وصف «فاسد» من الأوصاف الشائعة في استخدام نقاد العرب القدامى، إذ يجد الناظر في مؤلفاتهم أبواباً خصّصوها للحديث عن «الفساد الشعري» من بينها (باب الفساد) في كتاب (البديع في نقد الشعر) لأسامة بن منقذ (ت 584هـ)، الذي أورد فيه نماذج عديدة لأبيات دخلها الفساد في التشبيه وفي المجاورة وفي التفسير وفي المقابلة. كما تحدّث أولئك النقاد عن «فساد التقسيم» و»فساد التفسير» في الأبيات، واستخدموا عبارات نقدية مثل: «هذا البيت فاسد»، و»هذا معنى فاسد»، و»لفظ هذا البيت مبني على فساد». ومن النقاد الذين تتكرّر في عباراتهم كلمة (فساد) ومشتقاتها الآمدي (ت370هـ) في كتابه الشهير (الموازنة)، فمن تعليقاته على أبيات أبي تمام قوله: «ولعله سمع معنى سائغاً حسناً فأفسده بسوء عبارته». أو قوله في موضع آخر: «وقد أغراه الله بوضع الألفاظ في غير موضعها من أجل الطباق والتجنيس اللذين فسد بهما شعره وشعر كل من اقتدى به»، فأبيات أبي تمام التي يكثر في البديع فاسدةٌ مُفسدة لغيره من الشعراء بحسب رأي الناقد! من الاختلافات التي نجدها بين نقد الشعر العربي الفصيح والشعر الشعبي في مسألة الفساد الشعري أن الاتهام بالفساد في الأول غالباً ما يوجّه إلى شعراء ورواة معينين، ولعل أشهر اتهام هو الذي وجّهه ابن سلام الجمحي (ت 231هـ) لابن إسحاق في قضية نحل أو وضع الشعر حين قال عنه: «وكان ممن أفسد الشعر وهجّنه وحمل كل غثاء منه، محمد بن إسحاق». إضافة إلى نقد المفضّل الضبّي (ت291هـ) في السياق نفسه لحماد الراوية في قوله: «قد سلط على الشعر من حماد الراوية ما أفسده فلا يصلح أبداً». أمّا مسلم بن الوليد فقد اُتهم بأنه «أول» من أفسد الشعر، فقد أورد الآمدي قول ابن مهرويه: «سمعت أبي يقول: أول من أفسد الشعر مسلم بن الوليد، ثم اتبعه أبو تمام، واستحسن مذهبه.. فسلك طريقاً وعراً، واستكره الألفاظ والمعاني، ففسد شعره، وذهبت طلاوته، ونشف ماؤه». أمّا في الانتقادات التي توجّه للشعر الشعبي فيمكن ملاحظة أن الاتهام بإفساد الشعر لا يوجّه إلى شعراء أو شخصيات معينة، بل يكون موزعاً بين فئات شديدة التنوع، ومن أبرز الفئات التي تتهم بالإفساد الشعري: بعض من المنشدين، الشعراء، ورؤساء تحرير المجلات الشعرية، وأعضاء لجان تحكيم مسابقات الشعر. وربما نتفق على فساد بعض الممارسات التي قام بها عدد من الشعراء والرواة ونعترف بأثرها السلبي على حركة الشعر، لكننا سنختلف حتماً في مسألة تقدير فساد أو صلاح ما قام به شعراء مجددون مثل مسلم بن الوليد وأبو تمام. وكذلك لا يمكن، فيما يتعلق بالشعر الشعبي، التسليم بأن دور المجلات وبرامج المسابقات الشعرية كان دوراً مُفسداً للشعر لاسيما أن كثيراً من المواهب المميزة لم يكن متاحاً لها البروز والوصول للمتلقين لولا وجود تلك المجلات وتلك المسابقات.
مشاركة :