والكبت والغضب ليبدأ الشريك بالابتعاد والرفض. أسباب غياب العاطفة وترجع غادة الطلاق العاطفي لعدة أسباب من بينهما عدم الاقتناع بشريك الحياة منذ البداية، و­كثرة غياب الزوج، وتفاقم المشا­كل بين الزوجين، والاختلافات في الآراء والميول والثقافة ومستوى التعليم، وكذلك ­كثرة النقد والتثبيط للطرف الآخر، و­اختلاف الأعمار بشكل كبير بين الزوجين. فالدراسات الأمريكية أكدت أن الفارق ­السني الطبيعي بين الزوجين يكون من 5 سنوات، إلى 10 سنوات كحد أقصى، ­وقلة المصارحة وال­شفافية في العلاقة الزوجية، ومع التزام ال­صمت لديهما يدخل أحدهما أو الاثنين معا في مرح­لة تبلد المشاعر وموت الحب. ودعت غادة إلى ضرورة الاعتراف بوجود المشكلة والمكاشفة والمصار­حة، واللجوء إلى المختصين، لطلب النصح شرط أن يكو­ن برضا الطرفين، مؤكدة على تطبيق الالتزامات المفروضة من حقوق وواجبا­ت بجدية ورغبة في العيش بجمالية أفضل، وإذا لم ينجح الأمر فالطلاق الفعلي هو الحل ­الأنسب للزوجين والأبناء.

مشاركة :