كثيرًا مانتناول الماضي بعبارات فيها من الحقيقة الشيء الكثير مثل عنوان هذاالمقال، وأشياء كثيرة أخرى في ذات الموضوع مثل: كان يضمنا بيتٌ يفتقد للكثير من التجهيزات حيث التأثيث البسيط، والبساطة في كل شيء، في المأكل، والمشرب، والملبس. لم نكن نملك سيارات تقلّنا حيث نشاء. لم تكن الخدمات الصحية، والوقائية ، والتعليمية .. إلى آخره متوفرة، حتى في مستواها الأدنى. فالشحُّ لم يكن في الكماليات فحسب _فلا نعرف معنى كماليّات حينها، ولم نكن نفكر فيها بتاتًا_ بل كنّا نفتقد للضروريات في مجمل أمور حياتنا، وهذا ماكان طاغيًا في حياة الغالبية العظمى من الناس. نتحدّث عن كل تلك المعاناة بين فترة، وفترة لنُتبِعَها بعباراتٍ أخرى مثل قولنا: ولكنّها كانت حياة جميلة تلفّها الألفةُ، والحبُّ، والرضا، والطمأنينة، والقناعةُ، والشّكرُ، والسّرور، إلى ماهنالك من العلاقات الإجتماعية المميّزة، والترابط الأُسْري، والتزاور، والتآخي الذي ينتج عنها؛ لنصل في النهاية إلى مانريده من تبريرات لتغطية أخطائنا، وعيوبنا، وقصورنا في الكثير من أمور الحياة، وبخاصة في الجوانب الإنسانية، والحياتية. والسؤال هنا: هل تبدّل الأحوال الماديّة، والمعيشية، والسكنيّة، والتقنيّة، والتعليميّة، والثقافية.. إلى الأفضل بفوارق كبيرة هو السبب الرئيس لتبدّل العلاقات الإنسانية بعمومها، لتنسحب على حياة الأفراد الخاصة حتى في أمورهم الشخصية، نفسيّةً كانت أو صحيّة، أو معيشية لتصل إلى عدم الرضا، وعدم القناعة، ليتبع ذلك التذمّر، والشكوى، والتأفف من كلّ شيء. بدهيٌّ أن تبدُّل الحال من حالٍ سيء إلى حالٍ أفضل، وبخاصة في الجوانب الماديّة، ينعكس إيجابًا على حياة الأفراد، والجماعات غالبًا. ماذا حصل إذًا ؟ وما السبب الذي يدعونا إلى التباكي على ذلك الماضي، والتحسّر على تلك الأيام التي يلفّها العناء، وتحوطها المعاناة غالبًًا؟ نظل نجترُّ هذا الكلام دون أن نعي أننا السبب الرئيس في الكثير من السلبيات التي نعاني منها الآن، وبخاصة في الجوانب الإجتماعية، والخيريّة التي نحن بصدد الحديث عنها، وأنّ تبدلها إلى الأسوء في نظرنا، هو بسبب تبدّل أحوالنا المادية للأفضل. صحيح كما أن للملاءة المادية، _وماينتج بسببها من تغيرات في كثير من مناحي الحياة_ في حدودها المتعددة فوائد، وإيجابيات، لها أيضًا سلبيات كثيرة ليس المقام هنا لتعدادها. والسؤال المنطقي هنا: هل السبب الرئيس للتغيّرات السلبية التي طغت على حياتنا في كافة مناحيها عائدٌ للملاءة المالية، ولو في حدّها الأدنى؟، أم أن هناك ثمّة أسباب أخرى هي التي دعتنا إلى النظر إلى الماضي لنضفي عليه كل تلك الإيجابيات التي كانت تحوطنا رغم الفاقةَ، والعوَزْ؟ من وجهة نظري، أن السبب فيما نمرُّ به من تحوّلات اجتماعية سلبية في مناحٍ عدّة _ولم آت بجديد، فالكثير يرى ذلك_ عائدٌ لنا نحنُ كأفراد، وجماعات. فالتغيير في حياتنا، نحن من نتحمّل تبعاته السلبية، لذلك التصحيح يجب أن يكون من دواخلنا نحن فقط. كيف؟ نحمدُ الله على فضائله التي لاتُعدُّ، ولاتُحصى. نقوم بواجباتنا الدينيّة، والعمليّة بأمانة، وإخلاص. والواجبات الدينيّة كثيرة ومتعدّدة ليست العبادات الخاصة بالفرد فحسب، وإنما تلك المتعدّية التي ينبغي أن تطال كل المجتمع، من خلال الإلتزام بكل مسؤولياتنا، وواجباتنا، وعلاقاتنا في كل مستوياتها، وهذه لا تتم إلا من خلالنا نحنُ، وعن قناعة تامّة. فأنا، وأنتَ، وأنتِ من يستطيع التغيير للأفضل، فالمسؤولية منوطة بالشخص. هو من يبدأ بها، لا ينبغي، بل يجبُ عليه أن يقوم بمهامه على الوجه الأمثل وِفْقَ المبادئ التي من شأنها خدمة المجتمع بعمومه بِدءً بالأولويات، وأن تكون له بصمة، وأثرًا يُحْتَذى، ويمضي قُدُمًا دون النظر لإحباطات، وسلبيات، وانتقادات الآخرين؛ مهما كانت، ومهما كانوا. حينها يكون الحراكُ ايجابيًّا، وحينئذٍ يتعافى المجتمع ولو في الحدّ الأدنى. لكترونية.
مشاركة :