إن البحث عن السعادة في الأشياء الكاملة أضحى من الموضوعات التي احتلت هواجس مجتمعاتنا، بعد طفرة التكنولوجيا وتسارع وتيرة الحياة، أصبح للإنسان متسع من الاختيارات وتصلبت أمامه مجموعة من التصورات فرضت عليه غصبا، حتى ركب هذه الموجة الجديدة التي أدت به إلى المعاناة والسباحة بين المفارقات الكبرى التي أملتها عليه موضة البحث عن الكمال.لعل هذه الأزمة التي نعيشها اليوم هي عائدة للمتغيرات من حولنا، وما فرضته علينا العولمة، حتى تشابكت الأحلام والنوايا وأنماط العيش، وتشابهت مناهج السعي والوصول، وحتى أصبحت حياتنا رحلة للبحث عن الكمال وكفى.هذا البحث القائم على مواصفات معينة، خطتها المجموعات الرأسمالية الكبرى لتسويق منتجاتها، فغلفت هذه الأخيرة بالأوهام واختارت لها أشخاصا زينتهم وفقا لرغبتها، وبذلك كان أن سوقت لأنموذج بشري أصبح الناس جميعا يطمحون للوصول إليه.أينما حللنا وأينما نزلنا، بالمسلسلات التلفزيونية والوصلات الإشهارية ومواقع الإنترنت، كلها -يدا في يد- تعلن علينا حربا شنعاء كل يوم، بجميع الوسائل الممكنة تصر على أن تطيح بنا في فخ الاستهلاك والوهم والتعلق بصورة لا تشبه حقيقتنا.هذه الفوضى التي جاء على يدها حتف البشرية بالقرن الواحد والعشرين، وهذه الهرولة العمياء إلى تحقيق مقاييس خطتها أيادي الآخرين، جعلتنا ننسى أنفسنا ولم نعد مدركين للغاية وراء أهدافنا والغاية من اقتناء ماركات محددة ومن السكن بحي دون سواه، إلى غير ذلك.أصبحنا كالمجانين، نجري بلهفة وراء صورة عرفها المجتمع بالصورة الكاملة، نرغب في الأشياء فقط لأنها الموضة، ولأن الجميع يرغب بها، هذا السباق نحو الحصول على المراتب الأولى في كل شيء وفي تسجيل أسمائنا في الخانة الأولى من جدول ضحايا «البحث عن الكمال» سباق ألكع لا أساس من المنطق سوى رغبة حمقاء في إرضاء الشهوات.في الحقيقة، إن بعض النقص من بعض الكمال ولا وجود لأشياء كاملة، فالحقيقة نسبية والرؤية نسبية وما تسمعه أذناك نسبي كذلك، في المبدأ العام لا وجود لشيء كامل، هي فقط مقاييس نسبية في حد ذاتها، غلفتها الأنا السلبية لتسويقها في قالب وهمي جعل الناس يرفضون حياتهم الناقصة في ظاهرها والمكتملة في جوهرها.
مشاركة :