يوم كانت جدة بيتا واحدا

  • 8/8/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أحياناً ينقلب صيف جدة صياطاً من لهب، كالنفوس الساخنة.. ومع ذلك في مثل ذلك الوقت تنتابني نزعة خفية لأكتب وأسهب رغم هيامي بالإيجاز.. وأن أتحدث كثيراً رغم اعتيادي على الصمت.. فقد كان عوناً صادقاً في حياتي رغم عنفه الشديد.. هادئاً منقبضاً تظنه لا يجيد فن الحديث رغم أنه إن تحدث يشدك إليه. حارة المظلوم.. مرتع صباي تتمثل لي أحياناً وترتسم صورتها أمام عيني تلك المساواة في التعامل.. حيث يحاسبك الكبير بقدر مكانته يعنفك بشدة لأقل هفوة لقناعته أنه مسؤول عنك فأنت ابن الجميع والجميع والدك.. هكذا كانت أخلاق ومثاليات حواري جدة الأربع: الشام – المظلوم – اليمن – البحر.. تتدلى كأوراق الشجر.. جو العائلة المفعم بالمودة.. واللقاء البرئ على ضوء الأتاريك والفوانيس، يدار الحديث ملطفاً رطوبة الجو المرتفعة ويهطل الندى كحبات لؤلؤ منثور. شعور بالراحة يخيم علينا وترتخي أعصابنا، ويأتي النهار بغيظه الذي يذوب تحت نسمات ليل جدة وعبق روائح الحارة الذكية.. الصداقة الحقة.. الأهل وزملاء الكتاب ومدرسة الفلاح تتفتح المواهب وتبدع القرائح رغم قلة الإمكانات.. بساطة متناهية لا حرج ولا عتاب.. أضحك كثيراً وأنا أرى ما يحدث اليوم من تراخي وترهل في القيم.. التمزق والشتات للروابط… وأنا ابن حارة إذا سمع صوتاً ينبعث من دار جاره هب مذعوراً. أشياء كثيرة حضرت في ذاكرتي.. الخبز البيتي وألواحه نحملها في رؤوسنا للمخبز.. الألعاب الشعبية.. وغيرها.. عشقت ذلك العصر رغم حرمانه المادي.. عايشت جيل الرجال.. من يقدمون العون لا عين رأت ولا أذن سمعت.. … أيام خلت وبقيت ذكراها عطرة عالقة بمخيلتي تمدني بالعون والراحة النفسية.

مشاركة :